Sunday 12/01/2014 Issue 15081 الأحد 11 ربيع الأول 1435 العدد
12-01-2014

صراخ الشكوى .. والفاعل مستتر !

في الشتاء العربي الثالث بعد وهم «ربيع» سرابي، كيف يبدو المستقبل؟.

الاحتمالات المستقبلية المتوقّعة على المدى القصير هي للأسوأ، إذا لم تتغير الأوضاع نحو الإيجابية، بفعل مقصود وقرارات مدروسة بتركيز مستقبلي واضح، ومدعوم بقرارات سيادية حاسمة، وتوجُّهات مجتمعية واعية. سيدفع الوطن والمواطنون ثمناً فادحاً لتراكمات التسيُّب العام، والعشوائية، والأنانية الفردية والفئوية، وضعف الوعي والحس الوطني. المسبب الأول أنّ المجتمع انحرفت به أعرافه في العقود الأخيرة فرسخت في الوضع العام أنانية المسؤول، وسلبية المواطن في حمل مسؤوليات المواطنة، والاكتفاء بصراخ الشكوى من «تغلغل الفساد».

**

حتى في الدول التي لم تصلها حمى وهم الربيع، هناك فعلاً صخب متزايد العنف الكل فيه ضحايا يشتكون، والكل فيه فاعل مجهول مستتر!!

الكل يطلب الستر لنفسه! وستر الغير والتعاطف مع الاحتياجات الإنسانية وتفهم الضعف البشري قيم أخلاقية جميلة حرفت عن معناها الأصلي الجميل، لتمسي تغييباً لقيمة المسؤولية عن الفعل الفردي، أو التقصير المؤسساتي، أو منهجة التجاوزات. صار التعذُّر ب «الستر» يشمل بالحماية كل ما يحتاج لوقفة محاسبة حازمة جازمة لا تفرق بين مجرم صغير أو كبير.

في الواقع لا يمنهج الستر من يخاف الله، بل من يخاف أن يكشف الآخرون صفحة ممارساته! فلنسمِّ الأفعال بمسمّياتها المباشرة:

الواسطة والرشوة والاختلاس جرائم واضحة، بجب أن تعالج وتحجم ممارساتها بسن قوانين يتم تنفيذها بإجراءات واضحة ومفصّلة.

من يتعذّر أنّ الواسطة أو الرشوة أو الاختلاس تجاوزات يمارسها «الجميع»، إنما يحلل ممارستها لنفسه دون خجل. تبقى الحقيقة أنّ هذه الممارسات تنخر في بنية المجتمع وأساسات المستقبل.

كثير من ممارساتنا العرفية جاءت تحريفاً في معاني قيم جميلة أدى إلى انحرافات مجتمعية قاتلة؛

مثلاً، ليس صحيحاً أنّ «العطالة» أشرف من العمل في « أي وظيفة»!! وليس مقبولاً أن تكون خصوصيتنا حصيلة «الترفع» الفردي و»سوء مناهج التعليم والتدريب «. وأن ترسخ تنشئتنا مبدأ «لوم الغير» والتسامح مع تسيبنا، وتوقعات أن نحصل على ما نشتهي بناءً على ما نطالب به، وليس بناءً على ما نبذله أو نقدمه من عطاء مقابل.

يبقى أنّ الناتج الأخير هو خسارة عامة على مستوى معيشة المواطن ورضاه، وبالتالي مزيد من القلقلة الاجتماعية، في أوضاع عدم استقرار اقتصادي ومجتمعي وسياسي يتفاقم على مستوى الدولة والجوار الإقليمي وعالمياً.

**

إذا كان هناك ما يشكر لـ«الربيع العربي» فهو أنه نبّه المجتمع العربي كله في كل دوله وبكل مستوياته، من قمة صنع القرار إلى المواطنين في الشوارع العامة والمنازل والمؤسسات، إلى ما تراكم في النصف القرن الأخير من نتائج قصر النظر وضعف التخطيط وهشاشة الشعور بالانتماء وبالمسؤولية الجماعية، وتضخم التركيز على المصلحة الفردية وإطارها الفئوي .

وما زال هناك من يصرون على أنه «ربيع» فيما نمر بشتاء عربي ثالث قارس التفاعلات، تتفاقم فيه نتائج صراعات الأحزاب المتصارعة على السُّلطة حدّ التفجيرات الدموية وهدم المدن ومعالم الحضارة .

وتتصاخب الأصداء في الشوارع والمخيمات والإذاعات بالشكوى حيث الكل ضحايا والكل فاعل مستتر . أو ممتنع عن الفعل الصحيح!

نتابع التأمُّل في حوار قادم ..

مقالات أخرى للكاتب