Monday 14/04/2014 Issue 15173 الأثنين 14 جمادى الآخرة 1435 العدد
14-04-2014

شيء من مسيرة جائزة الملك فيصل العالمية

في مقالتي، الأسبوع قبل الماضي، تَكلَّمت عن الفائزين بجائزة الملك فيصل العالمية هذا العام بفروعها الخمسة: خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، واللغة العربية والأدب، والطب، والعلوم.. وفي مقالتي، هذا اليوم، سأبدأ الحديث باختصار عن فائزين أو

فائزات بالجائزة، وفي حياتهم عِبر ودروس رائعة.. وستكون بداية ذلك حديثاً عن فائزات نظراً لأن الحديث الآن في أُمَّتنا يكاد يتركَّز على المرأة.. وأود أن أشير إلى أمور جديرة بالإشارة في نظري:

أول هذه الأمور أن الإسلام - كما يُفْهَمُ فهماً صحيحاً - قد أتاح للمرأة أن تنال ما يليق بها من احترام وتقدير.

وثاني الأمور أن العمل عمل بغض النظر عن المكان الذي يؤَّدَّى فيه أو من يقوم به.. ولقد عشت سنوات في ستكتلندا ورأيت كيف تُحرَمُ المرأة هناك من نيْل الأجر نفسه الذي يناله الرجل مع أنهما يُؤدِّيان العمل نفسه.. ومما يؤسف له وجود نظرة لدى بعض الناس مؤداها أن عمل المرأة في بيتها؛ مُربِّية لأطفالها وراعية لمنزلها ليس عملاً.. بل العمل لديهم لا بد أن يكون خارج المنزل.. وربما جنبّاً إلى جنب مع الرجل.

وثالث الأمور أن المرأة في الغرب مع وصولها إلى مكانة سياسية - ما زالت نسبة تمثيلها في الحياة السياسية أَقلَّ كثيراً جداً من نسبة تمثيل الرجل.. ونظرة إلى البرلمانات في أوروبا وأمريكا تؤكد ذلك.. ولقد فُتح الباب على مصراعيه أمام النساء في تلك البلدان الغربية ليَنتَخِبن ويُنتخَبن.. ومع ذلك لم يُنتَخب منهن إلا القليل القليل.. فأين النساء مُنتَخِبَات ومُنتخَبَات؟

ورابع الأمور أن هناك حركة اجتماعية في أمريكا أَدَّت إلى فصل مدارس البنين عن مدارس البنات في التعليم الثانوي في كثير من الولايات الأمريكية لما رُئي منفعة في التحصيل العلمي، وأن هناك أصواتاً متزايدة تُبيِّن الدور العظيم الذي تؤدِّيه المرأة نتيجة عملها المنزلي في الناتج القومي العام, وأن هناك حركة فَعَّالة في المملكة المغربية مؤدَّاها أن تعمل المرأة في منزلها مع زميلات لها، ثم يأتي من يَتسلَّم الإنتاج ليسوِّقه.

في تلك البلدان الغربية هناك عدالة.. فبالانتخابات وحدها يتم التمثيل.. أما في أقطار أُمَّتنا فقد دُخِل إلى شكل الحياة البرلمانية خطأ.. ذلك أن المُقلِّدين للآخرين دون تفكير فرضوا نسبة مُعيَّنة للنساء لا وفق الكفاءة؛ بل وفق ما يريد صاحب السطوة.. والعدل هو أن يكون الباب مفتوحاً أمام الجميع دون نسب.. فلو نجح في الانتخابات خمسون في المئة من الرجال، وخمسون في المئة من النساء لكان من العدل أن يكون الأعضاء وفق ذلك.. أما تحديد نسبة للمرأة، فظلم لها كما هو ظلم للرجل.

ومما تجدر الإشارة إليه، أيضاً، أن جائزة الملك فيصل العالمية قد اكتسبت مكانة رفيعة بين الجوائز العالمية الكبرى.. ولَعلَّ مما يَدلُّ على ذلك أن سبعة عشر ممن نالوها في الطب أو العلوم نالوا بعد نيْلهم لها - مثلاً - جائزة نوبل.. أما نسبة الفائزين بها من النساء إلى الرجال فهي أعلى نسبة في تلك الجوائز.. فقد فازت بها تسع نساء بين 234. وللمرأة حضور واضح في الجائزة؛ مُحَكِّمَة وعضو لجنة اختيار، وفائزة.

وكانت أولى الفائزات بالجائزة في فرع الطب.. وقد نالتها البروفيسورة جانيت راولي، الأمريكية الجنسية، التي فازت بها، عام 1408هـ/1988م، في موضوع «سرطان الدم».. وكانت حينذاك أستاذة مُتميِّزة في قسم الطب والوراثة الجزيئية وبيولوجيا الخلية في جامعة متشيجن.. وتاريخ هذه العالمة مثير للإعجاب.. فقد شُغِفتْ بالعلوم منذ طفولتها.. وتفوقت في دراستها إلى حَدِّ أن تلك الجامعة قبلتها بالمجان للدراسة فيها وعمرها لم يتجاوز خمسة عشر عاماً وقبل أن تنهي الدراسة الثانوية.. واختارت في البداية دراسة الفلسفة.. فحصلت على البكالوريوس بتفوُّق وعمرها 19 عاماً.. وبعد ذلك بعامين حصلت على بكالوريوس ثانٍ في العلوم.. ثم نالت بعد عامين آخرين فقط درجة الدكتوراه في الطب.. واستطاعت ببراعة فائقة أن تُوفِّق بين عملها طبيبة للأطفال المُتخلِّفين عقليّاً، وباحثة وأستاذة جامعية تُدرِّس أمراض الجهاز العصبي، وأُمَّاً لأربعة أطفال.. والواقع أنها حَقَّقت أعظم اكتشافاتها وهي تعمل في منزلها.. ولم تَتفرَّغ تماماً للبحث العلمي إلا بعد أن بلغ أصغر أولادها الثانية عشرة من العمر.

وإضافة إلى نيْل البروفيسورة راولي جائزة الملك فيصل العالمية مُنِحت إلى جانب عالمين جائزة لاسكر المرموقة عام 1998م.. وحصلت على الميدالية الوطنية للعلوم في أمريكا.. وفي عام 1998م، أيضاً، مُنِحت ميدالية بنيامين فرانكلين للإنجاز المُتميِّز في العلوم من الجمعية الفلسفية الأمريكية.. وفي عام 2009م مُنِحت وسام الحرية الرئاسي؛ وهو أعلى تكريم مدني في أمريكا، وجائزة غروبر في علم الوراثة.. وفي عام 2012م أُنتُخبت عضواً في المجلس الاستشاري العلمي لصناديق الأمل، ولقد ظلَّت مواصلة لبحوثها وعملها حتى وفاتها في أواخر العام الماضي.

مقالات أخرى للكاتب