Friday 28/02/2014 Issue 15128 الجمعة 28 ربيع الثاني 1435 العدد
28-02-2014

«الوعي الرياضي» ودائرة فرعون..!!

* للوعي ومكوناته التربويَّة.. آثار حميدة، وانعكاسات إيجابيَّة على الصحة الفكرية والثقافية والاجتماعيَّة والقيمية والرياضيَّة.. فهو ليس ترفًا فكريًّا أو رجمًا بالغيب.. وإنما حكمة وكياسة تجعل الإنسان يصل للحقيقة ويعرف ما يدور بداخله ومحيطة الاجتماعي.. وهو أيْضًا رد فعل تجاه كل السلوكيات والممارسات والظواهر في حياته الاجتماعيَّة وكيفية التعامل والتعايش والتفاعل معها بتوازن منضبط، ويمثِّل الوعي عند العديد من علماء النَّفْس الاجتماعي كمفهوم «الحالة العقلية التي يتميز بها الفرد بملكات المحاكمة المنطقية الذاتية (الإحساس بالذات، والإدراك الذاتي، والحالة الشعورية، والحكمة أو العقلانية، والقدرة على الإدراك الحسي للعلاقة بين الكيان الشخصي والمحيط الاجتماعي له» وبالمحصلة السيكولوجية الوعي.. هو ما يكون لدى الإنسان من أفكار ووجهات نظر ومفاهيم عن الحياة الاجتماعيَّة ومعرفة الطّبيعة من حوله، وهذا الاتجاه الحضاري تجاوزته كثير من المجتمعات المتقدِّمة وشعوبها الواعية بمراحل.. بينما نحن في واقعنا المجتمعي الحالي لإنزال نأخذ القشور التي تعكس عمق أزمتنا الثقافية مع (الوعي).. وتحديدًا في «مجتمعنا الكروي» الذي يعاني من (انخفاض) أو هبوط حاد في مستوى الوعي الرياضي، وبالذات في بنية نسيجه الداخلي، وتركيبته الاجتماعيَّة المعقدة في مفاهيمه وأفكاره واتجاهاته التفاعلية مع الأحداث وإرهاصاتها.. وبغياب الوعي في نسقنا الرياضي ظهر التعصب الرياضي كمرض نفسي اجتماعي بأقبح وجه.. ناشرًا أذواقا منحرفة، وقيمًا مهزومة، وعادات شاذة.، وسلوكيات تناهض قواعد الانضباط الديني والأخلاقي والاجتماعي والقيمي... تمخض عنها داء العنصرية البغيضة وهتافاتها المسيئة في الملاعب الرياضيَّة، واتسعت دائرة (فرعون) الاقصائية، وتطرفها الفكري، وشيوع الغوغائية، وفيروسات الكراهية في الوسط الرياضي.. فتحول (الإعلام الرياضي) الفضائي في معظم برامجه الحوارية إلى منابر تؤجج الرأي العام الرياضي، وتشعل فتيل المشاحنات والصراعات والانقسامات الخطيرة التي تُؤثِّر على سلوك ووعي وثقافة المجتمع... نعم بغياب الوعي الرياضي بات تبادل الشتائم والقذف والإساءة والتشنج والاحتقان والإثارة الممجوجة التي تبحث عن جذب أكبر عدد ممكن من المتابعين حتَّى لو كان على حساب أخلاقيات المهنة ومبادئها السامية.. باتت سمة بارزة في مجتمعنا الكروي، والسؤال هنا على من تقع مسئوليغياب (الوعي) في المجتمع الرياضي والإعلامي الذي هو جزء من نسيج مجتمعنا الكبير؟!! هل هي المؤسسات الرياضيَّة (رعاية الشباب- الاتحادات- الأندية الرياضيَّة) أم الصروح الأكاديمية وأقسامها الرياضيَّة، أم مؤسسات التنشئة الاجتماعيَّة (الأسرة- المدرسة- وسائل الإعلام- الطبقة المثقفة..الخ، في اعتقادي أن تنمية خلايا الوعي وتعميق ثقافته في نسقنا الرياضي تحديدًا.. في خضم تركيبته الثقافية المعقدة ورواسبه الاجتماعيَّة المتراكمة.. ليست سهلة وبسيطة كما قد يتبادر إلى الأذهان.. فهي عملية تحتاج إلى صياغة إستراتيجية وطنيَّة متكاملة وإلى وقت.. تقوم على نشر الوعي وفق عمل تنظيمي في قالبه المؤسسي وخصوصًا أن المجال الرياضي الذي يحظى بمتابعة ومؤازرة من شريحة عظمى من المجتمع، فضلاً عن تركيبة المجتمع السعودي السكانية التي تشكّل فيه الفئة الشبابية ما يقارب 65 في المئة من هرمه السكاني، يمثِّل مجالاً خصبًا وبيئة مناسبة لنشر ثقافة الوعي الرياضي بسبب تنوع الأفكار والنشاطات والفعاليات والبرامج الثقافية والاجتماعيَّة والترويحية.. ولكن الأمر يتطلب المزيد من الجهد والتفاعل والدراسات العلميَّة المبنية على معطيات وأرقام ومعلومات وإحصائيات على أرض الواقع، طبعًا من الصعوبة بمكان أن ننّمي الوعي وتعميق ثقافته داخل مكونات المجتمع الرياضي دون معرفة ما يدور بداخله ومتغيِّراته وفهم مشكلاته ومعضلاته، لذلك مهم دور مؤسسات التَّعليم العالي وأبحاثها ودراساتها المتخصصة، كما أن الرئاسة العامَّة لرعاية الشباب ينتظر منها النهوض (بقالب التنوير) عبر إقامة وتنظيم الندوات الثقافية والملتقيات العلميَّة وورش العمل التي تنادي بتأصيل وتفصيل مفهوم الوعي في الوسط الرياضي وحثّ الاتحادات الرياضيَّة، وأنديتها على تفعيل دورها الثقافي والاجتماعي بعقد مثل هذه الاتجاهات التنويرية، وبرامجها التوعوية، وأنشطتها الفكرية، كما أن وزارة الثقافة والإعلام تلعب دورًا (محوريًا) في نشر الوعي الثقافي الرياضي خصوصًا برامجها الرياضيَّة الحوارية التي باتت اليوم هي المحرك الإيجابيّ أو السلبي للوعي، ومتابعة مضمون ومحتوى هذه البرامج الرياضيَّة بما يحقِّق أهداف الرسالة الإعلاميَّة السامية ومنطلقاتها المهنية، أخيرًا وليس أخر مشاركة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في تنمية الوعي المجتمعي عبر النهوض بقالب الحوار الواعي أو المتزن في وسطنا الرياضي تحديدًا..ونشثقافته، الذي من الواضح ومنذ نشأته لم يكن هناك تنظيم للحوار، أو وجود منهج مؤسسي تنطلق منه ثقافة الحوار وأدبياتها الحضارية، وبالتالي الإسهام في تشكيل (الوعي) في المجتمع الكروي.. الذي لم نجد مثل المجال الرياضي الأكثر استيعابًا واتساعًا للمناطقية والفئوية والعنصرية والتعصب والانقسامات والمشاحنات المؤثِّرة على ثقافة ووعي وسلوكيات وقيم المجتمع بشكل عام.

kaldous1@

باحث اجتماعي - ماجستير

مقالات أخرى للكاتب