Monday 17/03/2014 Issue 15145 الأثنين 16 جمادى الأول 1435 العدد
17-03-2014

تميز أنثوي

لعل ما شهده معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام وما قبله من تهافت بنات حواء على ما جادت به المطابع ودور النشر مؤشر على تميز أنثوي سعودي بل وتفوق على شقيقها الرجل ثقافيا وأكاديميا، حين تتلقف الأنامل الناعمة الكتب على اختلاف موادها ومحتواها، علمية وأدبية، رواية وسيرا ذاتية، شرعية وتاريخية. ولا تخطىء العين حين ترى معظم رواد المعرض من بنات حواء، ولهذا دلالات لا تخفى.

فمن ناحية التفوق الدراسي لعل في هذا رد فعل على اعتبار البعض في ثقافتنا ومجتمعنا الفتاة في مرتبة ثانية بعد الشاب وأنها لن تكون بنفس تأثيره ومنفعته للأسرة، وهذه ثقافة متجذرة ضاربة في القدم لها عواملها التي يطول شرحها وليس هذا مقامه. ومعلوم في النصوص الشرعية ومن واقع الحياة بركة البنت ومقام من يرعى ويربي بناته حتى يكن سياجا له دون جهنم، عدا عن أن واقعنا شهد ويشهد فتيات يعلن أسرهن وينفقن على بيوت أهلن ووالديهن، في كفاح وأخلاق فروسية يعجز بعض الشباب عن مجاراتها. وكما قلت النساء شقائق الرجال وفي كليهما خير لكن الأنثى السعودية أخرجت قدراتها الكامنة وردت على من حاول التقليل من شأنها بأقوى الردود، فهذه حياة سندي العالمة في الكيمياء الحيوية وجهت إليها وكالة ناسا دعوة للعمل فيها في الولايات المتحدة إلا أنها اعتذرت مفضلة مواصلة أبحاثها، فنالت التكريم دوليا ومحليا إلى أن اختيرت عضوة في مجلس الشورى. ومثلها خولة الكريع وطبيبة العيون سلوى الهزاع التي ترأست مؤتمرا دوليا في طب العيون وترأس قسم العيون في المستشفى التخصصي إضافة إلى عضويتها كذلك في مجلس الشورى، والنماذج كثيرة ومشرفة وهذه أمثلة فقط.

واللافت الإقبال المتعاظم من قبل الأنثى السعودية على برامج الدراسات العليا من خلال برنامج الملك عبدا لله سلمه الله للابتعاث الخارجي، أو في الجامعات السعودية المحلية التي وصلت إلى المدن الصغيرة بعد أن حرمت منها سنين طوالا، تستوي في هذا الإقبال على الدراسات العليا الفتيات والمتزوجات، بل وحتى من تعيش ظرفا اجتماعيا آخر كالمطلقات أو الأرامل وكما قلت هنا يتجلى رد الفعل الإيجابي والتصدي لأسباب الانهزام أو السقوط بالإقبال على التعليم والتدريب بغية الحصول على عمل والعيش بكرامة واستقرار.

ومن المعلوم أن الثقافة تختلف عن التحصيل الأكاديمي، فهي نتاج قراءة حرة وصداقة للكتاب بأنواعه، وعشق للمعرفة، ولا أبالغ إذا قلت إن الفتاة السعودية في هذا المجال بالذات أثبتت تفوقا مذهلا، ولعل توفر الوقت لها في كنف أهلها قد ساعدها كذلك على هذا التميز ولكنه يحسب لها على كل حال حسن استغلالها لهذا العامل. إنك تقرأ إسهامات ومقالات في الصحافة المكتوبة والإلكترونية لأقلام ناعمة لكنها تحفر فكرها وثقافتها في الصخر لقوة الطرح وعمق المعاني.

وحتى يكون الحديث واقعيا فإن ما يتم بثه وطرحه عبر وسائل التواصل من غث أو زبد يذهب سريعا، ويمكث ما ينفع الناس ولا يصح إلا الصحيح كما يقال. ثم إننا لسنا مجتمعا خالصا من العيوب أو منزهين عن الظواهر السلبية، نعترف بمشكلاتنا خير لنا دون تغطية ولا تهويل، ونبرز إيجابياتنا وأفعال الخير عندنا دفعا لها وتحفيزا لمحبي الخير، وهذا أيضا تشهد له مواقع التواصل الاجتماعي فلدينا مواقع ومجموعات تطوع وثقافة وتواصل للخير وما يدل عليه، كثير منها تدار بواسطة نساء صرن مشاعل لمجتمعهن، يتوقدن حيوية وعطاء ويعكسن صورا حضارية مشرفة.

بنات حواء وهن يتهادين بين أجنحة معرض الكتاب كأسراب الحمام يتلقفن ما جادت به المطابع من ثمرات الفكر والثقافة، منظر يبعث على الإعجاب والاحترام لهذه الأنوثة القوية بهدوء وشموخ، رعاكم الله.

تعقيب مع الشكر: الأخ الكريم مفرح العبد لي عقب على مقالي (إعدام شاعر) بأن الدوافع وراء إعدام الشاعر الأهوازي في إيران من قبل حكومة طهران ليس أمنيا إنما هو طائفي صفوي. وأن الفتوحات الإسلامية عبر التاريخ الإسلامي هدفها الهدي إلى الدين الحنيف لا تغيير الهوية. أشكر الأخ مفرح على هذا التعقيب القيم والمتابعة الكريمة وله ولكم جميعا فائق الاحترام والتحية.

romanticmind@outlook.com

تويتر @romanticmind1

مقالات أخرى للكاتب