Friday 11/04/2014 Issue 15170 الجمعة 11 جمادى الآخرة 1435 العدد

جائزة الصحافة العربية

الفأرة المسحورة

من البرنامج التجريبي لرسوم الأطفال

عاش ناسك في المدينة الكبيرة، مغلقاً على نفسه باب بيته معظم الليل والنهار، إلا أنه يخرج أحياناً إلى السوق حين ينفد ما لديه من طعام، وقد كانت تصدمه أحوال الناس، مشاحناتهم ومشاجراتهم وتكالبهم على المال ونظرة الطمع في عيونهم، كلما نظروا إلى ما في أيدي الآخرين، فيعود إلى بيته، ويغلق بابه ويصلي طويلاً، ثم يسأل نفسه قائلاً: لماذا الطمع؟ لماذا الجشع؟ متى يرضى الإنسان بما منحه الله؟ ومضت حياة الناسك، وبقي الناس على ما هم عليه، فضاق الناسك بحياة المدينة، فجمع حاجاته وانطلق مبتعداً عن المدينة، وطال سير الناسك إلى أن وصل إلى صخرة كبيرة تطل على البحر، بها كهف صغير يصلح لإقامته، فاتخذها بيتاً له، ومضى أغلب وقته في عبادة الله، والتأمّل في قدرته على خلق الكون الكبير، وقرب الكهف كانت تنتشر أشجار التين التي أصبحت طعاماً له، وذات يوم، بينما الناسك يجلس فوق صخرته فإذا به يسمع أنيناً حاداً، فبحث عن مصدر الصوت، ورأى حدأة تحلِّق في الجو تحمل بين مخالبها فأرة صغيرة تئن وتتوجّع، هبطت الحدأة في مكان بعيد من الناسك وهمت بالتهام الفأرة، فذ هب الناسك وتناول حجراً وقذف به الحدأة، فخافت وطارت مبتعدة عن المكان، اقترب الناسك من الفأرة فوجدها تتوجع وتبكي من الآلام والجروح فحملها إلى الكهف واعتنى بها حتى تعافت، وعاشت الفأرة في حماية الناسك وفي كل مرة تواجهها الأخطار من صقر منقض أو ثعبان يسعى بين الصخور، كانت تنجو بفضل الله ثم بسبب الناسك الذي كان يواسيها ويطيب خاطرها ويؤكد لها ضرورة الحيطة والحذر فتقول باكية: وماذا أفعل؟ وأنا حيوان ضعيف صغير، كيف لي أن أواجه كل هؤلاء الأعداء؟ كان الناسك يمضي الساعات الطويلة في مناجاة ربه ويقول في دعائه: (يا رب هذه الفارة المسكينة، ليس لها حماية في هذا المكان سواي، إنها فأرة مسالمة لا تؤذي أحداً، فلماذا تواجه هذه الأخطار.. لو أنها كانت بشراً مثلي لاستطاعت على الأقل أن تدافع عن حياتها وتحمي نفسها من عدوان الآخرين)، وذات صباح أفاق الناسك من نومه فلم يجد الفأرة داخل الكهف فخشي أن تكون قد خرجت فأصيبت بأذى، فخرج يبحث عنها، إلا أنه دُهش حين رأى فتاة تقف أعلى الصخرة وتتطلع إلى البحر، فاقترب منها فاستدارت نحوه قائلة: صباح الخير يا سيدي الناسك) فقال: (من أنت أيتها الفتاة اللطيفة؟) وهل تقابلنا من قبل؟ ضحكت الفتاة وقالت: (أنا لم أر غيرك منذ زمن أيها الناسك) تضاعفت حيرة الناسك وو يدور بعينيه في المكان باحثاً عن الفأرة الصغيرة، عندها سألته الفتاة وهي تضحك: (ما الذي تبحث عنه يا سيدي؟) فقال: عن صديقتي الفأرة الصغيرة)، طال ضحك الفتاة هذه المرة، حتى أحست أن الناسك قد بدأ يستاء من ضحكاتها، فاقتربت منه وقالت: (يا سيدي الناسك أنا هي الفأرة الصغيرة التي تبحث عنها، لقد استجاب الله لدعائك وأحالني إلى صورة فتاة تستطيع حماية نفسها، خاف الناسك من المفاجأة فأخذ يردد: الحمد والشكر لله، الحمد والشكر لله).. مضت الأيام، والناسك كلما وقف ليؤدي الصلاة وقفت الفتاة خلفه لتصلي، وعندما يجلس فوق الصخرة يتأمل الكون من حوله، كانت الفتاة تمضي إلى الكهف فتنظفه وتعد وجبة بسيطة من النباتات التي تنمو حولهما، وذات مساء قال الناسك للفتاة: (يا ابنتي، السنين تمضي والعمر ينقضي وأخشى أن تنتهي حياتي فأتركك في هذا المكان وحيدة، لا بد أن تختاري لك زوجاً تقضين معه باقي أيام حياتك في سعادة وهناء.. ظهرت الحيرة على الفتاة وبعد صمت طال قالت: (إذا كان لا بد لي من زوج يا سيدي، فلا بد أن يكون فرداً قادراً على حمايتي، لهذا سأختار الشمس رمز القوة في الحياة) تعجب الناسك وتساءل: (الشمس؟ كيف؟ قالت الفتاة بإصرار: نعم الشمس لن أقبل زوجاً أقل من قوة الشمس، فهل تستطيع أن تقنع الشمس بذلك؟ تنهّد الناسك وهو ينهض من مكانه: (الأمر لله من قبل ومن بعد)، غداً سأبدأ رحلتي إلى الشمس وأعرض عليها ونخبرك، وعندما أرسلت الشمس أول شعاع لها في الصباح قال لها الناسك: (أيتها الشمس القوية، لقد استجاب الله لدعائي فتحوّلت الفأرة إلى فتاة جميلة، واليوم هذه الفتاة تريد أن تتزوّج من رمز القوة في هذا الكون، إنها تسعى إلى الزواج منك)، قالت الشمس: (إنني أتمنى أن أتزوّج من الفتاة الجميلة إلا أن ضميري لا يسمح بإخفاء الحقيقة، وهي أنني لست أقوى المخلوقات كما ظننتم!)، قال الناسك مستذكراً: ومن هو ذلك الذي يفوق الشمس قوة بين مخلوقات الله؟ فأجابت الشمس: إنه السحاب! شهق الناسك وهو يقول: مستحيل!.. السحاب الناعم، الهش، أقوى من الشمس؟ قالت الشمس: بل هي الحقيقة! السحاب أقوى مني لأنه يغطي وجهي ويمنع وصول أشعتي إلى الأرض ويخفي نوري عنكم. وهكذا مضى الناسك إلى السحاب، فاختار أكبر سحابة تمتد طولاً وعرضاً وتخفي من فرط كثافتها قرص الشمس بأكمله فقص عليها حكايته مع الفتاة ثم قال: هل تقبلين الزواج من هذه الفتاة التي تعشق القوة؟ قالت السحابة: أنا بوري سأدلك على من هو أقوى مني؟ فصاح الناسك: لا.. مستحيل! إذا كان السحاب أقوى من الشمس فلا يمكن أن يوجد من هو أقوى من السحاب! قالت السحابة: (الرياح.. الرياح هي التي تؤرجحني يميناً ويساراً وهي التي تفتتني وتحوّلني من كتلة ضخمة إلى سحابات صغيرة لا شأن لها، تخترقها أشعة الشمس، اذهب إلى الرياح، لعلها ترضى بالفتاة زوجاً لها، وتمر الأيام على الناسك فتسأله الفتاة: هل انتهيت من اختيار الزوج المناسب يا سيدي الناسك؟ فيقول: (ليس بعد يا فتاتي.. غداً يحل الشتاء وتهب الرياح القوية التي أسعى إلى الحديث معها. وذات صباح استيقظ الناسك من نومه على صوت صفير الرياح العاصفة وخرج مسرعاً من كهفه، وعند قمة الصخرة صاح: (أيتها الرياح!.. اخفضي صوتك قليلاً لأتمكن من التحدث إليك) فهدأت الرياح قليلاً فحكى لها قصته كاملة مع الفتاة والشمس والسحاب ثم ختم كلامه: (لقد انتظرتك شهوراً طويلة حتى أعرض عليك الزواج من فتاتي)، فأجابته الرياح: (أنا حقاً قادرة على تحريك السحاب وتبديده، ولكن إذا كنت تبحث عن الأقوى فعليك أن تنظر إلى يمينك ذلك الجبل المرتفع الذي يسخّر من هجومي ويبقى في مكانه راسخاً ثابتاً لا يتحرك، أيها الناسك الطيّب، إذا أردت زوجاً أقوى مني لفتاتك فاذهب إلى الجبل)، وقبل أن تشرق الشمس في اليوم التالي، كان الناسك يسير متكئاً إلى عصاه متجهاً إلى قمة الجبل، وكان كلما أصابه التعب تذكَّر الفتاة التي لا يمكنها أن تعيش بمفردها والتي تحتاج زوجاً يحميها، وبعد تعب وصل الناسك قمة الجبل، فتوقف في مكانه يستجمع قوته ثم قال: (يا أيها الجبل هل تسمعني؟ فرد الجبل: أسمعك بوضوح أيها الناسك الطيّب) وهكذا قصّ الناسك الحكاية من بدايتها حتى نهايتها ثم قال: (أرجو ألا تخيّب رجائي) فرد الجبل: (كم كنت أتمنى أن أتزوج من فتاتك اللطيفة، لكن ماذا أفعل وهناك من هو أقوى مني!) ترنّح الناسك وهو يستمع إلى كلمات الجبل، فجلس على أقرب حجر ثم قال: (أقوى منك.. بعد أن اعترف الجميع بقوتك، من هو هذا الأقوى، دلّني عليه، فأنا أشك في وجوده، قال الجبل: إنه ذلك الفأر الذي لا أستطيع أن أمنعه من حفر أنفاقه داخل جسدي ليل نهار، ولا أقوى على إبعاده، فإذا كنت تريد لفتاتك من هو أقوى مني، فاذهب إلى الفأر لعله يرضى بها زوجة له). بلغت حيرة الناسك مداها، فعاد إلى الفتاة وقال: (ماذا نفعل يا ابنتي، لقد اعترف الجبل بأن ذلك الفار أقوى منه)، فردت الفتاة: (ما داملجميع قد اعترف بقوته، فسأتزوجه)، وهكذا مضى الناسك يستند إلى كتف الفتاة، حتى وصلا إلى جحر الفأر، فناداه الناسك: (أيها الفأر القوي، اخرج إلينا قبل أن أسقط من فرط التعب)، فظهر الفأر بشواربه الطويلة من فتحة الجبل، فحكى له الناسك القصة كاملة وسأله إذا ما كان يقبل الفتاة زوجة لها، فرد الفأر: (كم أود هذا.. يسعدني أن أتزوج هذه الفتاة اللطيفة، ولكن ألا ترى يا سيدي أن جحري صغير جداً لا يسمح لها بالدخول فيه)، هنا رفع الناسك يديه إلى السماء وقال متضرعاً: (يا رب لقد استجبت لدعائي من قبل، وأنا أتضرع إليك اليوم أن تحل هذه المشكلة وتجعلي مطمئناً على هذه الفتاة قبل وفاتي).. وعلى الفور عادت الفتاة إلى صورتها الأولى، فأرة صغيرة ودارت حول قدميه ثم اتجهت إلى الفأر الذي كان ينتظر عند الباب مندهشاً ليدخلا معاً الجحر، بينما الناسك يرفع يديه إلى السماء وهو يقول: (الحمد والشكر لك يا رب).

** ** **

رسوم

1 - خليل جورج أمسيح 9 سنوات

2 - عبدالله فيصل 9 سنوات

3 - جوني كمال حزبون 9 سنوات

4 - عايد مجدي حجازي 9 سنوات

5 - إلياس فؤاد ساحلية 9 سنوات

6 - نورا صفوان الناصر 8 سنوات.