Friday 07/02/2014 Issue 15107 الجمعة 07 ربيع الثاني 1435 العدد

بنية القصيدة الحديثة في شعر إبراهيم محمد العواجي

تأليف: الناقد الأستاذ عبدالله السمطي

قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف ( بنت الأعشى )

الدكتور القدير، والشاعر النحرير إبراهيم بن محمد العواجي - يحفظه الله ويرعاه - صدرت له سبعة دواوين شعرية رائقة ذائقة لا سيما حينما يعده العادون، ويصنفه المصنفون من أبرز وأجل رواد قصيدة التفعيلة الحديثة في وطننا الناهض، المملكة العربية السعودية - أعزها الله - وما ذلك إلا لقدرات جمالية ثقافية يحفل ويحظى بها شعره - أذاعه الله - مع قدرة على توصيل شعره، وتواصل مشاعره لقارئ شعره، ومتذوق أدبه:

أنا الذي نظر الأعمى إلى شعري

وأسمعت كلماتي من به صمم

وتجارب شاعرنا إبراهيم بن محمد العواجي تجارب دلالية جمالية معنوية إنسانية في المقام الأول، فهو عاشق عذري ينتسب إلى بنى عذرة في غزلياته الرشيقة:

أسافر في عيون الغيد

أحسبها عيونك

وتشدني ألفاظهن

أظنها أصدا لحونك

لا تسألي ما الأمس

إن الأمس مات

وأنا ولدت اليوم

حين رموش عينك

لي الزمان

صرن الوسادة

والمهاد

ثم هو وطني محنّك، يحب وطنه حتى الثمالة، ويعزف لوطنه على سيمفونية وعتبات الشعر قائلاً له:

تراب الوطن، نقاء الوطن، هواء الوطن، أمان الوطن، فكل تخوم بلادي، مقدسة في بلادي، فكيف بمكة، والقدس، وهنَّ، نجوم الزمن، وسر خلود، الوطن.

ويقول الشاعر الدكتور إبراهيم العواجي في كتاب: (مثالية الشعر وسلطة الواقع) ما ماهيته: (أنا أريد لشعري أن يُقمّ، لأنني لم أدّع يوما من الأيام الشاعرية القصوى، لأن الشعر عبارة عن رسم بالكلمات، ولارسم يحتوي على ألوان وأشكال ومعان وقيم، وبالتالي أعرف في شعري ضعفاً مثلما فيه قوة والنقد الحقيقي يبحث في الجانبين.

هذا، وقد جاء الناقد النابه، والجهبذ الخبير، والصيرفي الحذق: (عبدالله السمطي) في كتابه الميمون: (بنية القصيدة الحديثة في شعر إبراهيم محمد العواجي) ليهدي الشاعر قبل أن يستهل بنا في رحلة تحليل شعره، إهداءً جميلاً جاء فيه: (إلى الشاعر الدكتور إبراهيم بن محمد العواجي حياة في الرومانسية ورومانسية في الحياة) ثم يقدم للكتاب بمقدمة حافلة جاء فيها ذوق رفيع، ومذاق بديع، يقول فيه: (إن هذه النصوص التي يقدمها العواجي عبر منظومة دالة من الصور والأخيلة تقفنا دائماً على قضايا الذات، أو بالأحرى واقع ذات تحيا في زمنها ومكانها العين، وتطل عبر ذلك على مختلف ما تشعر به من بهجة وغبطة أو أسى أو حنين وفقد ورجاء) ثم في حديث شهد مسترسل يضيف حضور ذات الشاعر الدكتور إبراهيم العواجي زمنياً بقوله: (هو حضور جوهري وبدهي، يتواتر في النص الشعري بوصفه علامة على حضور الشاعر في الزمان من جهة وحضور الزمان في النص الشعري من جهة ثانية، وهذا ما جعل الشاعر يستلهم الأحداث الوطنية العربية، ويعيد نسجها وتأملها قارئاً التاريخ، معايشاً لحظته الزمنية، مقدماً الأحداث كرمز يرى به ويستشرف، ويقفنا الشاعر في نصوص شعرية كثيرة على علاقته بالزمان فهو نديم للزمان، كما في قوله المعبر في (أميرة العيون) وسوف أبقى ها هنا غداً.. وأحتسي من لحظك الحنون).

والسؤال الذي يطرح نفسه على راقم الكتاب - حماه الله - ثم اتشحت هذه القراءة لشعر الدكتور إبراهيم العواجي ويجيب على هذا السؤال بقوله: (اتشحت قراءتنا لشعر الدكتور إبراهيم العواجي برؤية زمنية تنقب عن آليات الزمان، والأحداث، والمواقف الوطنية وعلاقة الذات الشاعرة بالعالم، كما أننا وقفنا عند أبرز الملامح الأسلوبية التي تشكل النسق الشعري العام لدى العواجي، فيما ركزنا في البدايات على إضاءة مكامن بنية القصيدة الحديثة لدى الشاعر، وأرجأنا القراءة الجمالية للبنية البيتية الغنائية لديه لدراسة قادمة).

- يا ألف عام، كنت أحفر في معابرها، ظنوني،

لا عدت يا ذكرى، شجوني،

أأفقتِ أنتِ، من الدوار، ومن جنوني،

ما عدتُ أذكرُ، كيف كنت، وكيف

أني قد صبرت، مدى قروني.

وتحت عنوان أخاذ (رسالة من القدس) يقول:

يا شعباً يهذي بالأمجاد

ويفخر

ويحيل الذل خيالا

لا يقهر

ويغني للأمس القابع

في زاوية التاريخ الأغبر

وأضيع أنا القدس

رمز المجد

وأنحر

والذكرى لخرساء تبدد آهاتي

وتزيل البسمة عن وجهي المصغر

والكتاب الذهبي الذي يقع بين أنامل القارئ المتذوق يعتمد على قراءة الأعمال الشعرية أي (المجموعة الأولى) للشاعر الحاذق إبراهيم بن محمد العواجي، ويتشكل من ثلاثة فصول، وقد ارتسمت بشكل هندسي متطاول ومحكم البناء، فالفصل الأول يتناول البنية والدلالة في شعر العواجي التفعيلي أو الحر، والفصل الثاني يحمل عنواناً مشوقاً وحرفيته: عناق الذات والعالم إلى البحث في مضامين هذه العلاقة بين الشاعر والحدث، وثالثة الأثافي الفصل الثالث فهو يحاول إيضاح بعض الملامح الأسلوبية التي يتضمنها شعر العواجي: طال المساء - والليل أجهده البكاء،

والصبح أعياه، انتظار، الشمس، ترفل بالصفاء،

فإلى متى؟

يا عذبة الإحساس، والأنفاس، نرقب كالمساء

ونسير فوق الصخر، والأوحال، لا نجم يضيء، ولا ضياء

وإلى متى؟

إن كان ثمة، من متى؟، بقايا السنين.

ويرى الناقد الأستاذ عبدالله السمطي - يحفظه الله - أن النتاج الشعري الذي يقدمه الدكتور إبراهيم العواجي يحمل قدراً من خصوبة النص الشعري، ومداومته قراءة العالم عبر الذات شاعرة لها حسها الكتابي الخاص، ونسيجها الذي تمزجه توجهات رومانتيكية وتجديدية تسعى إلى تقديم يقينها الشعري عبر جمالية القصيدة وإيقاعاتها الثرة الدالة المتميزة.

وأخيراً:

فقد أبرز الكتاب سمات الشعر الحر الحديث عند قامة شعرية شامخة سامقة، عند رائد من رواد الشعر في تاريخنا السعودي العاصر، نظر فأحب فعشق، وكان المعشوق هو الشعر بكفتيه القديمة والحديثة: أليس هو القائل في تدفق شعري، وشفافية عذبة، إنسيابية رقيقة:

يا رفيق الليل عد لي نغماً كالحب يسري

أنا يا شعر شجون وفنون وتحدي

عاشق في البعد لكن مُفعم في القرب وجدي

ليس إلا الشعر مهما بعد العشاق يدني

ومضة منك ومني كل ما يحويه فني

أنا يا شعر حبيس بين ظني ويقيني

أقتفى لحظة عشقي بين حلمي وشجوني

لا تزد يا شعر شيئاً فالتباريح عميقة

عاشق دون ارتواء حالم يهوى الحقيقة