Thursday 09/01/2014 Issue 15078 الخميس 08 ربيع الأول 1435 العدد

الأحمد يكشف عن مفاجأة الدرر من خلف (الأسوار)

الإعلامي والشاعر أحمد الناصر الأحمد صاحب حضور تراكمي رائع في الساحة الشعبية، تميز بالأخلاق العالية، ورصانة المعنى، وأناقة العبارة، أصدر قبل أيام ديوانه الجميل الذي يقع في مائة وثمان وأربعين صفحة اختار له عنوانا موحيا وهو (الأسوار)، وأتبع العنوان بتفصيل موجز يختزل المحتوى وهو (ذاتي وجداني)، كما جاءت (إضاءة) على الصفحة رقم 5 مختزلة ما سبق الإشارة إليه بخط يده: (يسعدني أن أقدم لكم بعضاً من تجربتي الشعرية بشقيها الذاتي والوجداني، دونما وسيط أو مقدمات. كلي أمل أن يرتقي ما تقرؤونه إلى مستوى ذوائقكم).

وجاءت استهلالة قصائد الديوان قصيدتان تعكس الفطرة الإسلامية السليمة للشاعر السعودي في المملكة العربية السعودية، فالقصيدة الأولى في (كتاب الله) والثانية في (حب الرسول) واقتطف منهما على التوالي ما يلي من «الأولى»:

هذا كتاب ما يقارن بغيره

هذا كتاب الحق والصدق والنور

فيه السور نور البصر والبصيره

محفوظ بامر الله عن الشك والزور

ومن «الثانية»:

كل ما يزيد الكفر والظلم والغل

نزيد في حب الرسول ونطيعه

ثم رسم بريشة مداد الحب والتمكن من الوصف الدقيق قصائد حوت من منظور نقدي كل ما تشتمل عليه قصائد الشاعر الجزل في علم المعاني والبديع، من أخذ المتلقي عالياً في سماء الذائقة الرفيعة، تمثّل ذلك في قصائد عديدة منها (القصيم، سدرة القلب، قطعة السكر، الأسوار، حالة غريبة، من تكون؟!) وامتزج في بعض القصائد الوازع الديني بالسكينة والحكمة، كقول الشاعر في قصيدته (نجوى) على الصفحة رقم 21:

لا سكّرت قدام عينك دروبك

لامن غدت شكواك أكبر من الآه

لا من توجّه جيش الأحزان صوبك

لا صار همّك وين ما رحت تلقاه

نفسك وخلاَّنك أهلك وجيوبك

ما تنفعك.. ينفعك ما يرضي الله

كما أن لعمق ثقافة الشاعر ما يتجاوز - النمطي - في قصيدة الغزل، حيث تفتح التورية لاحتمالات التفسير الوارد للمعنى آمادا بعيدة أخرى. يقول الشاعر في قصيدته (بعض الصدف) على الصفحة رقم 22:

الله على بعض الصدف رقّة وأحاسيس وشجون

يمكن تشوفه عابرة والخير في مكنونها

كم صدفةٍ من صدقها تروح للقلب وتمون

لما تغلغل بالمشاعر ما تجوز بدونها

الله عليها صدفةٍ تجاوزت كل الظنون

حتى بدت أيام عمري تكتسي من لونها

كما أن للتجلِّي الذي يبحث عنه متذوق الشعر حضوره بحيث لا تفرض المعاني المؤطرة سلفاً تقليديتها، يقول الشاعر في قصيدته (ليالي نازفة) على الصفحة رقم 26:

ليالي تطعن الأشياء وتهتك حرمة المحسوس

تحوّل من حصار الوقت من جملة إلى صورة

قمرها مات في غزوة وقمراها جرحها موس

لها ثارات ترضعها رحيق أحلام مقبوره

وبرؤية الشاعر الاجتماعية (الدقيقة) يرصد حرف الشاعر بالصورة المعنى الذي هدف إليه في قصيدة (شهب العراقيب) ص 27:

إذا بغاك امطر عليك التراحيب

ويسرف بمدحك لا بغى منك حاجه

وإذا انتهى ورّاك شهب العراقيب

عقب المطر تبدأ مواسم عجاجه

وبحس الشاعر الفلسفي يتعاطى برقي متناه مع القيم - واللباب لا القشور - بمثالية تعكس تميزه، يقول في قصيدته (الفقر من جوّا) على الصفحة رقم 43:

لا تكثر البحث والتنقيب

عن حالة فلان وش سوّا

الفقر بالمال ما هو عيب

العيب بالفقر من جوّا

كما أن - لعمق التساؤل الهادف - الذي لا تقبل إجابته بالتكهنات والتأويلات الواهية سبق في ديوان الشاعر كقوله في قصيدته (أودية الحلم) ص 46:

للقلب هاجس.. للخيال استدارة

بين الخيال وهاجس القلب محتار

آمال تبرق والمطر في غزارة

والأرض عطشى كيف ما تنبت أشجار

والحلم يفتح أودية للإثارة

ويعزف تقاسيم الفرح بين الأحجار

كما أن رقة مشاعر شاعرنا العذب توازي معايير صارمة في توجهه ومصداقيته ضمن خطوط حياته العريضة دون أن تتقاطع معها، يقول في قصيدته معايير ص 64:

بعض المواقف مالها أي تبرير

عاش الضمير الحي والصمت راحة

لازم نحدد للصراحه معايير

من قبل نبدأ في حديث الصراحه

كما احتوى الديوان الرائع (الأسوار) على قصائد جميلة أخرى متنوعة الموضوعات فيها من ابتكار المعاني والعذوبة الشيء الكثير، أترك مفاجآتها لمتذوقي الشعر الراقي الذين يتصفحون الديوان وتعانق أعينهم ما حوته (الأسوار) من درر.

- محمد بن علي الطريف