Tuesday 15/04/2014 Issue 15174 الثلاثاء 15 جمادى الآخرة 1435 العدد
15-04-2014

وسَاعَةً أخْرَى مَعَ وَفْدِ الشُّورَى في القصيم..!

سَجَّلْت على عجل ما تَبَدَّى لي في (مجمع اللغة العربية بالقاهرة) عبر ساعة من نهار, قضيتها في ربوعه الوارفة الظلال باللغويات، أَفَضْت في تلك الساعة بما يساورني من هموم اللغة، وقضاياها.

ومن الصدف الأغرب أن تمر بي ساعة مماثلة، قضيتها في (برج بريدة) مع لفيف من أعضاء [مجلس الشورى]، ممن تربطني ببعضهم علاقة وُدٍّ، وَهَمٍّ، وتَلْمَذَة. وبآخرين مَعْرِفة من طرف واحد.

إذ تلقيت دعوة هاتفية، وأنا في القاهرة من سعادة [ أمين منطقة القصيم]. وكنت قبلها أنوي تمديد إقامتي، [لآخذ نفسي], كما يقول المجهدون في المؤتمرات، واللقاءات المكثفة.

ولكن دعوة بهذا الحجم، وبتلك الأهمية، أسرعت بي، لأَسْمع، وأُسْمِعُ. فَوَفْدٌ نيابي يزور [منطقة القصيم] بعد طول انتظار، لا يمكن التفريط بمثله.

سَبقْتُ مجيء الوفد، وفي النفس حاجاتها المُلِحَّة، التي لا يكون السُّكوت جواباً عندها وخطاباً.

كنت أظن الفريق قد جاء لمقابلة خليط من شرائح المجتمع، والسماع منهم دون تحفظ، أو تخطيط، أو انتقاء. سعياً وراء استجلاء الآراء، وتلقي الهموم من مصادرها الأصلية، وبمادتها الخام. بدون تنقيح، أو تمحيص.

غير أن الأمر أخذ منحاه الرسمي الصارم، كأدق ما تكون الرسميات. ولم أر الوفد إلا في تلك الساعة، التي مُلِئت بالترحيب الرسمي، وبكلمات المجاملة، أعقبها وجْبَة الغداء، ثم التوديع المماثل.

سمعت كَغَيْري أن الوفد قابل سمو أمير المنطقة، وسمو نائبه، وحضر جلسة استثنائية لمجلس المنطقة، وزار بعض المحافظات، في إطار من الرسميات. وذلك دون ما نريد، ولست معترضاً على شيء من تلك الخطوات، إذ هي بعض مهام الجولة، وليست كلها، وليست بأفضلها.

كنت أود لو أن الوفد التقى من يهمه الأمر: برجل الشارع البسيط المؤذي بجهلة, والمَتَأذِّي بالممانعة. وبالمزارع المحاصر بضوابط وزارتي الزراعة والمياه. وبالطالب الجامعي المتذبذب بين رغباته، والمتاح من التخصصات، والمقبل على شبح البطالة المخيف. وبالتاجر المشكل، والمتمشكل، وبالمثقف الخراشي، الذي لا يَدْرِي ما يصيد، ولا من يُصَدِّق. وبالمستفيد من مجمل المرافق الشحيحة, حين لا يجد حاجاته مُيَسَّرَة، أو يجدها على غير ما يريد، وبسائر المأزومين من المرافق الخِدْمية.

كل ذلك في سبيل تضلع العضو من المعلومات من مصادرها المختلفة، ثم لا يكون خِبًّا، ولا يخدعه الخب. ذلك أن رجل الشورى في المجلس يمثل مختلف طبقات المجتمع، وأطيافه، وعلاقته بالمسؤولين علاقة مساءلة ومحاسبة. ومن واجبه أن يكون على علم بما يدور في المجالس، والمحافل، والأسواق من كلام صادق، أو مُفترى، وأن يرصد نبض الشارع، وأن يستبطن تطلعات الدهماء، وأن يدخل قبة المجلس وفي جُعْبته أدق المعلومات، وأوفاها. بحيث لا يقع في تلبيس المقصر، وتدليس المتلاعب. وبحيث يكون على علم بما يُخْفيه المسؤول المنفذ، مِمَّا يَخْصِف عليه من ورق التمويه، ليواري سوءاته.

زيارة الوزراء، ونوابهم، ورؤساء الهيئات، وأعضاء مجلس الشورى إلى المناطق لمجرد الاستهلاك الإعلامي، وتبادل أنخاب الثناء، وكسر الرتابة، واقتصار اللِّقاءات على عدد محدود، ومنتقى، ومرتب من المسؤولين التنفيذيين، لا يفيد الوطن، ولا يشفي صدور المواطنين، ولا يُنوِّر أعضاء المجلس، ولا يرفع رصيدهم من صحيح الأخبار، وخبايا الأحوال.

وعِلْيةُ القوم ملوا من الاحتفالات، والاحتفاءات، والاستقبالات, والتوديعات الرسمية. الناس يريدون بث همومهم، واستماع ملاحظاتهم، وإبلاغ شكاياتهم، وتجسيد معاناتهم، وتصحيح مفاهيمهم. يريدون من يواسي، أو يأسو، أو يتوجع على الأقل.

الناس تتلقفهم قنوات الضرار، ومواقع الافتراء، وتجتالهم قالة السوء، وتلامس آذانهم أخبار كاذبة، ثم لا يجدون من يغسل أدمغتهم الملوثة، ويزيل ما على عيونهم من غشاوة.

المواطن يعيش دوامة المتناقضات، وواجب رجل الشورى مواجهة العامة، دون ترتيب، وبلا رقابة. واجبه أن يُسْمِع الناس، وأن يستمع منهم، أن يصحح ما علق في أذهانهم من زائف القول، ورديء الافتراء. لا بد لرجل الشورى أن يكسر الطوق المحكم من الوهم، أو التوهم، وأن ينزل أعضاء المجلس بقضهم وقضيضهم إلى الشارع، إنهم نخب من مناطق شتى، ومن تخصصات شتى، ومثلما أنهم مسؤولون عن تلقي الشكاوى، والآراء، والمقترحات من خلال المواقع، فإنهم مسؤولون عن تصحيح المفاهيم الخاطئة، وتبرئة الأجهزة الحكومية من المفتريات، أو محاسبتها على الهفوات. على سنن [أعن أخاك ظالماً، أو مظلوما].

بل إن المجلس نفسه بحاجة إلى تصحيح المفاهيم السيئة عنه، إذ ليس من الحصافة أن يَزْورَّ عن وقع الكلمات الشامتة, وهو القادر على إجهاضها.

وبقدر ما نحن بحاجة إلى معرفة حقوقنا، فإن علينا أن نعي واجباتنا. وطننا لنا بعجره وبجره، وما لم نتدارك أمورنا بمهدها، تراكمت المشكلات، واستحكمت حلقاتها، واستحال انفراجها. وليس تلوث الأفكار بأقل خطورة من تلوث البيئة.

إننا نضيق ذرعا من تلوث البيئة، ونلح على مَسْؤولي التنقية، ولا نكترث من تلوث الأفكار، وقل أن نجد من نستجير به من هذا الوضر.

مصادر التنوير، والتعليم، والتثقيف التقليدية: البيت، والمدرسة، والمسجد، والإعلام لم تكن كافية في ظل المعلومات، والاتصالات. ومن ثم لابد من كفاءات وطنية، تنزل إلى الشارع، تلتقي بشرائح المجتمع لتستمع، وتصحح, أولا بأول.

بلدنا مستهدف. وشبابنا مستهدف. ووحدتنا الفكرية مستهدفة. وولاؤنا لقادتنا مستهدف. وبعض مشروعاتنا متعثرة، ومصابة بغزارة الإنتاج، وسوء التوزيع.

- فَمَنْ لهذه السِّهام؟.

أنا متأكد أن مجلس الشورى، لو نثر كنانته التي تربو سهامها على مئة وخمسين لحقق الشيء الكثير، لا نريد تعطيل هذه الطاقات المنتقاة، واقتصار مهماتها على التصويت بـ[لا، أو نعم]، ولا نريد للمجلس أن يكون مقبرة الكفاءات.

ثم إن زيارات المسؤولين، والشوريين المخنوقة بالرسميات، لا تجدي، ولا تشفي صدور المستهدفين. والنخب التي تُدْعَى لبعض الاحتفاليات متخمة بالأضواء، ضائقة ذرعا بالمناسبات الرسمية.

على مائدة الغَدَاء قلت بعض ما بي، إلا أن الوقت حق مشاع لكل الحاضرين، وحق المَعِدات لا يقل عن حق الأدمغة. ومن ثم اختلطت الأصوات، ولم نقل شيئًا يشفي صدورنا. ما أوده في مثل هذه اللقاءات استبعاد الحساسيات المفرطة، والرسميات الدقيقة، و[البروتوكولات] الخانقة، التي يجنح إليها كثير من المسؤولين.

لا بد من رصد المشاعر على الطبيعة، وفي الفضاءات الرحبة، التي تسودها الثقة، ويغلب عليها حسن الظن. ومن يتهيب لقاء الناس فليسعه بيته، ومن لا يستطيع الأخذ، والعطاء، ولغة الحوار، فليترك المكان لغيره. نحن في عصرنا الذهبي: أمن، ورخاء، واستقرار، وتلاحم. ولن نحافظ على هذه المثمنات بالتسلل لواذاً من لزز التداول. الهاربون من المواجهة هم الذين لا يملكون ورقات رابحة, أو لا يقدرون على تقليبها بقوة واقتدار.

لقد استأت حين نَقَلَ إليَّ بَعْضُ من ترصدوا لـ(رئيس هيئة مكافحة الفساد) ببهو أحد الفنادق ببريدة، قبل مدة، لتوصيله بعض هموم المواطنين، واعتذاره عن سماع رؤيتهم. وأنا اليوم أكثر استياء حين لم يتح للقدر الكافي من المواطنين مقابلة أعضاء مجلس الشورى، وتبادل الرأي معهم على قدم المساواة.

نعم أنا أرفض الغوغائية, ولا أريد لكبار المسؤولين أن يصطدموا بالدهماء, ولا أن يتبذلوا, ولا أن يهدروا كل وقتهم, ولكنني في الوقت نفسه أرفض اعتزال المسؤول، واحتجابه عن الناس, فنحن في زمن الباب المفتوح، والمكاشفة، والشفافية. وليس من المصلحة استهلاك الزيارات بالرسميات، التي قد تسهم في تزييف الوعي.

لقد انتهى زمن (كل شيء تمام), وهي كلمة قالها أحد كبار المسؤولين في المنطقة. فلدولتنا الولاء والوفاء, وللحكومة المساءلة والنقد. ذلك طريق النجاح القاصد, ومن حق وطننا علينا ألاَّ نُفَرِّط بشيء من تلك المنح فنقع بالمحن.

زيارة المسؤول، أو الفريق حق للمواطن العادي, وليست للمسؤول المماثل، ومن ثم لابد من ترتيب الأمور, لتمكين ذوي الشأن من استثمار الزيارة بما يعود على البلاد والعباد بالنفع الذي ينشده ولي الأمر.

عندما أثرت بعض هذه التساؤلات على مائدة الغداء، قال أحد الأعضاء، وأظنه الصديق العزيز الدكتور عيسى الغيث: - تلك مسؤولية من وضع البرنامج.

قلت له: - المسألة ليست وقفاً على زيارتكم لـ[منطقة القصيم]، وليست إشكالية قصيمية, وإنما هي شنشنة نعرفها من كل مسؤول, في كل المناطق, ولو كانت مشكلتنا وحدنا في [القصيم] لعرفنا كيف نحلها.

كل الذي أوده أن تُقْرأ رسالتي تلك كما أريد، وألا تختطف لهذه المناسبة وحدها، فَهَمِّي وطني, وليس إقليمياً. ولو كانت نظرتي إقليمية لقلنا: - الكرة في شباك من وضع البرامج، وقفصن الوفد، وقزم النتائج.

Dr.howimalhassan@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب