Saturday 29/03/2014 Issue 15157 السبت 28 جمادى الأول 1435 العدد
29-03-2014

الوهابية تعلو في فيينا

اعتاد البعض، بجهل أو قصد، جلب الانتباه لأنفسهم عن طريقة إثارة الشغب الفكري بالهجوم على السعودية، مستغلين الفهم الخاطئ لمصطلح الوهابية. فقد دُعيت إلى فيينا كممثل عن المسلمين السنة في مؤتمر حوار الأديان الذي أقامه مجلس التفاهم العالمي. وهذا المجلس مكون من رؤساء الدول السابقين، أو من يمثلهم في بعض الدول. ومنذ الجلسة الأولى كانت الوهابية تُذكر في سياق حديث بعض المشاركين من رجال الدين الممثلين للأديان والمذاهب والمناهج الإسلامية الأخرى، كأحد أسباب التطرف في العالمي الإسلامي، جنباً إلى جنب مع تنظيم القاعدة، ففي مداخلة لأحد المشاركين هاجم فيها السعودية والوهابية مباشرة في رد له على معالي الدكتور فيصل المعمر، رئيس مركز الملك عبد الله لحوار الأديان في فيينا، -الذي كان حاضراً للجلسة الأولى- والذي طالب فيه بحديث فيه سياسة وتعميم لا تخصيص -أي بدون تسمية- بالتركيز على موضوع المؤتمر وعدم التعرض لأمور خارجية. فإن كان منصب المعمر ووضعه كرئيس لمركز الملك عبد الله للحوار الوطني يلزمه بالسياسة فأنا لا يلزمني هذا، فما أنا إلا أستاذ في جامعة، فطلبت الإذن بالحديث فابتدرت قائلاً «أنا وهابي بل ووهابي قُح، وأفخر بهذا ولا أتبرأ منه. فليس في الوهابية ما يُخجل منه. فالوهابية دعوة بسيطة تدور كل فكرتها حول خلع التعلق بالأنداد أو الوسطاء بين العبد وربه، وهذه دعوة الرسل كلهم. وتسمية البعض لها بالوهابية ليس انتقاصاً من حقها بل تمييز لها عمن يدعي نسبة للسلفية وهو على غير ذلك. فتسميتها بالوهابية كالتسمية بالشافعية أو الحنبلية أو المالكية. فهذه مدارس فقهية تفسيرية لجانب المعاملات. وأما دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فهي لم تتطرق إلى هذا الجانب، ولكنها أكدت على جانب التوحيد في العقائد. فهي مدرسة عقائدية كما أن الشافعية والمالكية مدارس فقهية. والتطرف المقصود في أطروحات المشاركين هو في جانب المعاملات، فلا علاقة لدعوة الشيخ به. وقد بينت بأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب هو مجدد كغيره من كثير من علماء الإسلام الذين مروا على التاريخ الإسلامي، اللهم أن زمانه صادف زمان الإمام محمد بن سعود الذي حمل هم إصلاح الدين ثم خلفه أبناؤه وأحفاده من بعده. لذا فمنهج السعودية هو الإسلام الصحيح، وإن أردنا تمييز منهجها عن المناهج الإسلامية الأخرى، فالأصح أن يقال الدعوة السعودية وليس الدعوة الوهابية، فلولا ابن سعود ما كان للشيخ محد بن عبد الوهاب ذكر في التاريخ الإسلامي. ومواقف الدولة السعودية مواقف مشرفة لا يجادل فيها أحد، وهذا مركز الملك عبد الله لحوار الأديان أحد الشواهد على هذا. وما خلفية هذا التشويه إلا محاولة البعض الطعن في الدولة السعودية لخلافات سياسية فلما لم يجدوا على السعودية إلا كل موقف مشرف لجؤوا إلى طريقة الإيهام والتضليل بإقحام مصطلح الوهابية واتهامها باتهامات باطلة.

وبعد ذلك، وخلال الجلسات الرسمية لم تُذكر الوهابية بسوء قط. فقد قُطع الطريق بالاستمرار في هذا الجدل العقيم، فهذه طريقة إبراهيم الخليل عليه السلام في إفحامه لإنهاء الجدل البيزنطي حين قال {فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ}، وهكذا قلت: أنا وهابي ولا فخر ثم ماذا؟

فتجاوزنا الوهابية في مؤتمرنا ولكنني، ضمنياً، كنت محافظاً على موقفي هذا (وهو موقف الفخر بمنهج السعودية السلفي الذي يعرفونه هم بالوهابي) خلال جلسات المؤتمر وخارجه. فما فتئت خلال الجلسات التي ناقشت أموراً متعددة أؤكد على أن منهج إتباع النص الشرعي وتخليه الوسطاء بين العبد وربه هو الحل الأمثل لمشكلات المسلمين، إذا طُبق بطريقة متكاملة تُعتبر فيها طريقة الخلفاء الراشدين، (وذلك في جانب المعاملات). وكنت أدحض دعوى التفسير أو الفهم الحديث للنصوص الشرعية الذي يتناسب مع العصر، بأنها دعوى كل أحد بما فيهم المتطرفين. فلا جامع يجمع المسلمين على مرجعية واحدة إلا الكتاب والسنة وفهمهما على ضوء تطبيق الرسول عليه السلام وطريقة الخلفاء الراشدين في التعامل معها، أي النصوص الشرعية.

وبلا شك أن كلامي كان صعب الفهم على كثير منهم. فهناك خلفية قوية في عقولهم تحمل فهماً خاطئاً عن سلفية إتباع النص، بأنه يعني شيئاً قريباً من تطبيقات الطالبان. وأضف إلى ذلك روجان فكرة التفسير الحديث للنص الشرعي بين فقهاء المسلمين فضلاً عن غيرهم. ولكن بالرغم من هذا فقد كانت حجتي قوية ومفهومة من الغالبية، وهي أن المتطرفين لا يُخاطبون إلا بما يدينون به ويفهمونه. .. أن الفكر الغربي ينطلق من أن هناك مرجعيات في الأديان، ولكن هذا ليس في الإسلام فكل من أراد الخروج عن جماعة المسلمين جعل من نفسه مرجعية، واتبعه بعض البسطاء والشُذاذ!.

ولم يكن يخفى علي منذ البداية أن موقفي العلني بالفخر بالوهابية والطريقة السلفية السعودية سيقلب البعض ضدي. فقد اعتادوا على مواجهة مواقف دفاعية ضعيفة لا هجومية قائمة على منطق العقل الذي يعتمدونه. وأما الجانب العلمي في كيفية استخدام الطريقة السلفية السعودية (الوهابية) لتصحيح بعض ما دخل على الإسلام ومواجهة التطرف، فهي التي كانت صعبة الفهم، فكيف يكون إتباع النص مخرجاً، والنصوص فيها ما فيها من صراحة الأمر بالقتال ونحوه. وقد حاولت أن أشرح سنة الفاروق عمر والفرق بين الغاية والوسيلة ودعوتهم إلى قراءة متأنية لورقتي التي قدمتها لهم.

وقد تفهم بعضهم، من قادة الدول السابقين أو من قادة الدين من البوذيين والنصارى مُجمل كلامي عن طريق الجلسات الخاصة وبقراءة ورقتي وسؤالي عن بعض نقاطها. وقد وُجهت لي دعوات حقيقية بإلحاح للهند وبعض دول أوربا، لتوضيح فكر السلفية وقوتها في الإقناع بمرجعية النص وقدرتها على إصلاح ما دخل على الدين. وهذا الزعيم الديني الهندي الكبير، والذي كان قد ذكر الوهابية بسوء مرات عدة في حديثه في الجلسة الأولى، فلما فهم السلفية، ظهر صدق نيته فأحب أن يفهم مئات الملايين الذين يتبعونه ما فهمه عن السلفية. (ولا عجب فأستاذه الذي درس على يده ولازمه هو غاندي الذي نجح في توحيد الطوائف الهندية). كما اتفق معي بعد ذلك، من كان معارضاً شرساً لي أثناء الجلسات. وأيضاً فقد أضفت إلى التوصيات، توصية دعم الرؤى الجديدة التي تخالف ما هو معمول به.

كما أنني لم أسلم من التشويش من البعض ممن اختلق الأحاديث ضدي، ومن ذلك إدعاء بأنني أسأت للنصارى والبوذيين في حديثي. واختم فأقول إننا والله أقوى حجة وعلماً بأن نحتاج لأن نُكرم ونقدر من دافع عن الوهابية بقوله هي مدرسة لا ترى أحداً مسلماً إلا أن يكون على فهمها.

فمتى ندرك أننا أصحاب حجة قوية وحق لو إننا تركنا موقف الدفاع السلبي وانتقلنا إلى المواجهة بالحجة العلمية والإفحام بالمنطق. فهذا هو وحده الذي ينجح ويبقى لا أسلوب الاعتذار والمجاملات بالدعوات ونحوها، فمهما دعونا ومهما أطعمنا فلن نكسب ولاء هؤلاء وسيخرج علينا كثير ممن لم نطعمهم ونسقيهم. إن العلم والمنطق والنية الصادقة للإصلاح تكفينا كثيراً من المؤنة، فاللهم هل بلغت.

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

مقالات أخرى للكاتب