Monday 24/02/2014 Issue 15124 الأثنين 24 ربيع الثاني 1435 العدد
24-02-2014

مشكلة فلسطين والحلول المطروحة 2-2

في الحلقة الأولى من هذه المقالة كان ممَّا أشرت إليه الموقف العظيم الذي اتّخذه تجاه هذه المشكلة قائد مسيرة توحيد وطننا العزيز ومؤسس أركان نهضته، الملك عبد العزيز، رحمه الله رحمة واسعة؛ وهو الموقف الذي حافظ عليه أبناؤه الملوك الكرام من بعده..

...وممَّا أشرت إليه، أيضاً، ما رآه الحاخام مايكل ليرنر من حلٍّ للمشكلة أفضل مما يطرحه بعض من يُصنَّفون على أَنهم من القادة الفلسطينيين.

وفي عام 1968م كان هناك قادة عرب لهم إرادة قوية، وكانوا طليعة من قَرَّروا لاءات مؤتمر الخرطوم الثلاث المشهورة، التي في مُقدَّمتها: لا اعتراف بشرعية وجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وكانوا يرون أن ما أُخِذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. وكانت هناك حرب استنزاف على الجبهة المصرية مع الصهاينة، كما كانت هناك حركات مقاومة فلسطينية وإن لم تكن أكثرها صائبة. وكانت كبرى تلك الحركات حركة «فتح»؛ وجناحها العسكري «العاصفة». ومن المعروف أن الأمم المتحدة أصدرت قرارات مُتعدِّدة ضد الكيان الصهيوني، لكن تلك القرارات بقيت حبراً على ورق. وحينذاك كتبت قصيدة عنوانها: «الحل السليم»، مُبيِّناً فيها أَنَّ الحَلَّ لا يَتحقَّق إلا بالقوة التي تسنده، وأنه:

لا حَلُّ ألفاظٍ مُنمَّقةٍ

خَطَّت وصاغت ريشةُ القَلمِ

كُلُّ القَراراتِ التي صَدَرتْ

وتَعاقبتْ من هَيئةِ الأُممِ

بقيتْ كما كانت بلا أَثرٍ

لا خَفَّفت بُؤسِي و لا أَلَمي

مَفعولُها حِبْرٌ على وَرقٍ

ووُجودها ما زال كالعَدَم

لم يَبقَ لي حُلمٌ بِقُدرتها

عِشرون عاماً بَدَّدت حُلُمي

الحَلُّ عند «الفتح» «عَاصفةٌ»

تَزداد وَهْجاً كلَّ مُلتَحَمِ

شَهمٌ فِدائيٌّو ثَائرةٌ

وهُجومُ مِقْدامٍ وضَربُ كَمي

وكَتيبةٌ تَمضي فَتخلفها

أُخرى تُحيط الأُفق بالضَّرَمِ

وفَيالقٌ في الدَّربِ زَاحفةٌ

لِتدكَّ صَرحَ عَدوَّة الأُمَمِ

كانت تلك الأبيات تنسجم مع الأوضاع التي كانت سائدة عند كتابتها.

لكن الأمور تَغيَّرت بعد خمس سنوات. فقد حدثت حرب 1973م، التي برهن فيها المقاتل العربي على الجبهتين المصرية والسورية عظمته؛ بسالةً ومهارة، لكنها انتهت نهايةً لا تَتَّفق مع تلك العظمة مع الأسف الشديد. وقد عبَّرت عن ذلك بقصيدة عنوانها: «الأساطير» كان مما ورد فيها:

وأَخيراً ذكروا لي

أَنَّني أمضي إلى حَربٍ شريفة

تَكفل العزَّةَ للأجيالِ والنَّصرَ المُؤزَّرْ

وتُعيد الأرضَ والحق إلى شعبي المُشرَّدْ

فتَقدَّمت أقاتل

وتَحوَّلت إلى نَارٍ تُدمِّرْ

غير أَنِّي

بعدما سَطَّرت في التاريخ أَنباءَ صُمودي

وبَدَتْ في غُرَّة الكونِ تَباشيرُ انتصاري

أَوقفوني

غَرسوا في الظهرِ خنجرْ

وأَتوني بمشاريع كيسنجرْ

بَدأوا يحكون عن سِلْمٍ وعن حَلٍّ وَسَطْ

حَقِّيَ الواضح بالزَّيف اختلطْ

فإذا الباطلُ بالأمسِ يعود اليوم حَقّاً

وإذا الكاذب بالأَمسِ يقول اليوم صدقاً

أمسِ قالوا:

لا سلامْ

مع أعداء العروبة

وأنا اليوم أُغنِّي وأُزمِّر

لاقتراحات السلامْ

ثم جاءت طامة كبرى؛ إذ وُقِّعت اتِّفاقية كامب ديفيد، التي نجح بها الكيان الصهيوني في إخراج مصر - بكل ما لها من إمكانات عظيمة - من ميدان المجابهة معه؛ وهو نجاح وصفه أحد قادة ذلك الكيان بأنه لا يَقلُّ أَهمِّيةً لديهم عن إقامتهم كيانهم على أرض فلسطين عام 1948م. ولم تمض عشر سنوات أخرى حتى ارتكب صدام حسين جريمته الحمقاء بغزو الكويت؛ وهو ما مَهَّد الطريق لضرب قوة العراق، التي كانت كما وصفها وزير خارجية أمريكا حينذاك - جيمس بيكر- القوة الاستراتيجية الخطيرة على دولة الصهاينة، مضيفاً أن إدارة بلاده قامت بذلك خدمة لتلك الدولة الصهيونية. وكان ذلك الغزو ممَّا جعل زعماء العرب يذهبون إلى مؤتمر مدريد ويجتمعون مع الصهاينة وجهاً لوجه.

وبذلك بدأ مسلسل التنازلات يتوالى؛ وبخاصة حول قضية فلسطين. ومن ذلك اتِّفاقية أوسلو، التي من بنودها تعاون من وَقَّعها من الفلسطينيين مع الكيان الصهيوني في الوقوف ضد أَيِّ حركة مقاومة فلسطينية حقيقة. وظَلُّوا يتفاوضون تفاوضاً لم يُؤدِّ إلا إلى زيادة نشاط الصهاينة في تهويد فلسطين؛ لاسيما القدس. كما ظَلُّوا يردِّدون عبارة: «إيقاف المستوطنات» (أي المستعمرات الصهيونية). والبناء لم يَتوقَّف. ولم يُسمعْ منهم إزالة تلك المستعمرات، التي أصبحت سرطاناً يزداد انتشاراً فتَّاكاً يوماً بعد آخر. كثير من الناس مُتشائم من سير الأمور بالنسبة للقضية الفلسطينية. لكن هناك متفائلين عَبَّر عن تفاؤلهم الشاعر الكبير حيدر محمود قائلاً:

إن لم تُطاردهم حِجارةُ دُورِها

فلسوف يخنقهم تُراب قبورها

شهداؤها الأحباء حُرَّاس على

أحيائها الشهداء فوق صخورها

سيعاودون بناءَ ما هَدَم العِدا

وسَيُخرجون «جدارهم» من سورها

وسينتهي الليل الطويل كما انتهت

كُلُّ اللَّيالي باكتمال بُدورِها

لقد عَبَّر عن ذلك التفاؤل على الرغم من إحساسه بما آل إليه مصير القدس ومسجدها الأقصى الذي عَبَّر عنه بقوله:

عَيني على مِحرابها.. عَيني على

أبوابهاوعيونها وثُغورها

عَيني على زيتونها يبكي على

زيتونها فتفيض أَدمع طُورها

وروعة شعر هذا الشاعر الكبير تُشجِّعني على أن أجعل ختام المقالة أبياتاً من قصيدة له مخاطباً بها فتاة فلسطينية فدائية بُترت ساقاها بعملية فِدائية:

فِدىَّ لساقيك سيقانُ الملايين

القاعدين بلا دنيا ولا دينِ

والمُقعَدين.. فلا ريحٌ تُحرِّكهم

و لا يُحرِّكهم جَمر البراكين

يا أَجملَ الملكاتِ الجالساتِ على

عَرشٍ من الشوك أَزرى بالرَّياحينِ

يَغار منك الرَّضا والصَّبر قال لنا:

تَعلَّمونيِ من الصبر الفلسطيني

«ذات الجناحين» طيري في السماء فما

يَليقُ بالطُّهرِ أن يمشي على الطِّينِ

مقالات أخرى للكاتب