Saturday 11/01/2014 Issue 15080 السبت 10 ربيع الأول 1435 العدد
11-01-2014

رجل درّب روحه على الرحيل..!

رجل في الحول التسعين شابت أوردته ومفرقه وغزت التجاعيد الكثيفة وجهه قال لي بألم: سئمت عتمة الوحدة، وتكاليف الحياة، طال انتظاري، واستوت كل الأمور لديّ على الجودي، غادرني أحباء، ورفاق، وأصدقاء كثيرون، منهم من مات، ومنهم من غاب ولم يعودوا، تركوني أعالج عيشاً يبدو لي كتفاهة مكررة، لم آس على من رحلوا، بقدر ما كان الرحيل اختيارهم، وأنما على زمن بهي كان يملؤني بالعنفوان، حينما كانت الشمس تطلع من بين الأيدي والأصوات والعيون الواعدة، وها أنا ذا في زمن آخر، أنكره وينكرني، وحيداً كراية غداة هزيمة، أعيش في عتمة الليل برده وعزلته، دربت روحي على الفقد، على اعتياده، كما لو أنه طقس نوم وصحو، أو جرح عتيق غائر تحاذر أن تنكأه، أنطويت على ما كنت أوقدته من وجد، كما ينطوي جبل قديم على صخره وترابه، دائماً إذ لم أجد ما أؤخيه، آخي نفسي وأدعو أن لا تخذلني، أنا مثل عازف غريب يبحث عن جمهور غريب، أحتضن الليل قصيدة لا تنام، أحاول أن تقبل الحياة، لكن قلبي يرتعش، في مخيلتي أشياء جدائلها طويلة، أنا في ديمومة تعويضية هائمة لها شكل الإنفصال، حائر تقاسمني العزلة، الموجودات التي أتعامل معها يومياً تجلب لي الوحدة، وتجعلها شريكة لي، أحاول الانشغال مع الذات حصرياً، قوة الاستقطاب لدي تعادل قوة الخسارة، استقطابي خاسر شامل وفاعل، تعودت التفكير وحيداً، تعودت الألم الذي يصل بي حد المأساة، أصل في مخيلتي دائماً إلى نقطة اللاتعويض النهائي، صرت كالمغناطيس يجذب العناصر المتآخية لذاته من الحزن، الوحدة والخسارة والفقد تغطي على روحي وعظمي وهيكلي، تسودني حالة الإنكسار حتى في حيازة اللذة، أحاول أن أستسلم للفرح، لكنه يهجرني بقسوة، الفرح معي غير عادل، وسلبي في عطائه، جربت في حياتي عدة ذوات وليست ذات واحدة فحسب، وعدة أشياء وليست شيء واحد، الخسارة عندي عظيمة حين يصبح الفقد ركيزة، أملك نفس تراجيديا المتنبي (وحيدٌ مِن الخُلان في كلّ بلدة... إذا عظم المطلوبُ قَلّ المساعدُ) أنا أتوجد المسافة في فقدان الخليل السند، توجدي مضمر مع حلمي المجهض، أحاول طرد الحزن، فيغدو التواصل مع المأساة مرعباً، خسارتي اجتمعت مع المكان الثابت والاستقرار المنسي، لست تشاؤمياً، لكن غياب الخليل دثرني باليتم، حتى اكتسبت وجوده، الوحدة عندي عوز دائماً إلى العزلة، التراب والرماد باهاتان، لكنهما صارا عندي مثل قصيدة جميلة في امرأة حسناء، الخصب عندي تحول إلى جدبوالنبات إلى تبن، والحطب إلى رماد، أحاول تحرير الكلام حتى أجعله واضحاً كما في لوحة (الجورنيكا) (لبيكاسو)، الوجوه البشرية وإن تكن مذعورة في اللوحة مع رؤوس الحيوانات تتكلم مقاومةً الصمت وغاية فرضه درء الصمت، وأنت أطلقت سراح كلامي من سياجه الفظيع، وبئره العميقة، لا تسألني بعد عما أنا فيه، لأن يقيني يظل حارساً لنفسي، وكثيراً ما قادني هذا اليقين إلى الباب، أو إلى الطريق إليه، لم أندم، ولم أيئس، كل ما في الأمر إنني سئمت واستوت لدي الأمور وتشابهت، ما من شيء يحضني على الإقامة، لكن هناك أشياء كثيرة تغريني نحو السفر الأبدي.

ramadanalanezi@hotmail.com

ramadanjready @

مقالات أخرى للكاتب