Wednesday 19/02/2014 Issue 15119 الاربعاء 19 ربيع الثاني 1435 العدد

الروائية أميمة في حوار عن والدها الأديب عبدالله بن خميس -رحمه الله-:

كان من الجيل الذي أسهم في تأسيس الكثير من ملامح النهضة الحضارية في هذه البلاد

في هذا الحوار المطول مع الروائية أميمة الخميس بمناسبة انعقاد اللقاء العلمي عن شخصية والدها الاديب عبدالله بن خميس رحمه الله ، تعرضت في هذا الحوار إلى كثير من الموضوعات الهامة سواء ما يتعلق بحياته وكتبه وأفكاره أو فيما يتعلق بقضاياه الفكرية .

- والدك كان عضواً في مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز وكان أول رئيس للنادي الأدبي بالرياض وهو مؤسس صحيفة الجزيرة ، فكيف ترين اللقاء العلمي عن شخصية وإنجازات والدك عبدالله بن خميس الذي تنظمه دارة الملك عبدالعزيز والنادي الأدبي بالرياض ؟

كان يرحمه الله من الجيل المؤسس، الذي أسهم في تأسيس الكثير من ملامح النهضة الحضارية في هذه البلاد، كان ذو همة عالية وطاقات خلاقة، وهي السمة التي يتمتع بها جيل الرواد وتلازمهم .

وعندما نستزرع واحة وفاء وتقدير له عبر هذه الندوة، فنحن نختزل في يومين فقط عمرا كاملا قدمه هذا الرجل لوطنه.

- هناك سيرة علمية وثقافية ورسمية موثقة بالكتب والصحف معروفة للجميع وهي زاخرة بالعطاء والتميز ، هل لنا بسيرة عن ابن خميس بلغة ووجهة أخريتين من ابنته الأديبة التي لابد أنها تقرأ وجه والدها غير كل الناس و غير كل الكاميرات ؟

على الغالب لا يوجد حالة انقطاع بين الخاص والعام, في حياة المبدع (ابن خميس) فهو يعيش حياته ومغامرته الوجودية الكبرى، وقد تأبط حلمه، وتدرع بيقين وإيمان عميق بهدفه ورسالته.

حين كان ينبري للدفاع عن الفصحى ويذود عنها في المحافل العامة ودور العلم وعلى صفحات الجرائد، فإنه يتم هذا النضال في المنزل عبر حوار يومي يحرص على يديره بالفصحى، مطعم بالأبيات موشى بشوارد الأشعار وكنوز الحكم والأمثال .

عندما كان ينافح عن تعليم المرأة ويدفع عربة تمكينها، كان يبدأ من منزله فذهابنا للمدرسة كفتيات أمر مقدس، وغيابنا أمر يقارب الجريمة المركبة، وعندما كان يرى أن القراءة والعلم والمعرفة هي ترياق لكل الآفات والشرور كان يحرص على أن يمدنا بالكتب ويشرع مكتبته لنا ولفضولنا.....لم يكن هناك خطاب خاص وآخر عام للتسويق ، كانت حياته دائرة تستكمل تمامها وهو متأبط حلمه الذي لابرؤ منه..

- أنت أديبة شاسعة الشهرة، ولابد أنك في بداياتك كنت تعرضين ما تكتبين على والدك الأديب والمثقف الجهير ؛ إما للاستشارة أو من باب التتلمذ أو للتعديل ، فما هو الأمر الذي يركز عليه والدك في إنتاجك وينصحك به أو باجتنابه ، وكيف كانت حالته وهو يستقبل كتاباتك الأولى ؟

أشعر بأنه كان فخورا مبتهجا بي لكن بطريقته الخاصة، وتلميحات مواربة يمنع ظهورها شخصيته النجدية الصارمة ، في البدايات الأولى جدا لربما كنت في الصف الثاني ابتدائي لم يأخذ تجربتي على محمل الجد، وطلب مني أن أركز انتباهي على دروسي، ولكن لاحقا عندما لمس إلحاح الابنة التي تصر على امتشاق القلم وتأبط الأوراق كرفيق أزلي بدروب الحياة، أصبح يستمع، ومن ثم ينصت ...ولاحقا أصبح يتأمل،وأحيانا يصمت ...عندما فاز بجائزة الدولة التقديرية للأدب استكتبت جريدة الجزيرة مجموعة من أبناء الفائزين وهم الشيخ حمد الجاسر، والأستاذ السباعي، والوالد عليهم رحمة الله جميعا، فكتبت مقالا مازلت أذكر الكثير من سطوره, لأن ذلك المقال ببساطة جعلني أقف عن كثب منه لاراه ...ومن ثم أكتبه، أن أخرج من خيمته لأستطيع أن أحدد المنظور الذي سألتقطه منه زاوية النظر الجديد غير المألوف، ويبدو أن زاوية النظر المختلفة هذه صادفت قبولا من العديد من المتابعين، وفي ليلة حفل استلام الجوائز الذي حضره مجموعة كبيرة من أدباء ومثقفي العالم العربي، طالع ما كتبته المحقق العربي الشهير (هارون عبدالسلام)-يرحمه الله-، فشق طريقه بين الصفوف بعد مراسم تسلم الجائزة وقال للوالد لن أبارك لك بجائزتك فقط بل بابنة تبرق ملامح الموهبة لديها، ليلتها عاد والدي مبتهجا متأبطا جائزته وتقريضا حول مشروعه الأدبي الكبير الذي بدأ يمتد لأبنائه.

أيضا لا أنسى اليوم الذي ناولني فيه صولجان الأدب ووشاح الكتابة، ذات صيف في (غدير البنات) وهو اسم الحي الذي كنا نقطنه في مدينة الطائف، حيث كانت عادتنا أن نخرج للتنزه كل عصر و نقطف من مباهج الطائف لطائف, ومررنا برفقته بمبنى دار التوحيد بالطائف وهي المدرسة التي درس بها في شبابه ونال منها شهادته العليا، وكان له فيها صولات أدبية وجولات علمية، فوقف أمامها واستوقف وطفق يحدثنا عنها، فيبدو أنني يومها التقطت لواعج الشكوى والشجوى فدونت سطورا عن ذلك، وبالتحديد وصفت البوابة المزخرفة لدار التوحيد حيث جعلتها بوابة للعلم ومدخلا أسطوريا للعالم، وبعد ان انتهيت من قراءتي لها وأنا وجلة ... تمتم بحب ونظر لي وقال :- بنيتي أنتِ ...أديبة .

- لكل مثقف عربي غصة ما، تظل هكذا معلقة بين البلع واللفظ ، فما كانت الغصة التي ظلت تصاحب والدك حتى يوم وفاته ؟

الإجابة :

إنها فلسطين المحتلة ...كان وفيا لهذه القضية بجميع المثاليات والأحلام التي كانت تمور في فضاء النضال العربي آنذاك، فهو من جيل الرواد الذي عايش النكبة و شهد ويلاتها وسلسلة الهزائم التي لحقت بأهلها فباتت جزءا من حياته ونضاله وطموحه, إلى الدرجة التي كنت أحدس طوال الوقت لو لم تكن مأساة فلسطين قد ضربت أطنابها في مهجته، لكانت حياة أبي أجمل وأهدأ، فلسطين كانت شوكة في رئته وغادرنا وهي ما برحت هناك، باشر مطالعها بالتبرعات وجهاد القلم، ولاحقا وجدنا في بعض أوراقه مخاطبات للجهات المعنية تعلن رغبته للذهاب والنضال هناك جسديا، ولعل زواجه من والدتي الفلسطينية هو الجزء الرومانسي من حلم لم يندمل في فلسطين، وظل هناك شارع في غزة باسمه.

- أشرك والدك اثنين من أبنائه في تأليف بعض كتبه ، ماذا كانت فكرته من ذلك؟

حضور الوالد في وعينا وتوجهاتنا وخياراتنا كان كبيرا، لايوجد أحد منا أنا وأخواني وأخواتي، لم تطله حرفة الأدب سواء تذوقا أو حفظا مقولبا داخل ذاكرة ذهبية، أو تأليفا وإنتاجا، حضور الوالد حضور مهيب وجليل في وعي كل منا، ومشاركة إخوتي بالتأليف هو جزء من حوارات وأفكار وأحلام طويلة كان أبي ينسجها وإياهم إما خلال رحلاتهم البرية،أو عبر مسامراتهم الليلية، التي تحولت في بعض مواقعها إلى مشروع أدبي وبحثي .

- كل كتب والدك إلا كتاباً أو كتابين فقط قدّم لها بنفسه حتى أنه اُتهم من قبل بعض مجايليه أن ذلك من باب تفخيم الذات وغرورها ، ما ردك من خلال فكرة والدك عن ذلك؟

فكرة تقديم الكتاب هي فكرة حديثة وطارئة على الكتاب والمؤلف العربي, وكبار المدونات في تاريخنا العربي والإسلامي، لم تكن تستجير بمؤلف أو اسم براق لامع يقدم لها، وإن كان الأديب الناشئ يحاول أن يأخذ ريشة من جناح أديب ذائع الصيت ليحلق فيها بطلعاته الأولى في فضاء التأليف, إلا أن الكاتب المتميز ليس بحاجة إلى عكازي الآخرين ليمرروه إلى الجمهور.

ـ كان قد كتب والدك مذكراته قبل ما يقاب العقدين ، تحت عنوان (شؤون وشجون) إلا أنه ظل سجين الأدراج لأسباب عدة ، هل انفرجت المشكلة ونتوقع مستبشرين أن يصدر قريباً لما سوف يكون فيه من التوثيق والرصد لجوانب عدة لتاريخ المجتمع من خلال شخصيته ؟ وإذا كان ذلك فما هي أهم فصول الكتاب؟

نحن في العالم العربي ما برحنا نكابد توجس الحرف وحساسية القول، وتحفظات الكشف, نفضل التغطية والإهمال حتى ولو كان في هذا تضليل وطمس لجزء من تاريخنا, رغم أن عبدالله بن خميس كان جزءا من نهضة هذا الوطن, وأسهم في صناعة المشهد التنموي في المملكة، إلا أنه للمفارقة احدى كتبه تعثر في الرقابة !! أوصى هو بأن ينشر كما هو دون أن يغير حرفا منه، ومازلنا ننتظر نحن كأبناء أن يرمم الزمن كل الحساسيات.

ـ لابد أن هناك أوقاتاً عصيبة مرّت على والدك ـ رحمه الله ـ في حياته، لكن ماهي الفترة الأكثر حلكة والأقوى تأثيراً في حياته وكانت شجونها واضحة الأثر في قراراته وزفراته؟

كان دائما يقول سيان نوع المصيبة التي تحدق بنا (فالمؤمن مبتلى ) لكن المهم كيفية استقبالنا ومعالجتنا لها ، كنت أراه دائما طودا شامخا صابرا ثابتا، يردد كلمة (الله المستعان) ولا حول ولا قوة إلا بالله، الدمعة الساخنة التي لا أنساها طفرت من عينيه وقت وفاة عمتي أخته (طرفة الخميس) رفيقة دربه وطفولته .

- الحياة تتقلب بين كفي الفرح والترح ، ما هو الموقف الطريف الذي ضحك له والدك حتى بانت نواجذه وانفتحت به غرف قلبه؟

كان يحب مجالس الأنس والسمر، بديهته حاضرة سريع الالتقاط للطرفة والنكتة، بل هو راو لماح طريف لها، وأذكر أنه كان يضحك بشدة عندما يقوم أخي (ياسر ) بتقليد الشخصيات اليومية حولنا، وكان يلقبه (بالحطيئة ) كان يضحكه أيضا دريد لحام في بعض مسلسلاته ومسرحياته.