Sunday 27/04/2014 Issue 15186 الأحد 27 جمادى الآخرة 1435 العدد
27-04-2014

اليد الواحدة لا تصفق 1 - 2

من حق المسؤول الناجح أن يشاد بجهوده، وأن تذكر مآثره وتشكر، وأن يعرف الانطباعات العامة عما حقق من نجاحات، ولا سيما في زمن قلت فيه النجاحات، وتلاشت فيه أوجه الإنجاز الفعلي البعيد عن بريق الادعاءات السرابية التي طغت على عقول بعض المسؤولين ووجداناتهم، والتي طالما داعبت خيال المستفيدين بعناوين براقة خادعة لم يجن منها سوى السراب الذي لا ينقطع، لذا آن الأوان أن تكون النجاحات نجاحات مؤسسات لا نجاحات أفراد.

لا ريب أن المنظومة الثقافية المتمثلة في الحياة المجتمعية في المجتمع السعودي - بصفة عامة - شهدت الكثير من التحولات، وهي تحولات حادة ومتسارعة، ويلحظ المتابع لها أنها - للأسف تحولات في الجملة - في الشكل والمظهر أكثر منها في المضمون، ففي الملبس حصل تغير وتحول، وفي موائد الأكل وعاداته ومكوناته، في المركب والمسكن، في العلاقات الاجتماعية، وفي صلة القربي والجيران، وكلها تحولات زادت من أعباء الحياة وكلفتها المالية على مستوى الأسرة والمجتمع بصفة عامة، فلا يخفى على المتابع أن جل الأسر تتسابق على التحلي بما يعد من مظاهر الحياة المتمدنة حتى وإن كانت الظروف المالية للأسرة لا تمكن رب الأسرة من توفير ذلك، هذا فضلا عن البون الشاسع بين المستوى الثقافي للأسرة وما تتزيا به من مظاهر لا تتوافق معها لا شكلا ولا مضمونا، فغدت حال الغالبية كحال الغراب الذي أعجبته مشية الحمامة فسعى لتقليدها، فلم يستطع، فضيع مشيته ومشية الحمامة.

قد يكون للمنظومة المشار إليها آنفا أهمية وقيمة، ولكن الأكثر أهمية، والأعلى قيمة، أن يشمل التحول والتغير العقلية المجتمعية نظراً لأهميتها في عمليات تسيير السلوك العام للجماعة، فالعقل الجمعي مازال يراوح مكانه في كثير من أوجه اهتمامه وأولوياته، مازال أسيرا تسيره مقولات متحجرة، وأفكار متخلفة، وممارسات فجة، بينما الواقع الحياتي المعاصر قطع مسافات بعيدة يتعذر اللحاق بها في مجال أوجه الاهتمام والفرص الحياتية الأكثر نفعا، والأجدى قيمة.

يذكر مؤلف كتاب « سر تقدم الإنكليز السكسونيين « إدمون ديمولان، ـ الطبعة الأولى المترجمة للكتاب صدرت عام 1899 م ـ، أدرك الفرنسيون أن الأنكليز السكسون تفوقوا عليهم في مجال الصناعة، فقرر المؤلف الفرنسي إدمون أن يسافر إلى انكلترة ليقف بنفسه على السر الذي مكنهم من هذا التفوق.

مكث هناك قرابة العام وتبين له أن السر في التربية، سواء في بعدها الأسري أو التعليمي، يقول: (إذا سألت مائة فرنساوي عقب خروجهم من المدرسة أي صنعة يريدون أن يشتغلوا بها، أجابك ثلاثة أرباعهم أنهم يتطلعون إلى التوظيف في الحكومة، فأغلبهم يطمع في الانتظام في الجندية أو القضاء أو النظارات أو المديريات أو المالية أو السفارات أو المصالح الأخرى، كمصلحة القناطر والجسور والمعادن والدخان والمياه والغابات والمعارف والمكاتب العمومية ودور المحفوظات وغيرها، ولا يميل إلى الصنائع الحرة في العادة منهم إلا الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بإحدى المصالح الميرية).

وتبين للمؤلف أن توجهات الشباب الإنكليز واهتماماتهم تختلف تماما عن الشباب الفرنساويين، فالشاب الإنكليزي يتجه باهتماماته وأولويات خياراته إلى الأعمال الحرة، والصنائع والأعمال المهنية، وتبين له أن هذا الاتجاه مدفوع من الأسرة أولاً، ومعزز من المدرسة ثانيا، يقول أحد مديري المدارس الإنكليزية: (إن غرضنا هو الوصول إلى تربية جميع الملكات الإنسانية على نسبة واحدة، إذ يجب أن يصير الطفل رجلاً كاملاً حتى يكون قادراً على الوصول إلى الغرض المقصود من الحياة، لذلك ينبغي ألا تكون المدرسة وسطاً صناعياً لا يخالط فيه الطالب الحياة إلا بالكتاب، بل ينبغي أن تكون وسطاً عملياً يقرب بين الطفل وبين طبيعة الأشياء وحقيقتها بقدر الإمكان، فلا يتعلم العلم وحده، بل يصطحب العلم بالعمل، إذ هما أمران يجب أن يكونا متلازمين في المدرسة كتلازمهما في الخارج، حتى إذا خرج الشاب في الحياة لا يخيل له أنه يدخل في عالم جديد لم يتأهب له). للحديث صلة.

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب