Wednesday 02/04/2014 Issue 15161 الاربعاء 02 جمادى الآخرة 1435 العدد
02-04-2014

المسافر مفقود والواصل مولود!

كل شيء بقدر الله وإرادته؛ ولكن ثمة أسباباً لابد من الأخذ بها لتوقي ما يمكن أن يحدث من مصائب على الطرق الطويلة والقصيرة. لقد فجَعت ويتمت ورملت هذه الطرقُ آلافَ الناس؛ فما من بيت من بيوتنا من قريب أو بعيد إلا وفقد غالياً أو غالين من أبناء أو إخوة أو أصدقاء.

لقد أصبح السفر على الطرق الطويلة مغامرة محفوفة بأعلى درجات المخاطر في كل دقيقة تمر من بدء انطلاقة السيارة إلى توقفها في محطتها الأخيرة، والمسافر وسط هذا الكم الهائل من الرعب تستولي عليه هواجس سوداوية لا تبرح خياله؛ أيصل أم يتخطفه سواد الإسفلت؟ أيمكن أن تنتهي مغامرته بسلام فلا تنتهي بفاجعة إن سلم منها هو جسداً فسيموت منها كمداً لو مني بفقد أحد من أفراد أسرته.

وآخر هذه الفواجع المرعبة التي أبكت الناس جميعاً ما أصاب أسرة معالي الدكتور إسماعيل البشري بعد الحادث المفجع الذي وقع لخمسة من أبنائه على طريق الأحساء الرياض فتوفوا جميعاً - رحمهم الله - وأحسن عزاء والديهم فيهم وجبر مصيبتهم.

قدر مكتوب، ولا يجدي الحذر إذا حل القدر، بيد أن التوقي بالأخذ بأسباب السلامة مطلوب، ولكن كيف يمكن الحذر من جهل وحماقة وتهور بعض من يقود السيارات؟ كيف يمكن الحذر ممن يمكن أن يتجاوز من المسار الأيمن إلى المسار الأيسر دون تنبه؟ كيف يمكن الحذر ممن لا تكاد سيارته ترى؛ إما لأنها تفتقد الأضواء الخلفية أو لأن أضواءها ضعيفة وخافتة جداً بحيث لا يمكن رؤيتها؟ كيف يمكن الحذر ممن يباغت عابري الطرق السريعة بخروجه عليهم فجأة دون انتظار؟ كيف يمكن الحذر من الجمال الشهباء كالتربة أو السوداء كالليل؟ كيف يمكن الحذر من الناعسين والمتعبين والمهمومين والسارحين في ملكوتهم الخاص؟ كيف يمكن الحذر من المتهورين الداخلين في مارثون بسرعة مائتي كيلو متر في الساعة؟! كيف يمكن الحذر أو التوقي من الحفر والجفر والإسفلت المكسر المتهالك الذي يقلب السيارات حين لا يتنبه قائدوها رأساً على عقب؟ وهل نسينا مأساة طالبات مدينة حائل على ذلك الطريق الطويل المحفور والمنخور؟!

ليس ذاك الطريق المتهالك وحده في حائل؛ فبين كل مدينة ومدينة طريق محفور ومنخور ومتهالك أيضاً؟ هل يغيب عنا طريق الرياض القصيم الذي لم يعد يجدي فيه ترقيع ولا تلميع؟ وهل يغيب عنا الطريق الوحيد لشمال المملكة أو الطريق الوحيد لجنوب المملكة؟! هل يمكن ألا نتذكر الإسفلت الأسود الذي ابيض وشاب بعد أن بلغ من العمر عتياً؛ فلم يعد يسمع له حفيف فحسب؛ بل شخير كأنه شخير الموت بعد أن تهالك وفقد سواده؛ لأنه لم يجدد بعد أن مد من نصف قرن في مداخل المنطقة الشرقية؛ كما هو الحال في الدمام والخبر وغيرهما؟!

كيف نسأل بألم عن مجازر الموت على طرقنا الطويلة المتهالكة الوحيدة الرابطة بين جهاتنا الأربع ولا وسيلة متاحة غيرها في كثير من الأحوال؟!

هل يمكن أن تجد مقعداً أو مقاعد لعائلتك إلى جدة أو الدمام أو حائل أو الجوف مثلاً لظرف طارئ وبدون أن تستعد له بحجز قبل أسابيع؟! فماذا تملك وأنت مضطر؟ ليس لك إلا أن تمتطي طرق الموت المتربصة بسالكيها في كل منعطف أو منكسر أو غياب وعي أو تهور أو كبسة نوم على سائق مرهق!

هل يمكن أن تجد قطاراً مريحاً بأكثر من رحلة في اليوم إلى أية مدينة في المملكة؟ هل يمكن أن تتوافر أمامك خيارات سفر محيرة أيها تستمتع به؛ الطيران المتاحة مقاعده في كل حين؟ أم القطار الذي يمخر بك عباب الصحاري متى شئت إلى أية جهة تريد؟ أم سيارتك التي تعبر بك طرقاً واسعة مضاءة مصانة معلمة بالإرشادات اللازمة؟!

نحن مع الأسف من يسهم بصورة أو بأخرى في تهيئة أسباب هذه الفواجع.

moh.alowain@gmail.com

mALowein@

مقالات أخرى للكاتب