Monday 07/04/2014 Issue 15166 الأثنين 07 جمادى الآخرة 1435 العدد

مساعد الرشيدي وعناد المطيري: وأمثلة حية على مرحلة لا تموت!

(الحداثة) المفردة الأكثر جدلاً وبحثاً وشيوعاً في قاموس الساحة الشعبية والأكثر إفراغا من المضامين والفهم الصحيح

الحداثة: عنوان كبير، تتداخل على هامشه الكثير من التقاطعات العقدية، والفكرية، والسياسية، والاقتصادية، والأدبية، وغيرها الكثير، لكن محورها الأساسي في كل هذه المواضيع، هو الانقلاب على الموروث عن طريق الهدم.. الهدم الكلي ومن ثم إعادة البناء من جديد على أنقاضه، وانطلاقاً من هذا الفهم، نجد أنه لم تكن هناك حداثة في الشعر الشعبي على الإطلاق، لكننا نخلط بين الحداثة والتحديث والتجديد والشعر الحر والقصيدة الرمزية، وكلها بحسب مفهومنا (حداثة) سيراً على القاعدة الشهيرة: كله عند العرب صابون!

في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، طرأ تغير مفصلي وهام في مسار القصيدة الشعبية، تمثل بانتهاجها للمسار التجديدي، ومرادفه اللغوي والموضوعي: التحديث، وليس الحداثة، وهو - أعني التجديد/ التحديث - مسار أدبي يقوم على الاحتفاظ بالموروث وتطويره بما يناسب الزمان والمكان، دون أن يمس جوهره إلا بضوابط معينة تحكمه وتتحكم في مساراته، وهو أمر غير موجود في (الحداثة) بشكل عام، والشعر جزء منها.

في مرحلة التجديد: تخلت القصيدة الشعبية عن جمودها، ورسميتها، وبعض من شكلها، وتسللت لقاموسها الكثير من المفردات التي هي نتاج اطلاع وقراءات متعددة المصادر لأبناء ذلك الجيل.

كأمثلة على ذلك، سنورد نموذجين لشاعرين من نجوم هذه المرحلة ونجوم الشعر بشكل عام..

أ‌- رصيف الشمس!

الشطر الذي يعتبر في نظر المشنعين عليه مثالاً لتخبط هذه المرحلة،وهشاشتها، والذي أصبح ممسكاً أدبياً مخلاً يلوح به كل من كان له موقف مخالف لتوجهات تلك المرحلة حتى لو لم يطلع على النص كاملاً، وكل مخزونه المعرفي والثقافي لا يتجاوز أن الشمس في السماء والرصيف على الأرض فكيف يجتمعان!

في رصيف الشمس، كتب عناد المطيري، واحدة من أجمل قصائد الشعر: لغة وفكرة وأناقة، وإذا كان مصدر القوم في التشنيع على هذا النص هو الشمس والرصيف، فستضرب لهم مثالاً يختصر هذا الجدل المفتعل.

عندما قال أبو تمام قصيدته التي منها هذا البيت (لا تسقني ماءَ الملامِ فإنَّني صبٌّ قدِ استعذبتُ ماءَ بُكائي) رأى فيها بعض معاصريه، رصيف شمس آخر، فكيف يدعي أن للملام ماء؟ مثلما سيدعي صاحبنا - لاحقا - أن للشمس رصيفاً؟!

ولهذا بعثوا له - بقصد إحراجه - غلاما بإناء فارغ، وقالوا: صب لنا قليلاً من ماء الملام! فقال لهم: سأملأ لكم الإناء بماء الملام، ولكن بشرط أن تحضروا لي ريشة من جناح الذل، الذي تحدثت عنه الآية الكريمة {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}.

وهو هنا يحيلهم إلى المعجزة الإلهية التي تأتي اللغة كجانب من معجزاتها العظيمة والتي لا تقبل الجدل أو النقاش.

أدبياً: يعرف هذا اللون بالاستعارة، فالآية الكريمة استعارت للذل جناحا لغرض إيصال الفكرة، وقس على ذلك أبو تمام الذي استعار للملام ماء، وعناد المطيري الذي استعار للشمس رصيفا، في نص عظيم تبدو مفاتيحه في يد كل من حاول أن يقرأه بشكل يتفق مع لغة النص وفكرته القائمة على إيجاد علاقة جديدة بين الكلمة كرمز لغوي أو دال، وبين الشيء المرموز إليه أو المدلول، ونستطيع من هذا المنطلق أن نقرأ النص بأنه حديث عن فتاة تتيه غرورا بحسنها وجمالها، لكن هناك ما جعلها تتوقف وتكف عن المكابرة، ذلك الشيء هو: تيار الغرام!

والكلمات الدلالية في الحالة الأولى هي (الشمس - رحلة الذات) ودلالة المرحلة البينية هي (ناداك تيار الغرام) لتأتي مرحلة التحول ممثلة بـ(رصيف - وقفتي).

والنص على قصره، يحتاج إلى قراءة منصفة مستفيضة تنصفه وتنصف المرحلة التي يمثلها، ولعل هذا يحدث قريبا.

2- يمه كبرتي... صرتي أجمل من العام!

يا حلو ضحكات التجاعيد بيديك

هنا مثال مختلف، فاللغة لم تتغير، لكن الفكرة البكر المدهشة هي التي استجدت، فالشاعر - فصيحا كان أو شعبيا - توارث على مر العصور الحديث لأحبائه من كبار السن بأمنياته أن يستطيع أن يمنحهم شيء من عمره، أو يشتري لهم عمراً جديداً..فقط، هذا كل ما لديه، وكأنه يضعهم أمام خيارات مستحيلة، وبالتالي عليهم الاستسلام للأمر المرير وليس الواقع فقط، لكن مساعد الرشيدي هنا، قلب الطاولة وتصالح مع المرحلة، ومنحها بعدا قيميا جميلاً بما ينعكس على نفسية المخاطب ويؤثر إيجابيا فيها بدلا من طريقة البكاء على اللبن المسكوب المتوارثة عبر الأجيال.

مساعد الرشيدي هنا جدد على مستوى الفكرة، وعناد المطيري جدد على مستوى اللغة، وفي الحالتين لم يتخل مساعد عن اللغة، ولم يفرط عناد بالفكرة، وكلاهما قدم المدرسة التجديدية في أبهى صورها وأجملها..

قد تأخذنا التداعيات إلى الحديث عن تجارب مماثلة، وتعاطيات مختلفة مع النص الشعري من قبل شعراء تلك المرحلة، في وقت لاحق- إن شاء الله.

- الشاعر والإعلامي/ مشعل الفوازي