Thursday 17/04/2014 Issue 15176 الخميس 17 جمادى الآخرة 1435 العدد

الإعلام السعودي .. إضاءات سريعة

أبها - عبدالله الهاجري / تصوير - مساعد الحمري:

رأى رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك أثناء تدشينه كرسي جريدة الجزيرة في جامعة الملك خالد بأبها من خلال محاضرة ألقاها في المدرج المركزي بالجامعة يوم الاثنين الماضي بعنوان (الإعلام السعودي.. لمحات سريعة) وحضرها طلاب وطالبات قسم الإعلام والاتصال إلى جانب عدد من قيادات الجامعة وأعضاء هيئة التدريس، رأى أن وسائل الإعلام السعودية بدأت بصحيفة أم القرى فالإذاعة السعودية ثم التلفزيون، فوكالة الأنباء السعودية، وأشار في محاضرته إلى الخطوات الداعمة لتطور هذه الوسائل من خلال إصدار الأنظمة وسن القوانين وإقامة المؤسسات والهيئات والاهتمام بالعنصر البشري السعودي وتوفير الإمكانات، موثقاً ذلك بالمصادر والتواريخ والأحداث، وبعد انتهاء المحاضر من إلقاء محاضرته توالت الأسئلة والمداخلات، وقد أجاب وعلَّق عليها الأستاذ المالك.

وفيما يلى نص المحاضرة.

بقلم: خالد المالك

لم يكن عنوان هذا الموضوع من اختياري، ولو كان أخذ رأيي لكنت اخترت أن يقتصر الحديث على الصحافة، لسببين: الأول أن تاريخي يرتبط على مدى خمسين عاماً بالصحافة لا بوسائل الإعلام الأخرى، والثاني أن الحديث عن الإعلام بكل وسائله كما يوحي العنوان سوف يضطرني لأن أغرف من هذا البحر بمقدار ما يكفي للفترة الزمنية المحدّدة للموضوع، وفي هذا اختصار ربما كان مخلاً، غير أن مراعاتي لعامل الوقت ربما اضطرتني لإغفال ما قد يكون مهماً أو ذا فائدة كان ينبغي أن نتحدث معاً عنه.

***

غير أني سأحاول في حدود ما هو متاح من وقت أن أتحدث لكم عن الإعلام السعودي بكل وسائله في إضاءات سريعة، لعلها تقرّب الصورة في عدسة كل منكم، فتتعرّفوا على ماض أو حاضر أو مستقبل عن هذا الإعلام الذي انتقل من محطة لأخرى حاملاً معه رسالته وصوته ورأيه على النحو الذي نراه فيه الآن، ودون أن نغفل أو نتجاهل أو نهمّش حتى سنوات الضعف والبدايات الأولى المتواضعة، ففيها دروس وعبر نافعة، وتجارب ثرية، ونتائج لا يمكن إلا أن تكون حاضرة بقوة لمن يريد أن يؤرِّخ للإعلام السعودي بموضوعية ونزاهة.

***

وليس المقام هنا مقام عرض لتاريخ الإعلام السعودي برجاله ووسائله، وبما أمكنه أن يقوم به من دور فاعل في دعم الوحدة الوطنية، وإضاءة لمشاعل القوة المكتسبة من توحيد المملكة بمرافقته للجهد الكبير الذي بذله الملك المؤسس ورجاله لقيام هذه الدولة، معتمداً على مجموعة من الآليات كان الإعلام مع تواضعه آنذاك إحدى الوسائل لنقل هذا الصوت الفاعل والمؤثِّر عن التطورات والمنجزات والخطوات الأولى في بناء الدولة السعودية، ما جعل من الإذاعة السعودية، التي بدأ إرسالها عام 1942م، وقبلها صحيفة أم القرى التي صدرت عام 1924م متزامنة في صدورها مع تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- مرجعاً ومصدراً ذا مصداقية عالية للتعرّف على المستجدات في الدولة الحديثة.

***

لقد دخلت المملكة مبكراً ضمن منظومة الدول التي أعطت اهتماماً للإعلام، وكان ذلك قبل توحيد المملكة على يد المغفور له الملك عبدالعزيز، ومن يقرأ تاريخ الإعلام بكل وسائله وفي جميع حقبه التاريخية سيجد أن الاهتمام بالصحافة، ومن ثم الإذاعة، قد بدأ مبكراً، ولاحقاً التلفزيون فوكالة الأنباء السعودية، وأن رواد الإعلام في هذه البلاد سبقوا زمانهم في توظيف قدراتهم وإمكاناتهم المحدودة منذ البدايات التي أخذت بالتطور تدريجياً إلى أن وصلت وسائل الإعلام إلى هذا المستوى الذي هي عليه، ولعل توثيق تاريخ الإعلام في بلادنا وإن تأخر تسجيله كثيراً، إلا أنه يحسب لكثير من المؤرِّخين والأكاديميين والمثقفين والمهتمين بالشأن الإعلامي، قيامهم بتتبع هذا التاريخ، ورصد كل ما له صلة أو علاقة بمسيرة الإعلام، وتحديداً الصحافة التي كانت المنبر الأهم آنذاك الذي عبَّر عن هموم وآمال الأمة وتطلعاتها نحو الغد الأفضل.

***

يقول الدكتور محمد الشامخ في كتابه (نشأة الصحافة في المملكة العربية السعودية): إن السنوات الست عشرة التي سبقت توحيد هذه البلاد على يد الملك عبدالعزيز وقيام الدولة السعودية تُعتبر الطور الأول من أطوار الصحافة، لكنه يرى أن النشأة الحقيقية للصحافة في هذه البلاد قد بدأت في أواخر 1942م حين أنشئت صحيفة أم القرى؛ وذلك لأن صدور هذه الصحيفة قد أذن ببدء عهد صحفي جديد اتسم بالاستقرار والاستمرار وقام فيه أبناء البلاد بالدور الأكبر في ميدان العمل الصحفي؛ وكانت صحيفة أم القرى قد صدرت بعد دخول الملك عبدالعزيز إلى الحجاز بفترة وجيزة، وقد رأى جلالته أهمية الصحافة وأنها من الأولويات التي يجب عليه الاهتمام بها.

***

وبعد سنوات ليست بالكثيرة من صدور صحيفة أم القرى، صدرت في العام 1932م صحيفة (صوت الحجاز)، وتوالت الإصدارات الصحافية الفردية لتشمل كل مناطق المملكة إلى أن صدر نظام المؤسسات الصحافية في العام 1964م الذي بموجبه أصبحت المؤسسات الصحافية الأهلية صاحبة الحق في تبني هذه الإصدارات بعد إلغاء الامتيازات الفردية، التي كان يطغى عليها الطابع الفردي قبل تحولها إلى مؤسسات صحفية، إذ غالباً ما يكون صاحب الامتياز هو رئيس التحرير والمسؤول المالي والإداري بالصحيفة، وهو ما يعني أن توجه الصحف وسياساتها يعتمد على ما يريده صاحب الصحيفة، كما أن الإمكانات المالية والإدارية والفنية كانت متواضعة، بحيث لا تسمح بأيّ تطور قادم في المستوى والتنظيم لو لم تتدخل الدولة وتحولها إلى مؤسسات صحفية أهلية.

***

وبصدور قرار تحويل الصحافة الفردية إلى مؤسسات صحفية، تحولت أغلب الصحف الفردية إلى مؤسسات، فصدر الترخيص لمؤسسة مكة للطباعة والنشر والإعلام، ومؤسسة البلاد للصحافة والنشر، ومؤسسة الدعوة الصحفية، ومؤسسة اليمامة الصحفية، ومؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، ومؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر، ومؤسسة المدينة للصحافة، ومؤسسة دار اليوم، -ولاحقاً وفي فترة متأخرة جداً- أنشئت مؤسسة الوطن ومؤسسة الشرق وصحيفة مكة بعد احتجاب صحيفة الندوة؛ وقد ساعد هذا التنظيم في الرقي بمستوى ومضمون هذه الصحف، وساعد على انتشارها، وسمح لها بتحقيق أرباح من عوائد الإعلانات مع استثمار جزء منه في تطوير العمل في المؤسسات الصحفية بتوفير الإمكانات البشرية والفنية التي وضعتها في المستوى الذي هي عليه الآن.

***

لقد كان صدور أول نظام للمؤسسات الصحافية عام 1964م نقلة نوعية ولا شك، إذ إنه خدم الصحافة في المملكة من خلال ممارسة العمل الجماعي في إدارتها تحت مظلة من الأنظمة والتنظيمات الإدارية والمالية التي فصلت بمقاسات تناسبها بعيداً عن الاجتهادات الفردية أو الاعتماد على الصوت الواحد في توجيه سياسة الصحيفة ورسم منهجيتها التي كانت تتسم به صحافة الأفراد.

***

ومع مضي قرابة الأربعين عاماً على صدور هذا النظام أي قبل عشر سنوات شهدت المملكة والعالم خلال هذه الفترة متغيرات ومستجدات ألقت بظلالها على كثير من أمورنا، وكان لابد من مواكبة ذلك بإصدار نظام جديد للمؤسسات الصحافية يفعّل من دور الصحافة ويتناغم مع متطلبات الفترة الراهنة، ومن دون إخلال بالثوابت أو مس بخصوصية هذه البلاد وسياستها عند تناول صحافتنا لشأن من الشؤون الداخلية أو الخارجية.

***

وهكذا ففي عام 2001م صدرت صيغة جديدة لنظام المؤسسات الصحافية راعى النظام معالجة ما كان موضع ملاحظة في بعض مواد النظام السابق، أبرز ما فيه ضمن أمور أخرى كثيرة تخفيف سلطة وزارة الإعلام على الصحف، وتبنيه لإنشاء هيئة للصحفيين لأول مرة في تاريخ المملكة.

وقد تلا صدور هذا النظام:

صدور اللائحة التنفيذية لنظام المؤسسات الصحافية الجديد.

وصدور اللائحة الأساسية لهيئة الصحفيين السعوديين.

***

ومع كل ما قيل عن هذا النظام منذ صدوره..

من أنه صدر من دون أن يلبي طموح العاملين في المؤسسات الصحافية كما كان منتظراً..

ومن أنه قد خلا مما كان يتوقعه بعضهم بعد سنوات من الانتظار..

مع كل ما صاحب صدوره من همز ولمز وتباين في وجهات النظر..

تمثل في عدم الرضا أو الرضا النسبي المحدود، وهذه ظاهرة صحية..

فإن ما قيل في جزء كبير منه ربما كان صحيحاً ولا يمكن تهميشه عند تقييمنا لهذا النظام..

وبخاصة أن النظام نفسه قد أخذ حقه من الوقت لدراسته وتمحيصه من وزارة الإعلام والمجلس الأعلى للإعلام ومجلس الشورى وقبل أن يوافق مجلس الوزراء عليه.

***

وبالنسبة للإذاعة السعودية فقد بدأت انطلاقتها من جدة بتاريخ 2-10-1949 كما وثَّق ذلك الدكتور عبد الرحمن الشبيلي في كتابه (الملك عبدالعزيز والإعلام)، وكما وثَّق هذه المعلومة مؤرِّخون آخرون أيضاً، وقد أناب الملك عبدالعزيز ابنه نائب الملك في الحجاز آنذاك الأمير فيصل بن عبدالعزيز -الملك فيما بعد- لإلقاء كلمة جلالته الافتتاحية المسجلة من الإذاعة نيابة عنه في هذه المناسبة، وكان الملك عبدالعزيز كان قد فوَّض الأمير فيصل للإشراف على الإذاعة، يضيف الدكتور الشبيلي في كتاب آخر له بعنوان (الإعلام في المملكة العربية السعودية) معلومة أخرى من أن أكثر من عشر دول عربية سبقت المملكة في تأسيس إذاعات خاصة بها، وأن ولي العهد الأمير سعود بن عبدالعزيز - الملك فيما بعد - هو أول من فكر عملياً في إقامة محطة للإذاعة التي تخضع لإشراف نائب الملك في الحجاز فيما تتبع من الناحية الإدارية وزارة المالية.

***

وكانت الإذاعة تبث إرسالها في البداية كما أشرنا من استوديوهاتها في جدة عام 1949 ثم من الرياض في عام 1979، ومنذ بداية إرسالها وإلى اليوم شهدت الإذاعة تطورات وتنظيمات وتوسعات وتغييرات فنية وبشرية، ولا يسمح الوقت لنا بأن نتحدث بالتفاصيل عن ذلك، لكنها ظلت تقوم بدورها، وإن استقطب التلفزيون شريحة كبيرة من متابعي الإذاعة.

***

وقد ظلت وزارة الثقافة والإعلام هي المسؤولة عن الإذاعة إلى أن تحولت إلى هيئة عامة عام 2012م تسمى هيئة الإذاعة والتلفزيون، بقرار من مجلس الوزراء، وبموجب هذا التنظيم الجديد أصبحت الهيئة تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة، والاستقلال المالي والإداري، مع ارتباطها تنظيمياً بوزير الثقافة والإعلام الذي أصبح رئيساً لمجلس إدارة الهيئة بحكم التنظيم الذي صدرت به هذه الهيئة.

***

أما عن التلفزيون الذي بدأ تنفيذه وعمله على مراحل، فإذا استثنينا تلفزيون أرامكو الذي بدأ إرساله عام 1957، أو تلفزيون بعثة التدريب الأمريكية في الظهران الذي باشر إرساله عام 1955م وكان مدى إرسالهما محدوداً، فإن التلفزيون السعودي - القناة الأولى - بدأ بثه التجريبي من الرياض في 17-7-1965م، أي قبل أن يبدأ إرساله رسمياً في نفس العام من الرياض وجدة، ومن ثم التوسع بإنشاء عدد من محطات البث واستثمار الأقمار الصناعية في الوصول بالبث إلى كل مواطن وإلى كل أجزاء المملكة ومن ثم العالم، مع ملاحظة أن البث عند انطلاقة القناة في عام 1965م كان يبث باللون الأسود، إلى أن تحولت برامجه إلى الألوان في عام 1976م.

***

وقد قامت وزارة الثقافة والإعلام فيما بعد بإطلاق عدد من القنوات إلى جانب القناة الأولى -وإن جاء ذلك متأخراً جداً- فهناك قناة القرآن الكريم، وقناة السنة النبوية، والقناة الثانية، والقناة الثقافية، وقناة الأطفال أجيال، والقناة الاقتصادية، وعدد من القنوات الرياضية، في محاولة منها لتحقيق متطلبات ورغبات المشاهدين.

***

ولقد تحول الإشراف عليها وإدارتها هي الأخرى من وزارة الثقافة والإعلام إلى هيئة الإذاعة والتلفزيون التي أشرنا إليها في حديثنا عن الإذاعة، والتي أصبح وزير الثقافة والإعلام رئيساً لمجلس إدارتها، وقد حدد قرار مجلس الوزراء صلاحيات مجلس الإدارة ومهمات الهيئة، بما في ذلك ميزانيتها ومصادر دخلها، والضوابط والالتزامات التي عليها أن تقوم بها.

***

وضمن المنظومة الإعلامية السعودية، لدينا في المملكة وكالة للأنباء هي وكالة الأنباء السعودية الرسمية، وقد كانت هي الأخرى ضمن مظلة وزارة الثقافة والإعلام منذ إنشائها عام 1971م، وإلى أن صدر قرار مجلس الوزراء بتحويلها إلى هيئة عامة في عام 2012م بمسمى وكالة الأنباء السعودية (واس)، ووفق تنظيمها الجديد سيكون لها مجلس إدارة يرأسه وزير الثقافة والإعلام، كما ترتبط تنظيمياً بمعاليه، وتعد الوكالة مصدراً للأخبار الرسمية للتلفزيون والإذاعة والصحف وغيرها.

***

وما يمكن أن يشار إليه من مستجدات في إعلامنا غير ما سبق ذكره، صدور قرار من مجلس الوزراء بتاريخ 3-9-2012م بالموافقة على تنظيم هيئة تُسمى الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، والهدف منها تنظيم البث الإعلامي المرئي والمسموع وتطويره ومراقبة محتواه وفقاً للسياسة الإعلامية للمملكة، بحيث تكون هي الجهة المسؤولة عن شؤون البث والمحتوى الإعلامي المرئي والمسموع، ولها في سبيل ذلك إدارة التراخيص لجميع أنشطة البث والمحتوى الإعلامي المرئي والمسموع، للتأكد من تقيدهم بالأنظمة وتنفيذ شروط وأحكام التراخيص الصادرة لهم، وتلقى الشكاوى المتعلّقة بالبث والمحتوى الإعلامي المرئي والمسموع والتحقق منها، وللهيئة الجديدة مجلس إدارة يرأسه وزير الثقافة والإعلام.

***

أريد أن أذكركم أخيراً بأنه يوجد نظام للمطبوعات وصدوره سابق لصدور نظام المؤسسات الصحفية، وقد أجريت عليه عدة تعديلات لأكثر من مرة، وهو الذي ينظم النشر، وضمن مسؤولياته مراقبة المخالفات الصحفية، وهناك لجنة مشكلة في وزارة الثقافة والإعلام من عدة جهات حكومية تحتكم إلى هذا النظام في تحديد المسؤولية في أيّ شكوى تصلها ضد أيّ صحيفة أو عند وجود مخالفة لنظام النشر.

***

بهذا أنهي هذه الإضاءات الإعلامية السريعة، لأترك لما تبقى من وقت للمداخلات والأسئلة، بأمل أن تكون هناك فائدة من هذا الوقت الذي قضيناه معاً في حديث سريعٍ عن وسائل الإعلام السعودية.