Wednesday 29/01/2014 Issue 15098 الاربعاء 28 ربيع الأول 1435 العدد
29-01-2014

صور من النزاهة

* التراث بكل ما يحمل معين لا ينضب، ومورد من أعذب الموارد، من خلاله نستدعي الماضي ورموزه، ونستشرف المستقبل ونخطط له باستدعاء الشخصيات التاريخية وسيرها الرائعة، نختزل ممارسات وتجارب ثرية وكثيرة في الحياة، بجميع أبعادها، الاجتماعية، والسياسية، والشورية، والإدارية، والاقتصادية، ونحن بهذا النهج من بين أمم كثيرة تفزع إلى تاريخها المجيد وتراثها العبق بين الحين والآخر، كلما حزبها حازب، أو طاف بها طائف، أو حققت من الإنجازات والنجاحات ما يستحق الذكر والتخليد.

* عمر بن الخطاب (الفاروق) إحدى الشخصيات المحورية في تاريخنا العربي والإسلامي، يلجأ إلى سيرته ويتكئ عليها بالتعبير المباشر حينما يقوى مؤرخ، أو أديب على ذلك، ويتوارى بالرمز، والكناية، والاستعارة، والإسقاط غير المباشر حينما تستدعي المواقف ذلك. وأحسب أن الأدب الرامز هو الغطاء والوعاء لمثل بعض المعالجات لقضايا كثيرة تدور في هذا الزمن المضطرب.

* قدمت سيرة (الفاروق) العطرة بقوالب مختلفة، بالشعر الملحمي حينا، وبالقصص التمثيلية حيناً آخر، وأجزم أنها بالفن الأخير،رغم معارضتها من بعض القوى المتشددة لاقت من الرواج والتفاعل والاستيعاب والقبول أكثر من ذي قبل.

* الفاروق (عمر بن الخطاب)، حامل لواء النزاهة في الإسلام لا تمثل له حياته في الجاهلية شيئا، وليس فيها ما يمكن أن يعتد بها، إذا ما وضعها في (ميزان الإسلام)، لهذا لم نحفل بها هنا، اقتداء به، بل إن في حياته بالإسلام ما يكفي من المبادئ والقيم والأمثلة التي تجسد (النزاهة) بكل صورها، وتقدم للقارئ الواعي الفطن أمثلة من تحمل الأمانة، واستشعار المسؤولية، والتقشف، والتعفف، والمساواة، وقوة الرقابة، والعدالة في القضاء، والصرامة في التطبيق.

* ليس من اليسير في موقف كهذا أن نقدم خطواته الإصلاحية في بناء دولته، والتي كان في كثير من ملامح التطوير رائدا، لهذا سنكتفي بقبسات تضيء الطريق لمن أراد أن يترسم الخطى بوعي تام، وحسبنا هنا أن نقتطف شوارد من (العمرية) لحافظ إبراهيم، وهو يحاول بفنه الأدبي الشعري أن يقدم بعض المواقف والأمثلة والشواهد، وهو يرى ما يحيط بمجتمعه المصري من أحداث جليلة آنذاك، والتاريخ -أيها السادة- يقتحم الأسوار الحصون، ويعيد نفسه بدون استئذان.

* أمام (الفاروق) العدالة تأخذ مجراها، على (كائن من كان)، إذ لا فرق بين قوي وضعيف، بين الوالي والرعية، دون استراتيجيات ضخمة، تستغرق من الجهد والوقت الشيء الكثير، في الوضع والتنفيذ:

فما القويّ قوياً رغم عزتهِ

عند الخصومة والفاروق قاضـيها

وما الضعيف ضعيفاً بعد حجتهِ

وإن تخاصمَ واليها وراعيها

* لا الحسب، ولا النسب يشفع، ولا مكان للقريب في حق عام أو خاص، لا محاباة ولا مجاملة،استقلالية في القضاء قولا وفعلا، والناس سواسية أمام شرع الله في ذلك العهد الزاهي، الرامز للعدالة:

فلا الحسَابة في حق يجاملها

ولا القرابة في بطل يحابيها

* حياة التقشف التي آمن بها طبقها على الأقربين، على أهل بيته، وهم أولى بالمعروف، فحينما تحدث الزوجة نفسها كأي زوجة، وتتمنى بعض الأماني، وتجد في طلب بعض الامتيازات، طالما أن مقاليد الحكم، والأمر والنهي بيد ولي أمرها .قطعة من (الحلوى) فقط اشتهتها نلك المخلوقة الضعيفة، فلا تجد لها ذلك القبول عند (الفاروق):

يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها

من أين لي ثمن الحلوى فأشريها؟

ما زاد عن قوتنا فالمسلمين به

أولى فقومي لبيت المال رديها

* شاطر (الفاروق) الرعية في قاصي المعمورة ودانيها حياة البؤس، فلم يهدأ له بال، أو يقر له قرار حين يسمع ببعض مظاهر الفقر .وقف على المرأة الأرملة الثكلى، وعلى المرأة العجوز التي انقطع عنها المعين، وتقطعت بها سبل المعيشة.

كان (عمر) مع تلك الفئات هو الوالي، وهو الخادم، ولهذا ارتاعت من سلوكه الأكاسرة والقياصرة، من الفرس والروم، ووقفوا له احتراماً وتقديراً، ومهابة وخوفاً:

وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً

بين الرعية عطلاً وهو راعيها

فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً

ببردة كاد طول العهد يبليها

فقال قولة حق أصبحت مثلا

وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها

أمنت لما أقمت العدل بينهمُ

فنمت نوما قرير العين هانيها

* في ملحمة (حافظ إبراهيم) رسائل كثيرة، لمن كان له قلب، أو ألقى السمع، وهو شهيد.

dr_alawees@hotmail.com

dr.alawees.m@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب