Friday 17/01/2014 Issue 15086 الجمعة 16 ربيع الأول 1435 العدد
17-01-2014

الجنادرية .. والصدامية الثقافية «في زمن الخريف العربي»

المثقف العربي أينما كان ومن أي التيارات هو، ينظر هذا المثقف للجنادرية على أنها حدث ثقافي بامتياز، وغالبية هؤلاء القوم الذين يأتون من شرق الدنيا وغربها، شمالها وجنوبها لا يكترثون كثيراً بالشق الأخر للمهرجان «التراثي الوطني» والذي يشكل منظومة متكاملة تحكي قصة إنسان هذا الوطن منذ التأسيس وحتى هذه الساعة.. ولذلك في مثل هذه الأيام من كل عام يترقب وينتظر المثقف المنتمي لهذه الأمة العربية خطاب الدعوة لحضور الجنادرية سواء أكان في موطنه الذي ينتمي له أو أنه يعيش مشرداً طريداً في بلاد الغربة بعيداً عن أرض العرب وأهلها.

لقد كان ميلاد المهرجان الوطني للتراث والثقافة التابع لوزارة الحرس الوطني عام 1405هـ، وهاهي اللجنة المنظمة التابعة للوزارة تعلن رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للمهرجان في دورته التاسعة والعشرين منتصف شهر ربيع الآخر، وفي كل دورة عٌقدت كانت محاضرات وندوات وأمسيات ولقاءات هذا الحدث الثقافي الهام علامة فارقة في تاريخ الحوار العربي إزاء قضاياه الساخنة الحاضرة وبقوة في الذهنية الجمعية عشية «الجنادرية».

إن الأحداث الجسام التي تمر بأمتنا وتحيط ببلادنا تجعل المراقب والقارئ في تاريخ الجنادرية الثقافي والعارف لبعض الشخصيات التي تُدعى غالبية بل ربما كل الأعوام، تجعله يشفق على اللجنة المنظمة التي تقع عليها مسئولية اختيار مفردات المشهد الثقافي السنوي وتوجيه الدعوة لمن تراه أهلاً لطرح هذا الموضوع أو ذاك، إذ تنعقد هذه الدورة ونحن نمر بأحداث مفصلية لا تقبل أنصاف الحلول ولا يمكن معها التغاضي عن أخطاء المثقفين والمفكرين الذين أثروا وما زالوا يؤثرون بشكل أو بآخر في اتجاهات وتوجهات الشارع العربي.كما أن بعض الحكومات صارت تصنف المثقف «مع أو ضد النظام الحاكم» من خلال مشاركاته الخارجية والدول التي يرتبط بها ويسافر شطرها ليشارك في مناسباتها الثقافية أو حتى الاجتماعية والرسمية.

إن الجنادرية هي المتنفس الوحيد للثقافة العربية بعد أن دفنت جميع الأسواق والمهرجانات الثقافية المماثلة في بلاد العرب أو أنها ضعفت وتلاشى دورها وقل الاكتراث بها من قبل هذه الفئة المؤثرة والفاعلة في الحراك الثقافي الوطني والعربي الداخلي والخارجي، ولذا يتطلع من ينتظم وينتمي إلى هذه الشريحة أياً كانت مرجعيته ومهما كان توجهه الثقافي أن تفتح الجنادرية ملفات العرب الساخنة وبقوة بكل شفافية ومصداقية وحرية ووضوح، وعلى رأس القائمة ومن أول الأوليات سبر أغوار ملف الثورات العربية وقراءة أوراقها المخفي منها والمعلن وتحليل كلماتها والبوح بحقيقية وطنيتها وسلامة مجريات أحداثها من كونها ضمن مشروع مخطط له يسعى إلى إيجاد ما يسمى « الفوضى الخلاقة « وصولاً لتقسيم أراضينا من أجل شرق أوسط جديد.

ومن الملفات المهمة اليوم العلاقة العربية – الإيرانية، فمع أن هذا الموضوع طرح في الدورات السابقة إلا أن التأزم والتصعيد والتوظيف لهذه الثنائية المتنافرة والمتصارعة ذات الجذر العقدي/ الفكري من قبل إيران تستلزم الوصول فيه إلى رؤية عميقة تنتهي ببيان واضح للمثقف العربي يدين فيه جميع تحركات المثقف العربي التي تفضي به إلى الانتماء المزدوج الذي يضر بالثقافة العربية وبمصالح الشعب العربي أو يؤثر على السيادة الفعلية على كل شبر من تراب أرضه الطاهر.

إن قضايا السياسة والأمن الفردي والمجتمعي والملفات ذات الصلة بالإرهاب والتطرف والتجيش والتجسس والتوظيف للشباب من أجل زرع الفرقة وبث الشائعات ونشر الأكاذيب ومن ثم إيقاد نار الفتنة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال مواقع الإنترنت ومحاولة جعل منظومة الإعلام الجديد باب شر، وكذا حرب المخدرات، والحديث عن الحقوق الغائبة لفئة أو طائفة مهمشة مسحوقة في إيران وغيرها، وتضخيم الأخطاء ورفع سقف المطالبات الغير شرعية والتي لا تتوافق وطبيعة المجتمع والمرحلة التي يعيشها، والفساد بدلالاته المختلفة وبأبعاده المتعددة، و... كل هذه المتفرقات ذات البعد العربي جزماً هي من أولويات المواطن العادي فضلاً عن المثقف النخبوي، والكل يريد أن يسمع فيها ما يمكن أن يكون لديه القول الفصل ويؤثر على مساحة تفكيره ويوجه بوصلة عقلة وهذا لن يتأتى إلا عن طريق الحوار الواعي والحجة القوية المبنية على الدليل القائمة على البرهان العقلي/ المنطقي المقنع، والجنادرية هي المرشح الأقوى في ساحتنا العربية بل لا أبالغ إذا قلت إنها المرشح الوحيد لسد هذا الفراغ ولمد جسور التواصل الفعلي مع الفئات المجتمعية الشعبية منها والمتوسطة، فالكل يرقب وينتظر الفرج ولو بالقول الذي يبعث فيه روح الأمل ويدفعه للعمل، فالخوف يحيط به ويتغشاه وهو أشد ما يكون حاجة إلى سماع نبرة تفاؤل من لسان عربي مبين قرأ وحلل واستشرف المستقبل فملك قدراً من الحقيقية التي يمكن الركون إليها ولو نسبياً، حفظ الله ولاة أمرنا وحمى بلادنا ووقانا جميعاً شر من به شر وإلى لقاء والسلام.

مقالات أخرى للكاتب