Monday 24/02/2014 Issue 15124 الأثنين 24 ربيع الثاني 1435 العدد
24-02-2014

مقارنة بين نوعين من أثرياء العالم

في كتابهما المشترك (لماذا تفشل الأمم، أصول القوة والازدهار والفقر) يتوسع المؤلفان الأمريكيان عاصم أوغلو (MIT) وجيمس روبنسون (Harvard) في تتبع الأصول التاريخية والثقافية لما وصلت إليه أوضاع الشعوب والدول في الحاضر. ترتكز نظرتهما على الاختلافات النوعية في السلطات المؤسساتية لإدارة الدول. يقول المؤلفان بأن كل نظام يدير شؤون دولة ما يرتكز على نوعين من المؤسسات (Institutions)، هما السياسية والاقتصادية.

عندما يوجد ارتباط مصلحي تبادلي بين النوعين من المؤسسات تصبح الحركة الاقتصادية مركزية، وتقنن من أجلها ولخدمتها البيروقراطية ذات الوجهين. هذا النوع من الاقتصاد يستحق تسمية اقتصاد النخبة، أكثر من تسمية اقتصاد وطني.

في مثل هذه المرجعية المؤسساتية تستطيع البيروقراطية، التي هي بالأساس منتج سياسي إداري، أن تسهل أحيانا وتفتح الطريق، لكنها تستطيع في أحيان أخرى أن تعرقل وتجعل الطريق متعرجا ومرهقا وغير مشجع للاستثمار في الداخل.

النموذج الآخر هو فك الارتباط بين المؤسسات السياسية والمؤسسات الاقتصادية، وإخضاع الطرفين لقوانين احتكام تطبق بدقة القانون. في مثل هذه التركيبة تصبح البيروقراطية حكما عادلا بين الطرفين لصالح الجميع، بما في ذلك المؤسسات السياسية والاقتصادية والوطن.

النموذج الأول يصنع الاحتكار والفساد الإداري وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج، والنموذج الثاني يصنع التفاؤل والشفافية والاستثمار في الداخل.

لتوضيح المفاهيم يقارن الكتاب بين طريقة الحصول على الثروات الشخصية بالبلايين لإثنين من أثرى أثرياء العالم، هما المكسيكي كارلوس سليم والأمريكي بيل غيتس.

الأول، اللبناني الأصل المكسيكي الجنسية كارلوس سليم، رجل شاطر، لكنه لا يستطيع تحقيق نفس النجاح الهائل إلا في مناخ مؤسساتي مثل ذلك السائد في دولة مثل المكسيك. بدأ كارلوس سليم مستثمرا صغيرا واستطاع بعلاقاته الشخصية الاستيلاء على أكبر شركة اتصالات في المكسيك (تيل ميكس) لأنها كانت تخسر في السوق ومهددة بالانهيار والتصفية. عرضت الدولة للبيع واحدا وعشرين في المائة من أسهمها فاشتراها كارلوس سليم بثمن أقل من قيمتها الحقيقية، ودفع أقساط شرائها جزئيا بقروض تمويلية من البنوك، وجزئيا من أرباح الشركة المستقبلية. بهذه الطريقة تحولت شركة الاتصالات تيل ميكس من احتكار الدولة إلى احتكار كارلوس سليم. كان التعاون المصلحي في تلك الصفقة بين المؤسسات السياسية، بما فيها البيروقراطية، والمؤسسات الاقتصادية واضحا تماما. نفس المستثمر كارلوس سليم حاول فيما بعد الدخول إلى سوق الولايات المتحدة الأمريكية والاستثمار فيه على طريقته المكسيكية، لكنه فشل وتم تغريمه حوالي 450 مليون دولار كمخالفات.

الرجل الآخر هو الأمريكي بيل غيتس صاحب ميكروسوفت. بيل غيتس كان يمتلك العقل المبدع وليس الشطارة التسويقية، لكن السوق الأمريكي المحكوم ببيروقراطية منفتحة على التطوير وبقوانين مرنة وصارمة في نفس الوقت أتاح له الحصول على التمويل والعقول الشاطرة والتفاؤل بالنجاح بدون صداع وحرقة معدة وشعور بالضيق.

يقول الكتاب ما معناه أن المستثمر في دولة مؤسسات تسير على الطريقة الأمريكية يكون مرتاحا ويشعر منذ البداية بأن أحلامه ممكنة التحقيق، ويثق بالمؤسسات السياسية والاقتصادية والتزامها بالقانون، ولا يتكون عنده خوف مستقبلي من المصادرة أو الاستيلاء على ممتلكاته، كما أنه مطمئن على استمرار وثبات البنية السياسية والاقتصادية في المستقبل.

وبالمقابل على المستثمر في دولة مثل المكسيك أن يكون شاطرا وماهرا في الحصول على العلاقات الخاصة التي تفتح له باب البيروقراطية ذي الدرفتين.

- الرياض

مقالات أخرى للكاتب