Friday 31/01/2014 Issue 15100 الجمعة 30 ربيع الأول 1435 العدد

نحو تطوير التعليم: المشكلات الاجتماعية والسلوكية المدرسية والخدمة الاجتماعية

د. راشد بن سعد الباز

يواجه الطلاب والطالبات في المملكة عدداً من التحديات والمشكلات الاجتماعية والنفسية التي لم تكن معهودة في السابق وانعكست على سلوكياتهم وأفكارهم واتجاهاتهم. وتُمثل المدرسة بيئة مهمة في التنشئة الاجتماعية، فالطلاب يتأثرون ببيئة المدرسة بما تتضمنه من زملاء ومدرسين ومناهج صفية وغير صفية ربما أكثر من تأثرهم بالمحيط الأسري.

ويتعاظم دور المدرسة في التنشئة الاجتماعية حيث لم تعد التنشئة الاجتماعية مقصورة على الأسرة فقط خاصة مع تزايد التحديات والصعوبات التي تواجه الناشئة في الوقت الحاضر، وبينما كانت المشكلات في السابق محدودة قد لا تتعدى المشاجرة والمضاربة بين الطلاب، وسوء التفاهم بين الطلاب ومدرسيهم تعقدت المشكلات في الوقت الحاضر وتعددت.

ومن خلال خبرتي في مجال الإرشاد الاجتماعي والطلابي هناك تفاقم في المشكلات السلوكية والاجتماعية حتى وصلت إلى العنف واستخدام السلاح بين الطلاب في المدارس بل اتجه العنف إلى المدرسين حتى وصل إلى إيذائهم بل والقتل كما حصل مؤخراً، إضافة إلى استخدام المخدرات وترويجها، ناهيك عن تبادل الممنوعات والمواد المخلة بالآداب، واستجدت مشكلات ومظاهر انحرافية لم نكن نعهدها من قبل ليس فقط بين الطلاب لكن حتى بين الطالبات. واتجه بعض الطلاب إلى العنف وتخريب الممتلكات العامة، بل والبعض إلى التفكير في الانتحار نتيجة للمشكلات الاجتماعية والنفسية التي يواجهونها. وأصبح بعض الشباب يحمل أفكاراً وتوجهات منحرفة وضالة وبعضها متطرف. كما اضمحلت هيبة ومكانة المدرس وهذا نذير شؤم في المجتمع، حيث ينعكس ذلك على اضمحلال هيبة الوالدين وهيبة رجل الأمن بل واضمحلال هيبة أي سلطة رسمية في المجتمع.

وأمام ذلك فالمدارس يجب أن يكون لها دور كبير في التنشئة الاجتماعية وفي مواجهة المشكلات الاجتماعية والنفسية التي تواجه الناشئة، لأنّه من المؤسف أن يُنظر إلى المدرسة على أنّها مؤسسة تعليمية فقط وليس كمؤسسة للتنشئة الاجتماعية، حيث تُركز المدارس، بوجه عام، على الجانب التعليمي وتغفل الجانب الاجتماعي الذي لا يقل أهمية عن الجانب الأول خاصة في هذا الوقت الذي يواجه فيه الطلاب والطالبات تحديات وصعوبات عديدة؛ فالمدارس هي صانعة للعملية التربوية بمفهومها الشامل التي من المفترض أن تقوم على ستة محاور أساسية تتضمن: الطالب، المدرس، والمنهج الدراسي بشقيه الصفي واللاصفي، والأدوات والوسائل التعليمية، والبيئة المدرسية، والتنشئة الاجتماعية.

وتتصف هذه المحاور بالترابط بينها والخلل في أحدها يؤثر على العملية التعليمية والعملية التربوية برمتها.

لقد أسهمت التقنية الحديثة في مساعدة الطلاب والطالبات في عملية التحصيل الدراسي والعلمي واكتساب المعلومات والحصول عليها بيسر خارج نطاق المدرسة مما يزيد من أهمية دور المدرسة في التنشئة الاجتماعية، لذا فهناك حاجة للنظر في البرامج والمناهج التعليمية بما يكفل تخريج شباب وفتيات ليسوا متسلحين بالعلم فقط بل متشربين للقيم الاجتماعية المرتكزة على الدين الإسلامي ومتمسكين بالتقاليد الاجتماعية والانتماء الوطني ومتحملين للمسؤولية الاجتماعية، فالغاية من التربية والتعليم ليس تخريج فرداً متعلماً فقط ولكن أيضاً فرداً صالحاً؛ ومن الوسائل المهمة في تحقيق ذلك الاهتمام بالتنشئة الاجتماعية في العملية التربوية الذي سيكون له انعكاساً إيجابياً على تحصيل الطلاب والطالبات الدراسي وتفوقهم العلمي.

ويبرز دور تخصص الخدمة الاجتماعية في مواجهة المشكلات الاجتماعية والنفسية التي يواجهها الطلاب والطالبات، فالخدمة الاجتماعية تخصص علمي ومهني وبحكم فلسفتها وركائزها وأسلوبها فهي المهنة الأنسب للتعامل مع القضايا الاجتماعية وفي علاج المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها الطلاب والطالبات في مختلف مراحلهم الدراسية، ولأهمية دور الخدمة الاجتماعية نجد في الدول الغربية أنه يُشترط في كل مدرسة وجود إخصائيين اجتماعيين متخصصين في الخدمة الاجتماعية بل أيضاً في بعض دول الخليج العربي كالكويت وعمان.

ومن الغريب أنّه في الوقت الذي تزداد فيه الحاجة إلى مهنة الخدمة الاجتماعية نتيجة للتحديات والمشكلات الاجتماعية والانحرافات السلوكية والفكرية التي تواجه الطلاب والطالبات، إلا أن هناك تجاهلاً للدور المهم الذي تضطلع به مهنة الخدمة الاجتماعية في المدارس، حتى أنّ وظيفة الإخصائي الاجتماعي الموجودة في السابق حُولت إلى وظيفة مرشد طلابي وأصبح يُعين في وظيفة الإرشاد الطلابي من شتى التخصصات، بل إن بعض التخصصات بعيدة كل البعد عن الجانب الاجتماعي، وربما يُعين في وظيفة الإرشاد الطلابي أفراد تنقصهم ليس فقط التخصصية ولكن أيضاً الكفاءة والرغبة في العمل الاجتماعي، فقد يُرشح لوظيفة المرشد الطلابي مدرس يُراد التخلص منه لوجود ملاحظات على أدائه في مجال التدريس؛ لذا فالقائم بعمل المرشد الطلابي قد لا يعرف أساسيات وأساليب العمل الاجتماعي المهني في التعامل مع القضايا الاجتماعية وعلاج المشكلات الاجتماعية التي تواجه الشباب والإجابة عن أسئلتهم المحيرة، وفاقد الشيء لا يعطيه، مما أفقد المدرسة دورها الريادي في التنشئة الاجتماعية ومواجهة مشكلات الناشئة؛ وقد لمست ذلك من خلال خبرتي في المدارس، فهناك من المرشدين الطلابيين من لا يملك مهارة التواصل الاجتماعي مع الطلاب ومن لا يستطيع بناء علاقة مهنية معهم للدخول إلى عالمهم والبعض قد يستخدم أساليب غير تربوية في علاج مشكلاتهم.

من جانب آخر فإن اشتراط التدريس لفترة من الزمن قبل الترشيح لوظيفة الإرشاد الطلابي غير مناسب، فوظيفة التدريس تختلف تماماً عن متطلبات وظيفة الإرشاد، ففلسفة التعليم وأساليبه لا تنسجم مع طبيعة الإرشاد الاجتماعي والطلابي، فالمدرس يسعى إلى توصيل المعلومات إلى الطلاب بأسلوب جمعي وفي أقصر وقت ممكن وقد يتطلب ذلك الحزم مع الطلاب، لكن مهنة الخدمة الاجتماعية وأساليبها تعتمد على بناء علاقة مهنية ركيزتها الثقة المتبادلة بين الإخصائي الاجتماعي (المرشد الاجتماعي) وبين الطالب يشعر من خلالها الطالب بالارتياح لكشف ما يعتريه من مشكلات أو تساؤلات أو قضايا ليتسنى للإخصائي الاجتماعي تقديم أفضل الحلول والإجابات ولعلاج المشكلات التي يواجهها الطالب؛ لذا فالمدرس الناجح في عمله لن يكون ناجحاً في الإرشاد الاجتماعي والطلابي، كما أنّ الإخصائي الاجتماعي الناجح لن يكون مدرساً ناجحاً.

إنّ افتقاد دور الإخصائي الاجتماعي والإخصائية الاجتماعية في المدارس يؤدي إلى نتائج سلبية على الاتجاهات والسلوك وعلى التحصيل الدراسي، وإلى سعي الطلاب والطالبات للبحث عن حلول لمشكلاتهم والإجابة عن تساؤلاتهم من خلال أفراد أو جماعات أو قنوات قد لا تكون سليمة وقد يكون لديها أفكار أو توجهات منحرفة.

إنّ تحوير وظيفة إخصائي اجتماعي إلى وظيفة مرشد طلابي يحتاج إلى إعادة نظر، فمفهوم مرشد طلابي ليس مفهوماً مناسباً في وقتنا الحاضر حيث يُركز فيه على جانب التحصيل العلمي للطلاب وهذا مفهوم قاصر؛ ومن هنا فإنّه من الضروري إرجاع الدور المهم الذي كانت تضطلع به الخدمة الاجتماعية في المدارس في السابق والاهتمام بوظيفة الإخصائي الاجتماعي كوظيفة أساسية في المدرسة مثله مثل المدرس، خاصة مع التحديات والمشكلات الاجتماعية والانحرافات الفكرية التي تواجه الطلاب والطالبات التي برزت في السنوات الأخيرة كاستخدام المخدرات والعلاقات غير المشروعة وابتزاز الفتيات التي تتطلب متخصصين ومتخصصات في الخدمة الاجتماعية وإحداث برامج ابتكارية لمساعدة الطلاب والطالبات على التعامل مع القضايا المستجدة والمشكلات العديدة وبناء شخصيتهم وتزويدهم بالمهارات الحياتية وتعزيز الجانب القيمي، ولبناء علاقة مهنية مع الطلاب والطالبات لمعرفة ما يجول في أذهانهم من أفكار وتوجهات لتصحيحها.

وختاماً، فإن مقياس تطور الدول هو مستوى التعليم فيها، وأي مشروع لتطوير التعليم لا بد أن يتبنى الجانب الشمولي للعلمية التربوية بحيث يكون محور التنشئة الاجتماعية مرتكز أساس فيه، وهناك حاجة لإعادة بناء وصياغة الإرشاد الطلابي في المدارس وتطويره ليكون سنداً للعملية التعليمية والتنشئة الاجتماعية السليمة للطلاب والطالبات، لذا فإن تحوير الإرشاد الطلابي في المدارس إلى مكاتب للخدمة الاجتماعية وإسناد العمل فيها إلى إخصائيين اجتماعيين وإخصائيات اجتماعيات ذوات كفاءة أصبح أمراً ملحاً في وقتنا الحاضر؛ فالغاية من التربية والتعليم ليس تخريج فرد متعلم فقط ولكن أيضاً فرد صالح.

والكل يتطلع في هذه البلاد المباركة إلى نقلة كبيرة ووثبة عالية للتربية والتعليم مع إدارته الجديدة التي يقودها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، وزير التربية والتعليم - وفقه الله وسدد على الخير خطاه - خاصة في ظل العناية والدعم اللامحدود الذي يحظى به التعليم من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز - حفظهما الله -.

أستاذ الخدمة الاجتماعية - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية