Wednesday 02/04/2014 Issue 15161 الاربعاء 02 جمادى الآخرة 1435 العدد
02-04-2014

مخرجات النظام الصحي: للمرضى والأصحاء !

تستقبل مستشفيات المملكة والمراكز الصحية والمجمعات والعيادات الطبية بكل القطاعات الصحية ما يقارب مائة وعشرين مليون زيارة وينوّم فى المستشفيات حوالي مليونين ونصف المليون مريض فى العام،

وهذه الملايين تحمل معها عدة مئات من أنواع الأمراض التى تحتاج إلى تشخيص وعلاج. لذلك تسخَّر لها جميع الإمكانيات من منشآت وتجهيزات وأدوية وقوى عاملة متخصصة. وكل جهة صحية وكل مسؤول صحي يضع الاعتبار الأول للمرضى فيما يقدَّم من خدمات، ويتمنى أن يخرج المريض راضيا معافى. لكننى انطلقت فى مقال سابق (الجزيرة فى 19-4-1435هـ) من أن أولوية المريض كمحور تتركز حوله خدمات الرعاية الصحية المتكاملة والشاملة لا تعنى أن يفقد الصحيح مكانه فى النظام الصحي. المثل القائل (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى) يعزز الافتراض بأن المريض والصحيح شريكان فى النظام الصحي، حتى وإن توهم البعض أن معظم الأنماط والممارسات المعيشية التى تحفظ الصحة وتقي من الأمراض تقع خارج النظام الصحي، وتتولى المسؤولية عنها جهات لا تقدم الخدمات الصحية. لكن الواقع أن توفير الماء الصالح للشرب والغذاء المتوازن والنشاط الحركي والسكن الصحي والسلوكيات المرورية والعيش فى أمان وتنفس الهواء الخالى من التلوث، وغير ذلك مما له مساس بالصحة العامة وتأثير عليها - كل ذلك يكوِّن مع الخدمات الصحية مدخلات النظام الصحي بمعناه الأوسع. وقد أكّد قانون (النظام الصحي) الصادر عام 1423هـ فى مادته الثالثة على أن الدولة تعنى بالصحة العامة للمجتمع بما يكفل العيش فى بيئة صحية سليمة. كما أكدت اللائحة التنفيذية للنظام على أن تقوم وزارة الصحة بالتنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى التى تقوم بتوفير خدمات الصحة العامة للتعاون فى سبيل تحقيق تلك الخدمات.

من أجل ذلك دعوت فى المقال المذكور إلى إنشاء مجلس وطني للصحة العامة ينسق ما بين الجهات ذات الصلة، فى مسعى غايته تحقيق الشمولية فى الرقيّ بالمستوى الصحي للفرد وللمجموع. مدخلات النظام الصحي التى تشارك فى توفيرها جهات متعددة بأساليب متنوعة بعضها موجّه لحفظ صحة الفرد وتعزيزها، وبعضها موجّه للوقاية من أوبئة معينه أو لكشف وعلاج الأمراض أو لتحسين نوعية الحياة للمصابين بأمراض أو إعاقات مزمنه. وعلى الرغم من اختلاف المدخلات، فإن المخرجات المأمولة تتوحد فى هدف واحد هو الرقي بالمستوى الصحي للفرد والمجتمع. ولذلك فإن كفاءة النظام الصحي وفعاليته لا تقاس بما يوفًَّر له من موارد (مدخلات)، وإنما يقاس بما يحققه من مخرجات تحمل نتائج وآثاراً إيجابية على صحة السكان. وقد يكون فى الأمثلة التاليه ما يشهد بذلك:

- ملح الطعام لا يستغني عنه أحد من الأصحاء. لكن العلاقة المثبتة بينه وبين ارتفاع ضغط الدم تجعل من الممكن أن ينخفض عدد الإصابات بمرض ارتفاع الضغط إذا تم تخفيض نسبة ملح الطعام فى الدقيق مثلا بشكل متدرج من10-30% - كما فى الاقتراح المقدم من وزارة الصحة إلى اللجنة الحكومية التى دعت الوزارة إلى عقدها (الجزيرة فى 28-3-1435هـ). والأثر الإيجابي لذلك ليس بالأمر الهيّن بالنظر إلى النسبة العالية لمرض ارتفاع ضغط الدم عندنا (8.17% للذكور، وللإناث 5.12% - كما أظهر مسح المعلومات الصحية الذى أجرته الوزارة فى2013). أما الذى يصاب بمرض ارتفاع ضغط الدم فإنه - إذا قدمت له رعاية طبية جيدة ومستمرة - قد يصبح كالصحيح فى ممارسة الحياة اليومية.

- التنظيم المروري والتوعية المرورية، وكذلك اشتراطات ومواصفات السلامة المرورية في الطرق والمركبات تجنِّب مئات الآلاف من الناس شرور الحوادث. ومع ذلك يقع عدد منهم ضحية للحوادث وإصاباتها، وليس ذلك عائداً لانعدام فعالية تلك الترتيبات -وهي وقائية بالمفهوم الصحي - بل لعدم الالتزام بها. ثم يصبح هؤلاء الضحايا فى عهدة الخدمات الصحية، حيث يمثّلون أقسى تحدًّ للنظام الصحي؛ إذ إن معدل استعادة الصحة كما يرتبط بدرجة الإصابة يرتبط أيضا بكفاءة النقل والإسعاف وتوافر الكفاءات الطبية فى العلاج والتأهيل.

- لقد فرضت الدولة - منذ عام 1399هـ إلزامية التطعيم بلقاح شلل الأطفال للوقاية من مضاعفاته؛ إذ يؤدى فى كثير من الحالات إلى الوفاة أو شلل الأطراف. وكانت النتيجة أن المملكة أصبحت منذ عام1415هـ خالية من الإصابة بالمرض، ومن ثم من الإعاقة الناجمة عنه. فالأصحاء انتفعوا بفعالية اللقاح - ولله الحمد.

- فى كثير من الحالات - إن لم يكن فى أكثرها - تفشل المحاولات الطبية المكثفة فى علاج أو التخفيف من ويلات تكسر كريات الدم الحمراء - أخطر مضاعفات فقر الدم المنجلي، وهو مرض وراثي يصيب الآلاف من سكان بعض مناطق المملكة عندما يكون الأب والأم كلاهما يحملان الصبغية المورِّثة للمرض. لكن بعد قرار إلزامية الفحص قبل الزواج منذ عام 1425هـ تقلص عدد الزواجات بين حاملى نفس الصفة الوراثية ومن ثم تتمثل الفعالية المأمولة للنظام فى تراجع نسبة المصابين بالمرض بين السكان.

- ثم نضرب مثالاً من زاوية مختلفة. فلو كان هناك فى مدينة ما مستشفى حديث البناء والتجهيز و به استشاريون فى أدق التخصصات، ولا يراجعه حسب سياسة التشغيل إلا من تمّ تحويله من مستشفي عام - وهذا قرار حكيم فى حد ذاته- فإن كانت المستشفيات العامة حوله ينقصها كفاءات طبية، أو يزدحم عليها المراجعون بحيث لا يتاح الوقت الكافى لتشخيص حالة المريض بدقة، أو أن بعض المرضى يعيشون فى أماكن نائية أو فى أطراف المدن بعيداً عن أقرب جهة إحاله، أو أن الواسطة والمحسوبية يمكن أن تسهِّل الوصول إلى المستشفى لقوم دون آخرين أكثر احتياجاً، فإن ذلك كله يعنى أن نسبة - قد تكون كبيرة- من السكان لن تستفيد من إمكانات ذلك المستشفى المرجعي؛ وقد تودي بهم أمراضهم، إما لأن المرضى وصلوا وهم فى حالة متأخرة، أو أنهم لم يصلوا مطلقا.

الأمثلة السابقة تؤكد حقيقة معروفة؛ هي أن مجموع الأصحاء يأخذون قسمتهم من مخرجات النظام الصحي كاملة غير منقوصة بمدخلات يتم توفيرها بإجراءات أبسط وتكلفة أقل، ولكن بفعالية أكبر تتمثل فى وقاية شاملة لقطاع عريض من السكان ليبقوا أصحاء. أما المرضى فإن النظام الصحي يوفر لهم إمكانيات ضخمة قادرة على تقديم رعاية طبية جيدة ومتابعة مستمره لكل مريض يصل إليها ويحصل عليها وتتمثل مخرجاتها فى استعادة العافية ومجاراة الأصحاء، والبقاء على حال الصحة مدة تطول أو تقصر حسب فاعلية العلاج. وفى كل الأحوال، فإن الجهات المسؤولة عن توفير مدخلات النظام الصحي الوقائية والعلاجية مسؤولة أيضا عن توفير الوسائل والإجراءات التى تضمن فعالية مخرجاتها - وعلى الأخص أن تكون متاحة بطريقة عادلة وميسرة، بحيث يستفيد منها كل فرد محتاج صحيحاً كان أو مريضاً.

مقالات أخرى للكاتب