Saturday 22/02/2014 Issue 15122 السبت 22 ربيع الثاني 1435 العدد
22-02-2014

هل سيتبع وزير الإسكان فتوى القرضاوي؟

من قرأ في الفقه وأصوله بكى الشرع والشريعة. فماذا بعد البكاء إن كنا، على الرغم من حال الفقه هذه، مقلدين له حتى مع عدم وجود الحيثيات في الفتوى التي نقلدها. ومقال الخميس السابق كان فيه سبب المقال، وهو لما نُقل من أن الوزير ينتظر فتوى من سماحة المفتي في تفعيل زكاة الأراضي. كما تضمن مقال الخميس، خلاصة ما كتبته بشأن زكاة الأراضي من الجانب الشرعي.

واليوم نتعرف من أين جاءت فتوى تزكية عام واحد عند بيع الأرض، التي يحتج بها الكثير، إن لم تكن له نية تجارة صريحة أو كانت نيته مترددة. وهذا كلام ليس له أي أصل من نص شرعي ولا منطق عقلي صحيح. وسأذكر مثالين فقط لضيق المقام، وإلا فما أكثر عجائب الفقه في هذه وفي غيرها.

وما سأورده في المثال الأول هو أحد الأدلة الكثيرة التي تثبت أن الفقه لإسلامي كان إقطاعيا لا يرى إلا مصلحة الغني الإقطاعي، بينما يدعي الفقه والفقهاء، عكس ذلك. فقد جاء في الكافي:

(ذهب المالكية - والمالكية هم الأشد والأقرب للواقعية في فقه المعاملات عموما والبيوع والزكاة خصوصا- إلى أن عروض التجارة قسمان إدارة، واحتكار.

والمدير: هو الذي يدير تجارته ويبيع بالسعر الحاضر كيف كان ولا يرصد سوقاً، وربما باع بدون ربح خوف الكساد، كأرباب الحوانيت والدكاكين.

والمحتكر: هو يبقي عنده السلعة ولا يبيعها بل يتربص بها النفاق وغلاء الأسعار، أي أنه يرصد السوق حتى يجد سعراً يرضيه وقد تبقى عنده السلعة سنين. والمدير يزكي كل عام. وأما المحتكر فلا زكاة عليه حتى يبيع، فإذا باعها زكاها لعام واحد فقط). ماذآآآآ دعم للمحتكر؟ أمنا بالله إن كان هناك نص شرعي بهذا أو قياس صحيح، فهاتوه. ولا دليل شرعيا عندهم، إن هي إلا عقليات لا عقال لها ولا منطق، ومن شك في قولي فليرجع إلى حججهم فسيرى كم هي بعيدة عن النقل والعقل.

وحتى حجتهم الأساسية في هذا القول وهي أن المحتكر قد تكسد سلعته أو تفسد باحتكاره، لا تنطبق على الأراضي. فالأراضي في النطاق العمراني لا تنطبق عليها الفتوى لأنها لا تكسد، فتنزيل الفتوى -على بطلانها- على الأراضي خطأ. وهذه الفتوى هي عماد وأساس كل من قال لا تزكي إلا لعام واحد. والذي أحيا هذه الفتوى وأخرجها من بطون الكتب، ثم أنزلها بجهالة على الأراضي هو القرضاوي، في كتابه فقه الزكاة، ثم تبعه المقلدون، بإعادة تخريج ونحوه، ولكن لم أر أحدا قال، ولو كان فإن أساس حجتها -الساذجة والتي بلا معنى- لا ينطبق على الأراضي.

والمثال الثاني هو ما تنقله الناس عن ابن باز وابن عثيمين. فأما ابن باز -رحمه الله- فقد كان مُقلدا محضا في مسائل الزكاة. فتراه يأمر رجلاً بزكاة دين له لأن الرجل أمهل أخاه الضعيف في سداد قيمة منزله الذي اشتراه منه. بينما تراه يعفي أهل المنح الميسورين من زكاة أراضيهم الممنوحة لهم والتي قد تكون بالمليارات وجاءتهم من غير كلفة، لأنهم لم يفكروا في وضعها وتركوها للزمن، فهم في غنى وسعة. رغم أن النية معروفة، وهي قولهم «خلها أبرك لها تزيد أسعارها». (كما جاء في فتوى زكاة الأراضي في المجلد الرابع عشر، فقه الزكاة)

وأما النقل عن ابن عثيمين، فالناقل الورع من يأخذ آخر قول للشيخ رحمه الله، لا أقواله المتقدمة. فمما سمعته منه قبل موته رحمه الله القول بوجوب زكاة الأراضي. وقد دحض وأنكر حجة من يدعي أنها ليست للتجارة، فقال «فما هي إذن إن لم تكن للتجارة». ولكن من أعجب أقواله القديمة والتي يُتشهد بها اليوم لعدم الزكاة ومن دون تفكر هو قوله عندما كان مقلدا نسبيا في هذه المسألة «أنها تُزكى لعام واحد إذا كان شراء الأرض من أجل حفظ ماله!!!!. فهو قلد في فتوى عام واحد للمحتكر رغم أن لا أصل شرعيا لها، ثم لم يقع في جهالة القرضاوي ومن تبعه فخرج عن سبب المالكية في فتواهم لأنها غير منطبقة على الأرض. فقد كان نبيهاً رحمه الله، إلا أن التقليد غلبه، فأتى بحجة هي أضعف وأكثر خطأ عندما جعلها لحفظ المال.

عجيب أثر التقليد. فالاحتكار غير المنتج لمال قابل للنماء هو سبب الزكاة لا عدمه. فإذا كان المال قابلا للنماء والزيادة الحقيقية والرجل مقفل عليه من أجل حفظه، فما يفرقه إذن عن الذهب والفضة التي تُحفظ وتخبأ من أجل حفظ المال؟ ما أعجب التقليد، يقفل على الفهم فلا يدرك المُقلد مدى خطأ قوله، مهما عظم فقهه ومنطقه وصدقه.

وختاما، فإني أستغرب هذا التورع الشديد في زكاة الأراضي، والبحث عن كل مخرج لها، رغم أن الزكاة من الأوامر، والاحتياط بإقامتها هو أصل مطلوب فيها على عكس النواهي (المتروكات) التي إن لم توجد فنحمد الله على ذلك، فلذا عدم الاحتياط فيها هو الأصل. وقد اعتدنا في الفقه غالبا على عكس هذا فتهاونا في الأوامر وتشددنا في النواهي. وقد تأملت هذا القلب للأمور في الفقه، ففهمت سببه ومتى يحدث. فهي قاعدة ليست على إطلاقها. ولهذا وقفة أخرى، فاليوم يوم فتوى زكاة الأراضي، فلا تكونن الشعرة التي تنقض ظهر البعير.

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

مقالات أخرى للكاتب