Tuesday 14/01/2014 Issue 15083 الثلاثاء 13 ربيع الأول 1435 العدد
14-01-2014

بموضوعية ودون تزوير!

ليس أكثر من الأشجار المنعزلة عن محيطها، والرمال الكثيرة التي ترى أثر السيارات التي سبق وأن وقعت في مصيدة هذه الرمال، ولكنني اجتزتها لأنّ سيارتي من نوع قوي جداً، رغم أنني لا أحبها!، أنظر إليها بالكثير من الازدراء وأرى من عيوبها ما لا يراه غيري. وكنت أضع نصبَ عينيّ أن أخرج من هذه المتاهة قبل أن تغربَ الشمس.

فغروبها وأنا في مكان لا أعرف ما هو ولا أشعر بالخوف الذي يعتري الإنسان حينما يحسّ أنه افتقد البوصلة. وكان الشعور بالضياع وما يرافقه من أحاسيس ذُهانية، كأن يطرأ عليك منظرك وأنت تقتعد الاسمنت لدى مركز يعنيه أن يوصلك، ولكنّ ما يعنيه أكثر هو هل أنت طبيعي أم لا؟!، لأنّ معاناتك وما دار في ذهنك والحلول التي اقترحتها والنهايات التي تصوّرتها كلها في كفة، وكونك غير طبيعي (وهي الصفة التي تعارف عليها المجتمع على أنها تعني كونك تعاطيت مشروباً ممنوعاً!!) في كفة، تبدو هي الأهم والأكثر إلحاحاً في ذهنية الذين يعتبرون أنفسهم حرّاساً للفضيلة، ومن أبرز طباعهم ذلك الطبع التافه الذي يجعل همه هو العثور على ما يدينك، ويؤكد أنك (غير طبيعي)، لكنني واصلت السير تسلّمني رمال إلى رمال تنتهي بجبال زاد الليل من سوادها وارتفاعها ولا نهائيتها. وفي لحظة صغيرة تذكّرت طفولة ممعنة في الماضي ولكنها لم تزل تحمل معها جاذبيتها ورائحة أشجار الطماطم والشمس العريضة والأحاسيس التي يجلبها شعورك بأنّ هذه الطفولة هي ساحرة. وأنها ستظل كذلك ولكن بأن تعتبرها ذكرى جميلة وأن لا تعتبرها هي القضية التي تشغل روحك وتستهلك دنياك، بدون أن تستمتع يوماً بيوم منقطع العلاقة مع ما قبله أو ما بعده!. إنّ صعوبة الكلام عن ذلك ينبع ليس من كونه شبيهاً بالأسلحة الكيماوية ولكنه ينبع من أنك ستقدم اعترافاً ضدّ نفسك. وهو اعتراف يعطي أفضل الذرائع لكي يهاجم ما يتيسر من سيرتك. وكلما ازداد عدد الذين يعتبرونك واحداً من مكدّري الصفاء الاجتماعي، زادت الحروب اللا مرئية والتي طالما عجزت عن إقناع أحد بوجودها، لأنّ الآخرين ينتظرون ما يسمّونه (وثائق!)، فأنت ورغم أنّ الله منحك حرية التصرف في جدولك، إلاّ أنّ هؤلاء الآخرين يمارسون دور الذي يتابعك كي يجيب نفسه على سؤال وضعه هو (هل أنت تمارس الكراهية ضدّ كل الآخرين؟ وهل كل الصمت الذي تحيط به نفسك هو صمت بريء أم أنها إحدى ألاعيبك؟) وفي زمن جاء متأخراً وليس يملك المبرّرات لمجيئه، صار الناس غرباء فيه عن ذواتهم وجاء زمن صار الناس لا يهتمون بما تسمّيه (الخذلان)!.

هنالك في (الأدبيات) المجتمعية ما يؤيد عزل الثقافة والمثقفين عن الحراك الاجتماعي. باعتبار أنّ التقارب الثقافي هو أشدّ خطورة من الحسم العسكري، لأنّ الخيار العسكري ودوماً وفي الرؤية الإنسانية، هو من قبيل الهدم وتكريس مسألة الحرب كحلّ أفضل من الحلول التي تتطلّب الكثير من الجهود التي قد يصطدم بعضها مع شروط معيّنة يضعها طرف ما أو أكثر. ولذا فإنّ اليأس الذي يتضح في كتاباتنا التي تميل إلى نوع من التواضع والنسيان للأخطاء التي سبق أن تلقّاها طرف من الآخر. ونحن نرى أن الحلّ الثقافي هو الأكثر ملاءمة من أيّ حلول أخرى!. فالإنسان ومنذ خلقه الله هو كائن يستفيد من حركة المجتمع والتاريخ ويسعى للتزوّد من المعرفة التي تشكل أهم الأسلحة الواجب أن يكون ضمن زوّادة المحارب. فلا يمكننا تصوّر اندلاع حرب كبيرة لمجرّد النظرية أو مجرّد مسايرة اللغة التي تفترض وجود فهم متمكن وخلاق للسلام ومناقض للعدوان. ويرى أنّ العنف هو أسوأ الحلول الممكن القيام بها. وهنالك في سيرورة المجتمعات ما هو مرتبط أساساً بأن يكون السلام ولغة التفاهم واعتبار الحوار ليس مجردّ شكل من التمثيل والخداع للذاكرات الإنسانية، بل هو أهم خطوة ٍ يمكن منها البدء ببناء جسور الثقة وتشييد العلاقات الإنسانية على أنّ الأخلاقيات التي يعتبرها الجميع موضع جدال، ولا يرون بأساً في خرقها وتخطّيها عند الضرورة. وهذا القياس ليس معياراً حقيقياً لمدى أهمية العمل ضمن أخلاقيات معيّنة، ولكنه على الأقل يمنح الجميع شيئاً من طمأنينة القرب من الوصول إلى حلٍّ يكون أقرب إلى القبول، إذْ ينطوي على إعطاء كلِّ ذي حق حقه دون (تطفيف) في الميزان، ويحرص على أن يتفرّق المتصارعون في المكان المعيّن. ويتفرّغ الجميع لبناء وطنهم ومحاربة الجهل والجوع والمرض.

hjarallah@yahoo.com - alhomaidjarallah@gmail.com

www.jarrallah.com

مقالات أخرى للكاتب