Friday 28/03/2014 Issue 15156 الجمعة 27 جمادى الأول 1435 العدد
28-03-2014

هل الماضي كان زمناً جميلاً فعلاً؟

عندما أقرأ بعض الكتابات (الرومانسية) التي تنظر إلى الماضي على أنه كان زمناً جميلاً، فتتغزل فيه، وتُصوره كما يُصور العشاق عشيقاتهم؛ أتساءل: هل الماضي كان جميلاً فعلاً؟.. ثم هل الحياة كما يصورونها لنا هي عبارة عن منحنى يتجه بالضرورة إلى الأسوأ، ليصبح الماضي أجمل من الحاضر بالضرورة؟

الواقع وما نعيشه ونعاصره يقول إن الحياة التي نعيشها الآن، خاصة نحن السعوديين، وبفضل الاكتشافات العالمية المعاصرة في كل المجالات، هي في تطور مستمر؛ وبالتالي فإن اليوم هو أفضل من الأمس.. ولأنني أعتبر نفسي من جيل المخضرمين تقريباً فقد عشت نتفا في طفولتي المبكرة من هذا الماضي ولا أراه بصراحة جميلاً بل هو مقارنة بمنجزات اليوم الحضارية أسوأ، تكتنفه الأمراض والأوبئة وانتشار الجهل والعوز والجوع؛ فحياة الإنسان كان يحفها الجهل والمرض والتخلف في كل مناحي الحياة. والعالم اليوم في تطور مستمر؛ وتُشير مؤشرات منحنى الزمن والعلم والتنمية إلى أنه يتجه إلى الأعلى، وإلى الأفضل، ولا يتراجع إلى الأسفل؛ فكل المؤشرات تقول: إن الزمن القادم سيكون أفضل، والحياة بالتالي أجمل.

طبعاً لا يمكن أن يكون الزمن القادم أفضل على أية حال وفي كل مكان وزمان؛ فالسوريون -مثلاً- وكذلك العراقيون، يعيشون الآن أحوالاً مُزرية؛ فأمسهم بالتالي كان أفضل؛ والسبب ليس الزمن وإنما ما يُحدثه الإنسان على نفسه وعلى أهل بلاده من مصائب. أي أن الحياة المستقبلية ربما ستكون أفضل، لولا تدخل الإنسان، فانحدرت به تدخلاته في الحياة إلى الأسوأ. فالإنسان هو من يُدمر نفسه وليس الزمن.

أفغانستان كذلك التي يَعيثُ فيها الإرهاب والإرهابيون من الطالبانيين وأقرانهم، كان زمنها الماضي أفضل أيضاً. بل كانوا يتوقعون لها قبل أن يغزوها الاتحاد السوفييتي ثم الإرهابيون أن تكون (سويسرا الشرق) مستقبلاً؛ فانتهت إلى ما هي عليه الآن؛ معقل من معاقل الإرهاب والتخلف من جهة، ومن جهة أخرى معقل من معاقل زراعة وإنتاج المخدرات. ومن قرأ تاريخ أفغانستان، قبل الاحتلال السوفييتي، ومن ثم الحرب الأهلية، وبعدها الاحتلال الفكري الطالباني، سيُذهل من مستوى التنمية الشاملة التي كانت تعيش فيها هذه الدولة آنذاك. قارنها -مثلاً- بكوريا الجنوبية التي هي الآن لؤلؤة الشرق بامتياز، كان متوسط دخل الإنسان فيها في بدايات الستينيات من القرن الماضي أقل من 90 دولاراً في السنة وكان ضعفها أو ربما أكثر دخل الإنسان الأفغاني أيام (العز)، وقفز الآن دخل الإنسان الكوري حتى تجاوز العشرين ألف دولار؛ في حين أن أفغانستان تقهقرت إلى الوراء، حتى أصبحت بالنسبة للعالم من أقصاه إلى أقصاه كمستنقع الأمراض و الأوبئة؛ فالعالم يريدها أن تتحضر (قليلاً) لا حباً فيها، ولا حرصاً عليها، وإنما كي (يتخلص) من هذه البقعة الموبوءة بكل أمراض التخلف لكي لا تزعج أمنه، وتقض استقراره، وطموحه نحو غد أفضل.

أعرف أن الإنسان العربي عموماً، والسعودي على وجه التحديد، إنسان حالم، ورومانسي، والرومانسي عادة ما يكون غير واقعي، لكن التحضر والتقدم والتنمية لا تأتي بالأحلام والرومانسية وقصائد الشعر والخطب الرنانة العصماء وإنما بالعلم والعمل الجاد والتخطيط والتعامل مع الواقع بموضوعية وعقلانية؛ لذلك يقول الأنثربولوجيون وهم المتخصصون في علم الأنسنة: يمكن أن تقرأ مستقبل أية أمة من خلال قُرب أو بُعد ثقافة إنسانها من الواقعية والموضوعية والعقلانية، فكلما كانت ثقافته تسيطر عليها الأوهام والأحلام والأساطير كانت الأقرب إلى التخلف، وكلما كانت تسيطر عليها الموضوعية والعقلانية كانت أقرب إلى التقدم ومواكبة التحضر؛ ولنا في بني يعرب خير مثال.

إلى اللقاء

مقالات أخرى للكاتب