Friday 07/02/2014 Issue 15107 الجمعة 07 ربيع الثاني 1435 العدد
07-02-2014

ومرة أخرى: إنه الحزم والحسم!

حينما قرأت الأمر الملكي الكريم الذي أصدره الملك عبدالله بشأن محاصرة المقاتلين السعوديين في الخارج، ومن يحرضونهم على الجهاد في الداخل، تبادر إلى ذهني كلمة قرأتها للملك عبدالعزيز - رحمه الله - يتحدث فيها عن صبره وعدم تَعجّله في اتخاذ القرارات التي من شأنها الحزم مع المخالفين، حتى يجد ألا مناص من الضرب بيد من حديد فيضرب فإذا هي القاضية.. يقول رحمه الله: (وقد عودني الله - سبحانه وتعالى - من كرمه وفضله أن ينصرني على كل من أراد هذا المُلك بسوء أو دبّرَ له كيداً لأني جعلت سنتي ومبدأي أن لا أَبدَأَ أحداً بالعدوان، بل أصبر عليه وأُطيل الصبر على من بدأني بالعداء، وأدفع بالحسنى ما وجدت لها مكاناً وأتمادى بالصبر حتى يرميني البعيد والقريب بالجبن والضعف، حتى إذا لم يبق للصبر مكان ضربتُ ضربتي فكانت القاضية).. من كتاب (أزهار من رياض سيرة الإمام العادل عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود) تأليف الشيخ العلامة «محمد حامد الفقي».

القرار التاريخي الذي اتخذه الملك عبدالله - حفظه الله - يوم الاثنين الماضي يُجسد مقولة الملك عبدالعزيز آنفة الذكر؛ وكأن الملك عبدالله يحذو حذو والده، ويتّبعه مسلكاً ومنهجاً وغاية. فهؤلاء الصبية ومن في منزلتهم ممن يُقاتلون خارج المملكة بدعوى (الجهاد)، ومن يُحرضونهم من مشايخ السوء والضلال على شد الرحال إلى مواطن الفتن، صَبرَ عليهم وعلى افتئاتهم وكيدهم كثيراً، حتى ظن كثيرون أنه قد بلغ بصبره مرحلة التفريط؛ غير أنه كان يدفع بالحسنى عسى ولعل أن يرعووا؛ وعندما وجد أن لم يبق للصبر مكان - كما قال والده ذات يوم - ضرب فكانت (القاضية) أيضاً!

الملك عبدالعزيز لم يُورث لأبنائه مُلكاً فحسب، وإنما ورّثَ منهجاً ورُؤى وفلسفة ومدرسة في التعامل مع إنسان هذه البلاد، أفرزت في نهاية المطاف ما نعيشه ونحياه من استقرار وأمن واطمئنان ورفاه؛ اقرأ كيف يتعامل الملك عبدالله مع قضاياه، وكيف يتسامح حينما تكون السماحة والطيب والندى هي عين العقل، وجوهر الحكمة، وكيف يحزم ويحسم حين لا يجد إلا الحزم سبيلاً للإصلاح، تتجسد أمامك صورتان: واحدة لمن أسس هذا الكيان الذي ذكرت مقولته سلفاً، والأخرى لمن يسوسه الآن؛ والصورتان مُكملتان لبعضهما، لا تكاد تفرق هذا عن ذاك.

إن هذه الدعوات الضالة المُضلة التي يُطلقها الحركيون المتأسلمون، ويُشجعون من خلالها الشباب المغرر بهم على الرحيل إلى حيث الفتن والاضطرابات، على اعتبار أن هذا (جهاد)، لا يستقيم معها لا دينٌ ولا دنيا ولا شرع ولا عقل؛ فليس ثمة إلا الفتنٍ والإِحَن، والقتل والدماء؛ خَلّفَت أمهات ثكلى، وأطفال يُتّم، وزوجات أرامل وهن في ريعان شبابهن، وآباء تتفطر قلوبهم وهم يرون فلذات أكبادهم يُلقون بأنفسهم إلى التهلكة ولا يملكون من أمرهم شيئا.

المحرضون الحركيون - ولا أستثني منهم أحداً - يُدركون يقيناً أنهم يرسلون أبناء بلادنا إلى حيث الفتن، ويُدركون - أيضاً - أن تلك الساحات المتعفنة المضطربة لن تنتج في نهاية الأمر إلا دمويين مجرمين قتلة، سيعودون يوماً ما إلى بلادنا، ولن تستفيد منهم إلا (القاعدة) والإرهاب؛ وهذا غاية ما يسعون إليه.

أعرف أن من يتعامل معهم الأمر الملكي (حركيون مؤدلجون) يتسترون بالدين ونصرته غشاً وخداعا؛ ربما أنهم قد يُذعنون في بداية سريان تنفيذ الأمر، ويُظهرون الرضوخ مضطرين، لكنهم لن يكفّوا عن تلمّس السبل للإفلات من عقوبات الأمر الملكي بأية طريقة ووسيلة.. فرجل أمضى شبابه وكهولته في نصرة (حركة سياسية مؤدلجة) لن يرضى بالهزيمة ويُقر بالخسران بسهولة؛ لذلك فإن الضرب بيد من حديد في بداية سريان الأمر غايةٌ في الأهمية؛ فأي تساهل أو تهاون أو تردد أو مجاملة في تنفيذ هذه العقوبات على أيٍ ممن سيشملهم الأمر ويُجرّمهم، من شأنه أن يقضي على الآمال التي انعقدت عليه، وجعلت الناس تتباشر به عند صدوره.

لا حرمنا الله منك يا أبا متعب، وجنب البلاد والعباد كيد هؤلاء الحركيين، الذين يدّعون الدين والتقى، وقلوبهم تملؤها الأحقاد على أمن واستقرار هذه البلاد.

إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب