Saturday 19/04/2014 Issue 15178 السبت 19 جمادى الآخرة 1435 العدد

ذاكرتنا التي لا تشيخ

وفاءً لوقتٍ تقاسمنا لحظاته معك..

وفاءً لدربٍ سلكناه إليك..

وفاءً لعمرٍ أمضيت نصفه أمام شاشتك، ونصفه الآخرَ داخلها..

أرقبك بعينين لامعتين وأنت تكمل ُعامكَ الخمسين... سنين ٌتطوي سنين، وأنت الذي لا تشيخ ولا تهرم..

كنت فينا الذاكرة والذكريات، و الصوتا والصدى، والسمعَ والبصر..

اكتبك في ذكراك الخمسين، بمدادِ سنين صداقتنا، وأنت الذي لاترى ولا تسمع..

علمتنا أطفالا أن هناك «أرضاً للأمل» عندما قالها عدنان وسمعته لينا..

علمنا «بابا عبدالله» كيف نحترم الكبير ونصغي لحكمته في افتح ياسمسم..

علمتنا عجائب هذا الكون بين علمه وإيمانه بفلسفة مصطفى محمود..

علمنا أبو الحروف أنه أطول ُمن المدة، وأقوى من الشدة، وأحد من السين..

علمتنا ونقلت لنا تفاصيل كل شبر من ثرى وطني الطاهر بمدنه وقراه في «ربوع بلادي علينا بتنادي»..

تسمرنا أمام شاشتك باسمين ..

لساعاتٍ، وأيامٍ، وشهورٍ، وسنين..

زادُنا «ابتسامة الشيخ عبدالعزيز المسند وسماحتُه»، وإفطارُنا مغموسٌ بعفوية الشيخ علي الطنطاوي وطهارته، وسحورُنا لا يكتمل إلا بتفسير و إيماءات ولغة جسد الشيخ محمد متولي الشعراوي.. (ولفرط اندماجنا في متابعته سرت شائعة بين الأصدقاء تقول إنه سقط من كرسيه بسبب حماسته)..

الساعة العاشرة والنصف صباحاً، تبدأ رحلتنا مع شاشتك الذهبية، ويبدأ يومنا، ضابط إيقاع حياة طفولتنا.. وتحديداً، مع نهاية الموسيقى الشهيرة.. يبدأ البث فتأتي فرحتنا الكبرى بالرسوم المتحركة، التي لا نضبط إفطارنا إلا معها، وفور نهايتها نبدأ ننشد الألحان العذبة مع فرقة أطفال المدينة، التي ينهونها بلغز مغنى (لم أتمكن طيلة متابعتي من حلّه !!)..

أما في المساء لاتزال بقايا صوت الشيخ عبدالله الخليفي تسكن أذني، بنبرته الرخيمة، وخشوعه الطاهر في صلاة المغرب، فيحين بعد ذلك موعد لا تخلفه النساء مع المسلسلة البدوية التي اختلط وقتها بالأحزان والدموع.. وبعد العشاء لا شيء يعدل تسمرنا أمام الشاشة ودفق الحماسة يغلي في رؤوسنا حتى نقف، مع كل حرف يطلقه إبراهيم الراشد على لكمات أبطال جولات المصارعة الحرة.. (الذين كانوا مصدراً لاهتمامي مع أصدقائي ببناء أجسامنا مثلهم لكن دون جدوى!)..

وتأبي شاشتنا الحنون في نهاية بثها اليومي إلا أن ترشدنا إلى الصيدليات المناوبة.. (وكأنها تعلم أن حماسة المصارعة ستكون لها مضاعفات جانبية !!)

في ذكرى عامك الخمسين، يمر شريط الذكريات سريعاً، لا يأبه للحنين ولا للسنين.. يمر كطيف عابر أو حلم، يزرع ابتسامته على شفتي ويرحل..

في ذكرى عامك الخمسين، أعانق فيك مواكب الراحلين، ارسم ملامحهم على شاشة نسيتهم، وربما نسيناهم نحن أيضاً..

في ذكرى عامك الخمسين أستلهم في رؤياك وطناً أنت مستودع لذاكرته وسجل لآماله ومآله ورجاله، وصوت لمواطنيه ولسان لهم..

تلفزيوننا العزيز، في ذكرى عامك الخمسين ، لبثت فينا 600 شهر (يحوي 18 ألف يوم، أو 432 ألف ساعة) .. بحجم ماحملت لنا فيها من وعي و علم وثقافة، لك منا الحب والوفاء الدائمين في يوم ذكراك الكبير.

عبدالرحمن الحسين - مذيع ومقدم برامج بقناة الإخبارية

@aalhusain