Saturday 22/03/2014 Issue 15150 السبت 21 جمادى الأول 1435 العدد
22-03-2014

أوباما في المملكة: الزيارة الثانية واللقاء الرابع «علاقة إستراتيجية وقضايا ملحة»

يحل الرئيس الأمريكي باراك أوباما ضيفاً على المملكة وقيادتها في زيارته الثانية ، كانت الأولى في شهر يونيو عام 2009 حيث حل في المملكة لمقابلة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قبل خطابه الشهير في القاهرة، وكان اللقاء في الجنادرية حيث صرح الرئيس أوباما بعد اللقاء وقبل الخطاب بأنه استفاد من نصائح خادم الحرمين الشريفين

فيما يخص تعزيز أمريكا لعلاقاتها مع العالم الإسلامي. وكان الرئيس أوباما قد التقى مع خادم الحرمين الشريفين للمرة الأولى قبل زيارته للمملكة بشهرين في لندن وتحديداً في شهر إبريل 2009 على هامش قمة العشرين. جاء اللقاء الثالث في البيت الأبيض خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين لأمريكا في يوليو 2010. وبين اللقاء الأخير واليوم حدثت تطورات سريعة ومتلاحقة على كافة المستويات، إقليمياً وعربياً ودولياً.

فإقليماً كانت السياسية الإيرانية العدائية حاضرة باستمرار وفي سعي حثيث نحو إشاعة الفوضى والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد في مملكة البحرين، وتمادت إيران في تهديدها للبحرين إلى حد أن العديد من قادتها السياسيين والعسكريين صرحوا علناً بأن البحرين جزء لا يتجزأ من إيران، واتضح للجميع وعلى الأرض سوء النوايا الإيرانية، فكلما حاولت الحكومة البحرينية صادقة حل الأزمة السياسية في البلاد مع المعارضة، تدخلت إيران بتحريض لا يتوقف تمتلئ به وسائل الإعلام الإيرانية الموجه ضد المصالحة، مع ضغط سياسي على المعارضة في البحرين لمنعها من البحث الجدي لإيجاد صيغة مقبولة لمشاركة المعارضة مع الحكومة من اجل استقرار وأمن البحرين. وفي العراق وجدت إيران ضالتها بحليف وكنزاً حقيقياً لتنفيذ كل أطماعها في العراق، ويمثل هذا الكنز في رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، حكم فيها العراق فترتين كانتا الأسوأ في تاريخ العراق الحديث، سلم فيها البلاد والعباد لإيران لتفعل بالعراق ما تشاء، ويسعى بكل الطرق والوسائل لنيل فترة ثالثة في رئاسة الوزراء العراقية، وستقدم إيران كل ما تستطيعه نحو تمكينه من الفوز بفترة ثالثة، فهي لن تجد بالمطلق مثل إخلاص المالكي لها، الذي ينطلق من رؤية مذهبية صرح عنها بنفسه حين سئل عن خلفيته السياسية، فكان رده بأنه شيعي أولا وعراقي ثانيا، وهناك الكثير من المقالات في الصحف الغربية ومن ساسة وخبراء عسكريين غربيين مثل وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس و انتوني كرودسمان الخبير الإستراتيجي والذي اعد دراسة مطولة عن الوضع في العراق ووصف المالكي بأنه أخطر من داعش والقاعدة وبأنه دمر النظام السياسي في العراق، كل هذه المقالات والآراء متحدة بأن المالكي عنصري بدرجة امتياز وبأنه يقود العراق نحو الهاوية وللمزيد من الدمار والخراب الذي عانى منهما العراقيون بكل طوائفهم، وليس من المبالغة القول بأن سنوات حكمه السبع للعراق، هي سنوات عُجاف بكل ما في الكلمة من معنى. وليست حملته العسكرية على محافظة الأنبار إلا شاهدا حياً على عنصريته وإرهابه لشعبه، والمضحك أن يقوم في خضم إرهابه لشعبه بعقد مؤتمر لمكافحة الإرهاب وهو الذي لم يسلم حتى شعبه من إرهابه وبترويعه للآمنين، في محاولة لذر الرماد في العيون ولتقديم صورة مغايرة للعالم وخصوصاً الغربي. وأضحى العراق بوابة إيران نحو المنطقة التي تنطلق من رؤية نظرية أم القرى الإيرانية، اتي يقول عنها الكاتب عادل علي عبدالله في كتابه «محركات السياسة الإيرانية في منطقة الخليج العربي»، إنها نظرية تفترض أن إيران هي مركز العالم الإسلامي وتفسر سلوكها الخارجي مع العالم الإسلامي، وان الدول العربية ستتحول عاجلا أم آجلا إلى مقاطعات تدين للولي الفقيه القاطن في طهران بالسمع والطاعة»، ويستطرد في كتابه الذي صدرت طبعته الأولى في مارس 2002 بأن نظرية أم القرى تحكم مسار السياسة الخارجية الإيرانية، وتفُسر مواقف إيران السلبية من العالم الإسلامي السُني. ولعل التطبيقات العملية لهذه النظرية نراها واضحة وجلية في الدور الذي يلعبه حزب الله في لبنان، والذي يتم استنساخه حالياً في اليمن من قبل جماعة الحوثي، التي تهدف لخلق دولة داخل دولة لتقويض السلم الأهلي ولإجهاض المبادرة الخليجية المدعومة دولياً والتي أنقذت اليمن من براثن حرب أهلية لن تبقي ولن تذر. والحقائق على الأرض أثبتت توريد إيران شحنات ضخمة من الأسلحة للحوثيين منها الباخرة التي كانت محملة بأكثر من مائتي طن من الأسلحة المتنوعة بما فيها صواريخ مضادة للطائرات وبتقنية عالية. كذلك الباخرة التي اعترضتها إسرائيل في المياه الدولية في البحر الأحمر ، محملة بصواريخ متطورة صنعت في إيران، وان كان هناك شكوك تحيط بالرواية الإسرائيلية الخاصة بأن وجهة السفينة كان قطاع غزة المحاصر، والمنطق يقول بأن الوجهة الحقيقية لشحنة الصواريخ الإيرانية كانت الحوثييين.

وفيما يخص الوضع العربي فهناك ملفان أحدهما الملف السوري والآخر الملف الفلسطيني. الملف السوري شديد السخونة وبلغ أقصى درجات التعقيد من خلال نظام لم يرحم شعبه ويستمر في قتله وترويعه وتشريده، واستخدم ضده كل أصناف الأسلحة من قنابل عنقودية وقصف صاروخي وبراميل متفجرة وأسلحة كيميائية، التي قال عنها الرئيس أوباما بأن استخدامها سيكون الخط الأحمر، واستخدمها النظام ونتج عن استخدامه منظر غاية في القسوة والوحشية. قال الرئيس أوباما حينها مخاطباً الشعب الأمريكي « شنت حكومة الأسد هجوماً بالغاز أزهق أرواح أكثر من ألف شخص، بينهم مئات الأطفال. إن صور هذه المجزرة تثير الاشمئزاز، فالرجال والنساء والأطفال ملقون في صفوف، وقد صرعهم الغاز السام. وآخرون ترغو أفواههم، وتلهث أنفاسهم، أب يتشبث بأطفاله القتلى، يناشدهم أن يقوموا ويمشوا، في تلك الليلة الرهيبة، شهد العالم الطبيعة الرهيبة للأسلحة الكيميائية بتفصيل شنيع، ولماذا أعلنت الأغلبية الساحقة من المجتمع الإنساني أن هذه الأسلحة فاقت الحدود- فهي جريمة ضد الإنسانية، وانتهاك لقوانين الحرب». كانت بالفعل ليلة رهيبة ومنظرا شنيعا، وكان لهذه الجريمة الشنعاء التي انتهكت كل قوانين الحرب، أن تكون نقطة تحول مفصلية لما يحدث في سوريا لو أن الرئيس أوباما لم يذعن لرفض الكونجرس لعمل عسكري موجه ضد نظام الأسد، العمل العسكري الذي لو تم لكان له بالغ الأثر في سقوط النظام، وحيث كان الجيش الحر في أقوى حالاته ولما رأينا في الساحة السورية كل هذه التنظيمات التي اخترعها النظام لتشويه الانتفاضة السورية. وكان للتردد الأمريكي الغربي في توجيه ضربة عسكرية مستحقة لنظام الأسد توابعه (Domino Effect) التي نراها في الأزمة الأوكرانية وبضم روسيا لشبه جزيرة القرم. تدخلت إيران بشكل مباشر في سوريا بحرسها الثوري وعن طريق حزب الله ذراعها العسكري في المنطقة، ومليشيات الحوثيين، وفيلق أبو الفضل العباس العراقي، في محاولة منها إضفاء بعد مذهبي للصراع في سوريا ،ولتصوره للعالم وكأنه صراع طائفي لا صراعاً سياسياً. لقد بلغ السيل الزبى في سوريا فهناك أكثر من 150 ألف قتيل وما يقارب 8 ملايين تم تشريدهم في الداخل والخارج، ومازال الأسد يتطلع للفوز في الانتخابات في الصيف القادم، مما يعني بأن الأزمة السورية مرشحة أن تستمر لسنوات قادمة، هذا والعالم يتفرج وبصورة بالغة الدلالة لما أضحى عليه المجتمع الدولي منلا مبالاة لهذا الوضع المأساوي الشديد التعقيد.

الملف الفلسطيني يبقى دوماً هو الحاضر الغائب في كل شئون منطقة الشرق الأوسط، ملف بمفاوضات لانهاية لها خصوصاً مع شريك لا رغبة له حقيقية في السلام، فالإطار الذي حددته الولايات المتحدة لإحداث اختراق في عملية السلام سينتهي في نهاية الشهر المقبل، ولا يبدو في الأفق بارقة أمل في حدوث ذلك، خصوصاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فهو من المدرسة التي توقن بأن النزاع التاريخي بين الإسرائيليين والفلسطينيين قائم على خروج أحد فريقي الصراع صفر اليدين في صراع طويل لا نهاية له، وهو في هذه الحالة الطرف الفلسطيني، فإستراتيجيته تقوم على بناء لا يتوقف للمستوطنات وهو التغير الفعلي على الأرض، مع فلسفة للصراع وبأنه صراع مفتوح لا نهاية له من أجل بقاء إسرائيل وأمنها، وبمثل هذه الأيدلوجية التي يتبناها نتنياهو فإن حل الدولتين ليس إلا حلماً لن يتحقق كما لم يتحقق من قبله حلم الدولة الواحدة بقوميتين. يُكتب للرئيس أوباما بأنه الرئيس الأمريكي الوحيد الذي حاول من بداية رئاسته البحث عن سبل لتحقيق سلام وعادل، ولكن يبدو أنه أصبح على يقين بأن من يحاول الضغط في هذا الملف فإنه لن يسلم من آثاره حتى وإن لم يكن وراء هذا التخوف ضغوط انتخابية، ويؤكد حرصه على تحقيق السلام خطابه في القاهرة ، حيث قال» ليس هناك شك من أن وضع الفلسطينيين لا يطاق ولن تدير أمريكا ظهرها عن التطلعات المشروعة للفلسطينيين ألا وهي تطلعات الكرامة ووجود الفرص ودولة خاصة بهم». ولكن السلام يحتاج لشريك ويبدو أن الحظ يعاند الرئيس أوباما في تحقيق رغبته الصادقة في السلام مع وجود بنيامين نتنياهو على رئاسة الوزراء الإسرائيلية.

الملف النووي الإيراني هو أيضا من القضايا الملحة التي تهم المنطقة والرئيس أوباما في خطابه للشعب الأمريكي عن الاتفاق المبدئي الذي تم بين إيران ومجموعة خمسة+واحد، شدد في خطابه على تفهم أمريكا لشكوك دول الخليج فيما يخص نوايا إيران، وهي في الحقيقة شكوك لم تكن موجودة لولا افتضاح النوايا التوسعية الإيرانية في الخليج ومحاولاتها المستمرة لتقويض أمن الخليج والعالم العربي، والشواهد على ذلك واضحة للعيان في كل من لبنان، سوريا، العراق، البحرين واليمن. و ما يؤكد أن دول المنطقة كانت دوماً مؤيدة لإيران في حقوقها في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية هو سيل من التصريحات التي لا تعد ولا تحصى، والتي تؤكد سلامة نوايا دول الخليج تجاه إيران قبل أن يتضح للجميع ما كانت تخفيه إيران من شر لدول المنطقة، وعلى سبيل المثال على حسن تلك النوايا ما صرح به سمو وزير الخارجية سعود الفيصل في إبريل 2006 في مؤتمر صحفي قال فيه بأن المملكة تأخذ مأخذ الجد نفي إيران امتلاكها سلاحاً نووياً، وبأنها لا ترى في سياسة تخصيب إيران لليورانيوم لاستخدامه في الأغراض السلمية أي تهديد لأمن المملكة.

فيما يخص العالم، فالمملكة لعبت دوماً دوراً محورياً في استقرار أسعار النفط، شريان الاقتصاد الدولي، إيمانا منها بدورها في هذا الشأن بكونها اكبر مصدر في العالم لهذا الخام الحيوي لاقتصاد العالم، وكان لسياستها المتزنة دور فاعل وأساسي في استقرار أسعاره عالمياً.

زيارة الرئيس أوباما ستكون فرصة مهمة وسانحة لإعادة توثيق العلاقة السعودية الأمريكية. فالمملكة وأمريكا كونا علاقة إستراتيجية قبل سبعة عقود منذ اللقاء الشهير بين الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وبين الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على ظهر البارجة كوينسي، وقبل ذلك أكثر من عقد من العلاقة التجارية والتنقيب عن النفط. وتستند علاقات البلدين التاريخية على بعد إنساني يعد ركيزة أساسية لها يتمثل في أجيال من الأمريكيين الذين عاشوا وعملوا في المملكة ويحملون عنها ذكريات جميلة ومضيئة لا يترددون في الإفصاح عنها، وبأجيال من السعوديين الذين تلقوا تعليمهم في أمريكا، بعلاقات أسرية وصداقة وذكريات عن فترة حياتهم في أمريكا تبقى في الذاكرة للأبد، ولعل برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي خير شاهد على التقارب الإنساني بين شعبي البلدين. ثمانون عاماً من العلاقة قطعاً ستكون قادرة على حل كافة المشاكل من منطلق ما تملكه الدولتان من قدرات لتصب في النهاية لما فيه مصلحة السلام والتعاون الدوليين.

Alfal1@ hotmail.com

باحث اعلامي

مقالات أخرى للكاتب