Monday 03/03/2014 Issue 15131 الأثنين 02 جمادى الأول 1435 العدد
03-03-2014

ما الذي يعنينا بأحداث أوكرانيا

فيما كان بوتين بهيئته الصارمة يتأنق سعيداً لتركيز أنظار العالم إلى سوتشي لمشاهدة نهائيات الأولمبياد الشتوي التي تفوقت بها روسيا بلا منافس؛ كي يُتوج بها انتصارات بلاده السياسية واستعادة بعض نفوذها القديم وقع زلزال أوكرانيا كهدف بالوقت الضائع ضد روسيا.

لم يؤذ هذا الحدث السياسة الروسية فقط بل أيضاً نغص على بوتين طعم إكمال هزيمته لأوباما الذي ألحق به إهانة شخصية حين قام بإلغاء اجتماع معه الصيف الماضي، ليصبح أول رئيس أمريكي على مدى نصف قرن يقوم بإلغاء لقاء مع نظيره الروسي، موصلاً التوتر بين البلدين إلى ذروته منذ سقوط الاتحاد السوفييتي (نيويورك تايمز).

وإذا كان بوتين نجح بعد جهد مضنٍ بإدارة ملفات عديدة ليجعل روسيا متقدمة بالمنافسة على النفوذ بين بلديهما في بعض المناطق، فإن حالة أوكرانيا أتت على طبق من ذهب للسيد المحظوظ أوباما الذي لم يبذل جهداً بالملفات الخارجية.

أما في عالمنا العربي فظهر شغف للقصة من ناحية أخرى، وهي التشابه الدرامي لحالة أوكرانيا مع الربيع العربي.. هذا التشابه يبدو مثيراً من ناحية سيناريو ميدان الاستقلال في كييف وميدان التحرير في القاهرة.. وأيضاً من ناحية التزامن والأسباب، فوفقاً لما قاله ممثل نقابة العمال بأوكرانيا فإن مشاعر الرفض تجاه الرئيس يانوكوفيتش الذي هرب بجلده، مترافقة مع الأزمة الاقتصادية، عدم المساواة الاجتماعية، الفساد، الفقر، والتدهور بمستوى المعيشة.

صار بعضنا من فرط التشبيه يردد مقولة الشخصية الكوميدية حسنى البرزان ‹›إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا فيجب أن نعرف ماذا في البرازيل››، الطرافة المفارقة هنا أن الصياغة مؤثرة لكن لا توجد أية علاقة واقعية فيها.. وفي تقديري أن التشابه المذكور مؤثر وليس فعلياً. هناك اختلاف جوهري، إذ إن الجيش الأوكراني لم يتدخل لعزل الرئيس يانوكوفيتش، بل البرلمان الأوكراني.. التغيير هنا استند إلى تشريع مؤسسي وليس تشريعاً ثورياً أو قوة عسكرية. كما أن ردود فعل المجتمع الدولي حيال أزمة أوكرانيا اختلفت كثيراً عنه مع دول الربيع العربي. إذا تجاوزنا تلك القصص، فإن التخوف الفعلي هو عودة الحرب الباردة.. لأنها ربما باردة على القوى العظمى كارثة علينا حين تتحول حرب بالوكالة.. «الحرب الباردة ليست ذوباناً باردا، بل هي احتراق قاتل»، كما قال الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون. العلاقة بين أمريكا وروسيا صار يكتنفها الغموض والارتباك منذ أشهر. الآن روسيا تدعم الرئيس المعزول وتحذر الغرب من التدخل أو محاولة الاستفادة من الوضع بأوكرانيا، وبدوره الغرب يحذر روسيا من التدخل. وقبل أيام من عزل الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش حذر مساعد بالكرملين من أن موسكو قد تتدخل لأن واشنطن خرقت معاهدتهما لعام 1994 التي أزالت روسيا بموجبها أسلحة نووية سوفيتية من أوكرانيا (رويترز)، في حين حذرت الولايات المتحدة روسيا من إرسال قواتها إلى أوكرانيا، عندما تعهد الرئيس المؤقت لأوكرانيا تيرتشينوف بإعادة بلاده على مسار الاندماج مع أوروبا بعد الإطاحة بيانوكوفيتش المدعوم من موسكو. وفي الوقت ذاته أمر الرئيس الروسي بوتين بتفقد فوري واسع النطاق للاستعداد القتالي للقوات المسلحة الروسية!

أليست تلك لغة الحرب الباردة، مما دعا البعض لوصفها بأنها «رقعة شطرنج للحرب الباردة» (نيويورك تايمز). الحرب الباردة الجديدة لم تبدأ مظاهرها بعد لكن إضافة منطقة توتر خطيرة إلى قائمة الملفات تؤدي لمزيد اضطراب في العلاقات بين الغرب وروسيا. هذه المنطقة المتوترة هي أهم منطقة خارجية لروسيا.. ألم يقل الزعيم السوفييتي الأول لينين: «إذا فقدنا أوكرانيا، فإننا نفقد الرأس»؟ والقوميون الروس يعتبرون أوكرانيا جزءاً من روسيا تنازلوا عنه عنوة. بطبيعة الحال تدرك أمريكا ذلك، ولن تخاطر مع شركائها بحلف شمال الأطلسي باستفزاز روسيا عسكرياً في حديقتها الأمامية، لكن اللغة الحالية صارت محملة بأصداء الحرب الباردة مؤكدة أن أوكرانيا أصبحت محور صراع سياسي لم يكن بالحسبان. ليس من السهل عودة الحرب الباردة فالعالم مختلف عما كان عليه، والغرب وروسيا لم يعودا مختلفين إيديولوجياً ولا في نظامهما الاقتصادي كما السابق، فالعولمة الرأسمالية مازجت بينهما وأدخلت حتى الصين الشيوعية في تلك المنظومة. هناك تعاون اقتصادي بين أمريكا وروسيا يجمعهما باللقاءات، فهل يمنع هذا التعاون انطلاق حرب باردة؟ وإلى أي مدى ستتحرك الدولتان تجاه هذا الملف؟ يسأل واين ميري - الدبلوماسي الأمريكي المتقاعد - ويجيب بسؤال آخر: «هل هناك حاجة موضوعية حقيقية أو رغبة في ذلك، أم أنهم يقومون بهذا لأنهم لا يستطيعون التفكير في أي شيء آخر للحديث عنه؟».

لكن ماذا عن الداخل الأوكراني؟ إنه منقسم، فالمناطق الشرقية والجنوبية حيث حوالي نصف السكان يتحدثون الروسية كلغة أولى يميلون مع الخط الروسي، وظهرت احتجاجات بها على عزل الرئيس الموالي لروسيا وإحلال إدارة تميل إلى الاتحاد الأوروبي مكانه. بينما سكان مناطق الوسط والغرب ذوو الأصول الأوكرانية ومنطقة القرم -حيث المسلمون التتار - كلاهما يعادون موسكو ويميلون نحو أوربا. هذا ما دعا صحيفة لوموند الفرنسية لقولها إن «لا الروس ولا الغربيون يفهمون هذا البلد فهي ليست شرقية ولا غربية، أو هي كلتاهما معاً.

«وتقول الصحيفة إنه في نهاية المطاف، ظهر الغربيون بعيدين جداً عن أوكرانيا، في حين كان الروس ثقيلين بحدة عليها. ماذا تفعل الآن؟ الأوروبيون يعرفون كيفية إدارة ثورة في بولندا، منظمة وعقلانية، بقيادة النخب الذين يشبهونهم، لكنهم أقل ارتياحا إزاء ثورات من طراز ميدان التحرير، حيث تقلب الحشود الشجاعة ولكن غير المنضبطة، وغالباً بعد القمع العنيف، الحكم الاستبدادي والفاسد.

ما الذي يعنينا بمنطقة الشرق الأوسط من تلك التغيرات؟ يعنينا التأثير الإقليمي حيث ستتبدل الأجندة في لقاءات روسيا وأمريكا مما يؤثر على موقفيهما في ملفات المنطقة خاصة إيران وسورية، فالدبلوماسية الروسية التي أظهرت نجاحاً وثقة لصالحها تبدو الآن مرتبكة وساخطة ممن تعتبرها شقيقتها الصغرى، لكنها ستضطر إلى قبول ضم الورقة الأوكرانية مع الورقة الإيرانية والسورية وغيرها. من مؤشرات ذلك اتصال الأسبوع الماضي بين أوباما وبوتن تناول الوضع في أوكرانيا وسورية وإيران حسبما ذكرت نيويورك تايمز. ذلك سيجبر روسيا على تقديم تنازلات تجبرها على التضحية بإحدى أوراقها من أجل أوكرانيا «رأس روسيا»، إذا ما امتدت الأزمة الأوكرانية.

alhebib@yahoo.com

مقالات أخرى للكاتب