Sunday 16/03/2014 Issue 15144 الأحد 15 جمادى الأول 1435 العدد

والدتي وجرح لن يندمل .. وقصيدتي رثاء بعد استبشار بشفاء

مساء يوم الأربعاء 5-4-1435هـ دخلتْ والدتي حصة بنت حمد بن عبدالمحسن التويجري -رحمها الله- المستشفى لعارض ألمَّ بها، وغادرته يوم الأحد 16-4-1435هـ إلى منزلها، وهو اليوم نفسه الذي وافتها المنية فيه، حيث سلمت الروح إلى بارئها مساء ذلك اليوم.

وسبحان الله، كانت قصة دخولها وخروجها من المستشفى خلال (12) يوماً كأنها قصة وداع، فمن أول يوم دخلت فيه المستشفى وجّهتنا بأن لا نمنع أحداً من زيارتها، بل زادت أن الجميع أقاربها وأحبابها وأبناءها وبناتها، يريدون الاطمئنان عليها وهي تريد رؤيتهم، رغم أنها كانت تقيم في العناية المركزة للقلب والتي من المفترض أن يخضع المقيم فيها إلى راحة ومتابعة ولكن.. عناية قلب أمي رحمها الله غير.. فراحتها برؤية أحبابها جميعاً، وهو امتداد لما يحمله قلبها الكبير من حب للجميع الصغير قبل الكبير منذ القدم، هي ووالدي زوجها وابن عمها الشيخ عبدالمحسن بن محمد بن عبدالمحسن التويجري -رحمه الله- فقد كان منزلهما ملاذاً ومقصداً ومضيافاً لجميع الأقارب منذ عشرات السنين للإقامة عندهما أياماً وليالي طوالاً بعوائلهم، فقد كان هو الوجهة لكثير منهم عندما يأتون إلى الرياض، كما أن هناك الكثير منهم يأتي لإكمال دراسته في الرياض سواء من الأقارب أو غيرهم وكانا يستقبلانهم بقلوب محبة راضية، وكأني بهم أتوا إلى (بعثة داخلية). وما زال الجميع يتذكر تلك الأيام الجميلة التي عاشوها في كنفهما -رحمهما الله، وقد لمسنا ذلك عند زيارة الخال الفريق سعد بن عبدالله التويجري وهو أخ لها من الرضاعة، كونه من أوائل من أقام عندهما لسنوات وكنت حاضراً أنا وإخوتي وأختي وأبناء الخال سعد وليد وعادل هذا اللقاء الحميم فاستمعنا واستمتعنا جميعاً بحديث الوالدة -رحمها الله- والخال سعد -أطال الله في عمره على طاعته- عن ذكريات تلك الأيام، فقد كانت عبارات الصفاء والنقاء والود والمحبة تتسابق بينهما، نعم فقد كانا يعزفان لحن حب لم تستوعبه عقولنا، يا لله ما أجمل ذلك اللقاء، نسأل الله أن يجمعنا جميعاً ومن نحب والمسلمين في جنات النعيم إخواناً على سرر متقابلين، كأنما هي زيارة مودع خالي أبا وليد سبحان الله!!

كما أن أخيها وحبيبها المحب إبراهيم بن حمد التويجري كان ممن عاش معهم سنوات أثناء التحاقه بالعسكرية، وهو من الأشخاص الذين لهم مكانة ومودة كبيرة عندها -رحمها الله- وأذكر أنه في إحدى السنوات أُدخل خالي إبراهيم إلى المستشفى في القصيم لعارض ألمَّ به فأصرّت أن تسافر لزيارته، وكنت أنا وأخي محمد برفقتها -رحمها الله- فقامت بزيارته وعادت في اليوم نفسه.

وقد تأثر كثيراً لفقدها وفقد والدي، رحمهما الله وجمعنا بهما في جنات النعيم.

أما عن أبنائها أبناء شقيقها الغالي عبدالمحسن بن حمد التويجري -رحمه لله- والذين عاشوا عندها عدداً من السنوات المتفاوتة بداية بعبدالله مروراً بفهد ثم بدر -رحمه الله- وأخيراً وليس آخراً محمد، فقد كانت نعم الأم الحنون لهم وكانوا نعم الأبناء لها، فلا زالت ذكرياتهم تحكي تلك السنوات الجميلة التي قضوها معها فسبقت دموعهم عباراتهم.

وقبل هؤلاء جميعاً حبيبها وشقيقها عبدالرحمن بن حمد التويجري - رحمه الله - والذي كان بمعيتهم في الأحساء عندما كان الوالد -رحمه الله- مديراً لتعليمها، إضافة إلى عدد من الأحباب والأصحاب الذين تربوا في كنفهم ولا يتسع المجال لذكرهم.

وفي صغري ولما رأيته من كثرة الأشخاص الذين يأتون للإقامة عندنا كنتُ أعتقد أنني إذا كبرت قليلاً سوف أذهب إلى القصيم أو غيرها للدراسة عند خوالي.

أعود لقصة إقامتها في المستشفى، فقد كانت في السابق عندما تدخل المستشفى -رحمها الله وجعل ما أصابها رفعة في درجاتها- تقول لنا (لا تروعون أحداً ولا تعلمون)، اصبروا كم يوم.. أما بعد دخولها الأخير فقد كانت عبارتها التي ترددها دائماً (لا تردون أحداً). ألم أقل لكم إنها قصة وداع، نعم فما بين (لا تروعون) و(لا تردون) وداعية لم تستوعبها عقولنا يا حبيبتنا الغالية -رحمك الله وأسكنك فسيح جناته- وقد تمت هذا الوداع بزيارة أغلب أقربائها وأحبابها صغاراً وكباراً من داخل الرياض وخارجها.

حتى عندما عُملت لها عملية القسطرة يوم الثلاثاء 11-4-1435هـ أخبرناها أن جميع الأقارب والأحباب يسألون عنها ورجوناها أن نخفف الزيارة عنها في هذا اليوم لترتاح، ولكن قلبها المحب ردد عبارته المحببة (لا تردون أحداً)، وبعد مفاوضات عدة استطعنا تأجيل الزيارة إلا بعد المغرب أي بعد ثلاث ساعات تقريباً من خروجها من القسطرة.

وأذكر أن ابن الخال/ خالد بن عبدالله التويجري اتصل عليّ عصراً وقال لي أنا في الطريق أنا وأم عبدالله لزيارة عمتي، فقلت له لعلك تؤجلها إلى ما بعد الغرب لترتاح بعد القسطرة، فقال بلهجة محب (أجل أبي أديور)، وعندما أخبرت والدتي بذلك كأنها لم ترغب بذلك فأخبرتها أنه سيأتي هو وزوجته بعد المغرب، فسعدت وسرت.

وأكملت -رحمها الله- قصة الوداع بعد خروجها من المستشفى يوم الأحد 16-4-1435هـ بأن ودعت أحفادها الذين لم ترهم في المستشفى سارة بنت عمر الحسيني ابنة بنت أخي محمد، وسلمان بن عبدالله اليوسف ابن أختي الحبيبة.

أما جنازتها فهي قصة وداع أخرى فقد شارك في تغسيلها أختي وابنة أخي محمد، وبعد الانتهاء من تغسيلها سلم عليها جمع كبير من أبنائها وبناتها وأقربائها وقريباتها وقبّلوا جبينها الطاهر قبل أن يصلى عليها ويوارى جسدها الطاهر الثرى.

ومن بين الأحداث التي حصلت أثناء وجودها في المستشفى، كنا أنا وإخوتي وأختي بحضرتها بوجود خالتنا الحبيبة المحبة أم علي المنجم، وكنا نسترجع بعض القصائد فالتفتت إلى أختها أم علي وهي تبتسم ثم نظرت إليّ وبابتسامتها الحنونة وهي تقول لي: وأنا ما قلت فيني قصيدة وأنا أمك؟ فقلت لها أبشري بالخير، وفعلاً كنت قد جهزت بعض المشاعر التي راودتني أثناء مرافقتي لها قبل عملية القسطرة في غرفة التحضير للعملية وبعدها، وكنت عازماً على البوح بها يوم خروجها بعد المغرب بحضور جميع الأحبة وقد أحضرتها معي، ولكن لشعورها ببعض الآلام في ذلك الوقت آثرت تأجيلها لوقت أنسب، ولم يدر في خلدي أن أجلها قد دنى وأن كلماتي لن تتشرف وتشرف بالمثول بين يديها ومسامعها، فأصبحت كلماتي التي كانت استبشاراً بشفائها أمست عزاء بها، فالحمد لله على قضائه وقدره.

وكانت بعض الأحاسيس والمشاعر التي قلتها عند استبشارنا بتمام عافيتها رغم أنها قليلة ولا تعبر ولو عن جزء بسيط مما نكنه لها من حب وتقدير ووفاء:

وقفت بداخل الغرفه .. اراقب يمه عيونك

سألت الله رفيع الشأن .. يسهل ربي أمورك

جلسنا ننتظر برا .. يا أختي وشو شعورك

أسليها أحاكيها .. يا عمري كفي دموعك

وننظر طلتك يمه .. وندعي ربنا يصونك

وجاء خالد يبشرنا .. عقب ساعات طالوا بك

سلامة قلبك المجروح .. سلامة عمرك وروحك

سلامتك يا بعد قلبي .. عسى الله يداوي جروحك

هلا يمه هلا والله .. ينور بيتنا بنورك

هلا يمه هلا والله .. يطيب البيت بحضورك

يا شمعتنا يا خيمتنا .. يا حلو الكون بوجودك

يا خيمتنا يا شمعتنا .. ما نسوى شيء من دونك

ونهاية أحمدك يا رب .. وأشكر لطفك وجودك

ولكن قضاء الله وقدره وحكمته أن تقبض روحها الغالية قبل أن تسمع كلماتي، فسبحان الله صارت كلماتي في جزئها الثاني حزناً بعد فرح، ورثاء بعد تباشير بشفاء، وهذه بعض المشاعر التي قلتها:

ألا يا لله يالمعبود .. رضيت بحكمتك والله

إلهي يا رفيع الشأن .. تجازي أمي بصبره

تباشرنا بطلعتها .. وعمت بيتنا فرحة

وما ندري عن المكتوب .. وش الله قاضي بأمره

وأثاريها تودعنا .. ما باقي شيء من عمره

قرايبها حبايبها .. زيارتها ترى بكره

وفعلاً والله زاروها .. ولكن صارت بقبره

أحمدك وأشكرك يا رب .. ولا نجزع أبد بأمره

نبي نرضى ونبي نصبر .. ونشكي أمرنا لله

وقد توافقت الرسالتان اللتان أرسلتهما بالجوال إلى أقاربها وأحبابها مع كلماتي، فقد أرسلت لهم يوم خروجها رسالة أبشرهم بخروجها بعد الظهر، ثم تفاجؤوا برسالة أخرى تصلهم بعد ساعات أعزيهم بوفاتها، فسبحان مقدر الأقدار والأعمار.

فقد كانت نعم العبدة الصالحة الصائمة القائمة المتصدقة.. ولا نزكي أحداً على الله، جعل الله ما قدمته من أعمال صالحة في ميزان حسناتها وأجزل لها المثوبة.

وأنا هنا لست بصدد ذكر أعمالها ومناقبها وعباداتها وصدقاتها، فالله أعلم بها وهو من سيجزيها عنها خير الجزاء.. كما أن الكلمات والعبارات والمفردات تقف حائرة عن وصف مشاعرنا وأحاسيسنا ومدى حزننا لفراقها.

وقد حاولت إيراد جزء بسيط من بعض جوانب حياتها -رحمها الله- وبعض الأحداث الأخيرة أثناء إقامتها في المستشفى.

وفي الختام أعزي نفسي وإخوتي وأختي. كما أعزي عميد الأسرة عمّها عبدالله بن عبدالمحسن التويجري -أطال الله في عمره- وأبناءه وبناته، وأعزي أخواتها وإخوانها أبناء الوالد حمد بن عبدالمحسن التويجري -رحمه الله- وأبناءهم وبناتهم، وأعزي أبناء وبنات العم عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري وجميع أقاربها وأحبابها، فالجميع يُعزى فيها.

ونسأل الله أن يغفر لها ولوالدي ولوالديهم وأمواتنا وأمواتكم وأموات المسلمين، وأن يجمعنا بهم في جنات النعيم.. إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا لفراقك يا أماه لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.

- جمال بن عبدالمحسن بن محمد التويجري