Friday 25/04/2014 Issue 15184 الجمعة 25 جمادى الآخرة 1435 العدد
25-04-2014

وطننا لا يتبنى فكراً وافداً ولا منهجاً حزبياً..!!

المشكلة ليست في الإسلام بل المشكلة في المسلمين، والقضية ليست في الإسلام بل الكارثة في التاريخ الإسلامي، والأزمة في عدم التفريق بين المقدس وغير المقدس، وهذا الذي يجب أن يفهمه الجميع حماية للإسلام من التشويه والنصب والاحتيال والطموحات الشخصية والمغامرات غير المسؤولة،

ولذلك يعجب كل منصف مقالا كتبه توني بلير بعنوان «المشكلة ليست في الإسلام» يوم الأربعاء 12-06-2013 يبين فيه فهمه لهذا الدين السماوي فقال فيه: «ليست المشكلة في الإسلام، ولا يساور أولئك الذين درسوه بيننا أدنى شك في طبيعته الصادقة المسالمة. ولا توجد مشكلة مع المسلمين بشكل عام. وأغلبهم في بريطانيا روّعتهم جريمة قتل ريغبي». ويجب على شرفاء الأمة من ولاة وعلماء ومفكرين تحرير المسلمين من أوهام يعتقدونها ضرورة وديانة وهي أبعد ما تكون عن الإسلام، وتخليصهم مما تراكم على دينهم مما أفسد عليهم وعلى غيرهم حياتهم ودنياهم التي هم أعرف بشؤونها كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالإسلام ثابت والمسلمون متحول، والأولى بالتغيير هو المتحول إذ الإسلام دين رباني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والأزمات التي يعيشها المسلمون مع أنفسهم ومع الآخرين هي بسبب القصور في تفسير نصوص الإسلام والنحو بها منحى لا يتفق مع قواعد الإسلام ومقاصده السمحة، وحينما أعطى المشرع مساحة للاجتهاد كانت مسوغا لاختيار ما يتوافق مع ضرورات الحياة المتغيرة من متحولات وما أكثرها بينما تلك الثوابت قليلة وقليلة جدا..

من منطق الأشياء أن الدولة أعزها الله إذا رأت رأيا أو استشعرت خطرا أن جميع من تحت ولايتها من مؤسسات وجماعات وأفراد يكونون في كنفها ويحترمون وجهة نظرها فلا يلتفون ولا يشاغبون ولا يخترقون، لأنه بكل تأكيد لم ينتج إلا عن دراسة واستراتيجية وطنية لحماية كيان الأمة وتحقيقا لمصلحة بل مصالح شرعية قد تظهر حكمتها لبعضنا وقد تخفى على بعضنا الآخر، ومن خلال ما عرف عن الدولة من حكمة وتؤدة وسعة صدر في علاج قضايا كانت أكثر تعقيدا مما هو في واقعنا اليوم يحتم علينا الثقة بقراراتها ويفرض علينا المتابعة والتطبيق والسمع والطاعة وبخاصة أنها في غير معصية للخالق بل ثبت للعقلاء ضرورتها وحتميتها، ومن ذلك تجريمها بالقرار السامي عددا من المجموعات الإرهابية وهي كل من أطلقت على نفسها مسمى: تنظيم القاعدة - تنظيم القاعدة في جزيرة العرب - تنظيم القاعدة في اليمن - تنظيم القاعدة في العراق - داعش - جبهة النصرة - حزب الله في داخل المملكة - جماعة الإخوان المسلمين - جماعة الحوثي. علماً أن ذلك يشمل كل تنظيم مشابه لهذه التنظيمات، فكراً، أو قولاً، أو فعلاً، وكل الجماعات والتيارات الواردة في قوائم مجلس الأمن والهيئات الدولية وعُرفت بالإرهاب وممارسة العنف..

إن المتأمل في واقع حركات الإسلام السياسي يصرخ ما كان ضركم لو وضعتم يدكم بيد المملكة العربية السعودية ذات الثقل العالمي والإسلامي والعربي لتستفيدوا منه في هداية الناس وبلوغ الدعوة وحماية بيضة الإسلام الذي لن يغفر لنا جميعا المناكفة والمشاغبة والخلاف والاختلاف في قضايا يمكن الاتفاق عليها دون أن نخسر بعضنا ونبدد جهودنا، والمنصفون يدركون أن أكبر خطأ اقترفه المنتمون لتنظيم ما تطبيقه على واقع يختلف عن واقعه في المسببات والمعطيات والمآلات والأدوات والشخوص ومبادئ النضال، فالإخوان المسلمين مثلا في واقعهم وفي أدبياتهم وفي منهجهم لا يمكن أن يطبقوا أهدافهم ويحققوا طموحاتهم إن كانوا منصفين على واقعنا السعودي لأن ما يسعون لتطبيقه في مجتمعهم من تحكيم الإسلام ولو بطريقة بدعية هو متحقق في مجتمعنا ولله الحمد وبطريقة تخلو من البدع والتحريف، وما عانوا منه في تاريخهم من تأزيم ومطاردة وتضييق مع حكوماتهم لا نجده في واقعنا السعودي، وبالتالي فإنه من الظلم والغلو والتطرف أن تنطلق هذه الجماعة وتلك الجماعات المتطرفة التي نشأت من رحمها تحت مظلة الإسلام السياسي اعتمادا على اختلاف طرفي المعادلة في عدم الولاء والشرعية لهذه البلاد وولاة أمرها حفظهم الله إن كان القصد تمكين الإسلام ونصرة المسلمين وإظهار الشعائر والسنن، ولذلك حينما ضاقت عليهم الأرض بما رحبت في بلادهم وواقعهم لم يجدوا لهم موئلا إلا هذه البلاد المباركة لأنهم مسلمون وتجب نصرتهم، وتم تمكينهم وتزكيتهم بادئ ذي بدء لأنه لم يظهر عداؤهم للدولة ولم ينصبوا الشراك في طريقها إلا فيما بعد، فتم اتخاذ اللازم والتحذير من فكرهم ولذلك لا يستدل أحدهم علينا بأن الدولة كانت ترعاهم وأن علماءها كانوا يزكون رموزهم المطاردة بسبب الجهل ابتداء بفكرهم وطموحاتهم وهكذا..

إن أكثر ما يؤلم أولئك المنصفين التبعية التي لا تليق بمفكرينا ولا دعاتنا ولا طلبة العلم لدينا ولا شبابنا إذ وضعوا أنفسهم تبعا لأفكار وافدة من الخارج وأبوا إلا يقودهم من هو أقل منهم علما وورعا وتقوى وتدينا وهم أهل القيادة والريادة والمنهج القويم في بلاد دستورها القرآن الكريم والسنة النبوية، كارثة حقيقة حينما يكون الولاء لمنهج الشيخ حسن البنا وسيد قطب والمودوي والندوي رحمهم الله مقابل البراء من سماحة الشيخ محمد ابن إبراهيم وأصحاب السماحة ابن باز وابن عثيمين وابن فوزان وغيرهم من علمائنا الذين يتابعهم طلاب العلم من خارج الحدود والسائرين على نهج السلف الصالح من أئمة الهدى والمبرئين من كل الشوائب نحسبهم والله حسيبنا وحسيبهم، وبعيدا عن شيطنة الناس والطعن في ولاء مخلوق وسبر أغوار إيمان البشر فإن من يمعن النظر ويمعن الفكر في واقعنا يجد أن الاختراق الحركي للإعلام ووسائله والتعليم بأصنافه قضية واقعية مهما حاولنا تجاهلها فلن نستطيع إن كنا نبحث عن علاج ناجع للفوضى الحركية التي تسعى للتوحش من خلال ميادين الدعوة ومنابر الدين على يد الحركية المتمرسة في المواجهات بالتلون والتقلب والتفسير والتأييد، حتى أصبحنا نشك فيمن هو الساذج ومن هو الحاذق.

ولذلك آلمني ما تم النص عليه من قبل عبدالغفار عزيز وهو المسؤول عن العلاقات الدولية في الجماعة الإسلامة بباكستان حينما قال إن المملكة العربية السعودية تتبنى فكر المودودي والندوي في برنامج حوار الحضارات الذي يعده ويقدمه الدكتور محمد السعيدي في الإذاعة الرسمية (am585)، وكان الحديث ليلة الاثنين 21-6-1435هـ عن الجماعة الإسلامية في باكستان على لسان ذلك المسؤول، وتساءلت من خلال ذلك الحديث الذي يمجد جماعة الإخوان المسلمين ورموزها، ماذا كان يعني عبدالغفار حينما قال إن المملكة تؤمن بفكر المودوي والندوي، وهل تتبنى المملكة كل من فازوا بجوائزها التي تقدمها للفكر والمعرفة، وهل هو محاكمة للقرار السامي الذي جرم الجماعات الإرهابية بما فيها الإخوان المسلمين.

إن الجامعة الإسلامية في باكستان فيما أعتقده سيأتي يوم ويصنفها المجتمع الدولي تحت منظمات الإرهاب المحظورة لأنها امتداد فكري ومنهجي لجماعة الإخوان المسلمين إذ ورد تعريفها في الموسوعة الحرة (ويكيبيديا): الجماعة الإسلامية (اُردو: جماعت إسلام) في باكستان جماعة إسلامية سنية تعمل في باكستان تتبنى المنهج السلمي، أسسها أبو الأعلي المودودي عام 1941م. وهي ذات فكر مشترك وتنتهج نفس نهج جماعة الإخوان المسلمين.» وأما أميرها سيد منور حسن فيقول حسب ما نشر في موقع السكينة التابع لوزارة الشؤون الإسلامية السعودية:» يقول منور حسن، زعيم الجماعة الحالي عن تنظيم القاعدة: «إنهم يجاهدون وهو بالفعل جهاد وقتال في سبيل الله. أنا أدعمهم وسأدعمهم بكل قطرة من دمي، سأدعم كل من يقاتل ضد أميركا فهي قوة معتدية»، ونصت السكينة أيضا أن علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين بدأت «عندما أنشأ المودودي الجماعة في أوائل الأربعينيات بباكستان، فالإخوان المسلمين نظروا إليها فوجدوا مبادئها وأهدافها وقانونها يتشابه مع أهدافهم ومبادئهم فعملوا على مساعدتها والتعاون فيما بينهم كفكر مشترك وأهداف واحدة غير أن المسميات مختلفة. ولم تنقطع صلة الإخوان بباكستان ولا بالجماعة الإسلامية فقد زارها الأستاذ محمد حامد أبو النصر المرشد العام للإخوان، كما زارها الأستاذ مصطفى مشهور، فقد كانت الجماعة تعقد المؤتمر التي كانت تدعو لها المرشد العام للإخوان المسلمين مع اختلاف الشخصيات. كما أن الدكتور أحمد العسال واحد من أبرز الإخوان بمصر الذين عملوا في نشر الفكرة الإسلامية وترسيخها بباكستان وتعاون مع الجماعة الإسلامية وقت أن كان مستشارا بجامعة حيدر أباد بباكستان». وأكثر ما يبين علاقتهم أيضا خبر منشور في وسائل الإعلام يفيد أن الجماعة الإسلامية تعقد اجتماعاً في ‏لاهور الباكستانية، ضم زعماء من الجماعة في العالم الإسلامي تحت عنوان «لا إنسانية بدون عدالة». وتطرق زعيم الجماعة الإسلامية في باكستان «منور حسن» في كلمته التي ألقاها بداية الاجتماع إلى الشأن المصري، قائلاً «بالرغم من المجازر في مصر إلا أن الإخوان المسلمين ضربوا مثلاً في المقاومة» ولفت حسن إلى أن إجراءات حظر جماعة الإخوان المسلمين الأخيرة في مصر، لن تجدي نفعاً، وأن الإخوان سيخرجون من الأزمة أكثر صلابة، بحسب تعبيره.

abnthani@hotmail.com

عميد الموهبة والإبداع والتميز البحثي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

مقالات أخرى للكاتب