Monday 05/05/2014 Issue 15194 الأثنين 06 رجب 1435 العدد

محمد بن سلمان في موقعه الجديد

ناصر بن علي بن ناصر القطامي

في أول لقاء جمعني به، كانت كلماته محل إعجاب، وأفكاره محط تقدير، يتحدث بثقة، ويناقش بوعي، ويحاور بثقافة، متطلع للمعرفة، شغوف بالتميُّز، يُشعرك بأهميتك، ويتطلع لإثرائك، يحترم الرأي المخالف، لإيمانه بتعدد الثقافات، واختلاف التوجهات، ضمن منظومة الشرع الحنيف.. ذلكم هو أخي صاحب السمو الملكي الأمير: محمد بن سلمان بن عبد العزيز - رئيس ديوان سمو ولي العهد والمستشار الخاص -، الذي كان خبر تعيينه مؤخراً - وزير دولة وعضواً بمجلس الوزراء - حافزاً لي للبوح عن بعض ما رأيته ولمسته منه.

وسأتلمس في ثنايا هذه السطور طرفاً من جوانب تميُّز شخصيته - وفقه الله - حيث اكتسب من والده - حفظه الله - الشخصية العملية المنجزة، القادرة على احتواء المطالب المتنوعة للمراجعين، من سائر الأجناس، على تعدد الأصناف، واختلاف الحاجات.فحينما تقابله ترى على محياه حُب العمل، والتطلّع نحو الإنجاز، مع قدرته الرائعة على إدارة الوقت، إضافة إلى تركيزه على هدفه الذي يسعى لتحقيقه بأعلى مستويات الجودة.

ومن ذلك على سبيل المثال تنظيم الإجراءات الإدارية في ديوان سمو ولي العهد، وما يتعلق باستقبال المراجعين والزائرين.

وليس سراً أن شخصيته قد بهرت جُل الوفد المرافق لسمو ولي العهد بقدرته على الحزم في إدارة الوقت بفاعلية، وجودة المستوى التحضيري للاجتماعات الرسمية، واللقاءات المصاحبة، إبّان جولة سمو ولي العهد مؤخراً التي شملت جمهورية الهند وباكستان واليابان وجزر المالديف.

والمتأمل في مراحل تدرُّج هذه الشخصية سيلمس وُعورة التضاريس الإدارية التي عاش فيها (محمد بن سلمان) فكلها محطات لا تقبل أنصاف الناجحين، ولا شَطر المتعلمين، فابتداء بدراسته الأكاديمية في كلية القانون بجامعة الملك سعود بالرياض، التي تتطلب من كل دارس ذهناً متوقداً، وعقلاً نيراً، ثم انضمامه بعد تخرجه للعمل بهيئة الخبراء بمجلس الوزراء، التي هي بمثابة (المطبخ الحقيقي لإعداد وصناعة القرارات السامية بمجلس الوزراء) ثم مستشاراً خاصاً لسمو أمير منطقة الرياض، ثم مستشاراً ومشرفاً على المكتب والشئون الخاصة لسمو وزير الدفاع، ثم رئيساً لديوان ولي العهد ومستشاراً خاصاً لسموه.

حتى استقر به المقام وزير دولة وعضواً بمجلس الوزراء، إضافة إلى عمله.

كما تلمس جانباً مهماً في شخصية سمو الأمير محمد، وهو الاعتناء النموذجي بالأعمال الإنسانية، والتنمية المستدامة، وذلك ظاهر في ارتباط اسمه بكثير من الجمعيات الخيرية، والمبادرات الشبابية التي أطلقها.. ومنها: تأسيسه لمؤسسة الأمير محمد بن سلمان الخيرية «مسك الخيرية» التي يرأس مجلس إدارتها، والهادفة إلى دعم تطوير المشاريع الناشئة والتشجيع على الإبداع في المجتمع السعودي.

ورئاسته لمجلس إدارة مركز الأمير سلمان للشباب، الذي أُسّس بمبادرة من سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز من أجل تعزيز جهود المملكة في دعم الشباب وتحقيق طموحاتهم.

إضافة إلى عمله كنائب لرئيس جمعية الأمير سلمان للإسكان الخيري ومشرف على اللجنة التنفيذية للجمعية، والتي شُكلت من مجموعة من الأكاديميين وخبراء علم الاجتماع وأعيان المجتمع لتغطية احتياجات أصحاب الدخل المحدود.. كما أنه عضو في مجلس إدارة الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في منطقة الرياض.. وعضو بالمجلس التنسيقي الأعلى للجمعيات الخيرية في منطقة الرياض وغيرها من المؤسسات، والجمعيات الخيرية.

أيها القارئ الكريم:

إن شخصية (محمد بن سلمان) ترسم لك الامتداد السياسي، والتجذّر الإداري، والعُمق المعرفي، لشخصية (سلمان بن عبد العزيز) الذي تربّع على كرسي قصر الحكم في إمارة منطقة الرياض في عامه العشرين، وأمضى فيها خمسين عاماً، صنع منها - بتوفيق الله - مدينة حضارية تنافس كبريات العواصم العالمية، بسعَة أُفقه، وبُعد نظَره، وبسواعد أبنائه، وتكاتف إخوانه.

وهنا يحق لبلادنا أن تفخر بمنجزات شبابها، وعطاءات أبنائها، فالطموح ليس له عمرٌ، والإبداع ليس يحُده حد، والإنجاز ليس له سقف، فبلادنا وقيادتنا فتحت أذرعها لكثير من المنجزات الشبابية لدعمها واحتوائها، مما ساهم في علو كعب مراكزنا المحلية والعالمية، التي حصد فيها شبابنا وفتياتنا مواقع متقدمة نالوا فيها الصدارة، في مجالات متعددة.

وذلك عائد - إلى فضل الله أولاً وآخِراً - ثم إلى دعم ولاة أمر بلاد الحرمين، مرتوين في ذلك بمورد عذب الوحيين الشريفين، ومستظلين بواحة السراجين المطهرين، حيث يبرُز لك بجلاء هذا المعنى النبوي، والمنهج المحمّدي، حين بَعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن، وولاّه القضاء عليهم، فترة مُقامه فيهم، وهو بعدُ في مرحلة الشباب، وفي القوم من هو أسنُّ منه، في رسالة بارزة، ودِلالة واضحة، على ترسيخ هذا المفهوم التربوي، والخُلق المُصطفوي، لتأمير الشباب، ومنحهم المراتب العليّة، وتبوؤ المراكز القيادية، عبر زرع الثقة في نفوسهم، لبناء مجتمعهم، وصناعة مستقبلهم.ولك أن تقرأ ما بين الأسطر في هذا النص النبوي ليظهر لك هذا المعنى في سؤال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لمعاذ قبل مبعثه: «كيف تقضي بينهم؟».

فمنَحه ثقتَه! ولم يلقّنه! بل استنطقه عن منهجه الذي سيسلُكه في قضائه ودعوته؟

فإن أصاب شجّعه! وإن كانت الأخرى صوّبه!

ولذا جاء الجواب من معاذ رضي الله عنه: محققاً لما في نفس المعصوم صلى الله عليه وسلم (أَقْضِي بَيْنَهُمْ بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ قَالَ: «فإن لم يكن في كتاب الله؟». قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال:» فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟». قال أجتهد رأيي لا آلو - أي لا أقصر - قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري ثم قال: «الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله»). (1)

واليوم يعتلي الأمير محمد بن سلمان، منصة القرار، ليساهم برأي، ويشارك بفكر، ويطور بنضج، وليكون خير من يمثل شباب وطنه، تحت ظل قيادته.

أيها السادة والسيدات:

إن الذي لا يملك شيئاً يستحق الاحترام لن يلفت الأنظار، ولن يكون رقماً صعباً يتهاوى دونه ضِعاف الهمم، ولن يحفر اسمه على صخرة التاريخ، وإني لأحسب أن سموه بلغ ما بلغ بجد واجتهاد، وبذل وسعي ونشاط، جعل منه أنموذجاً يُحتذى، ومنارا يُقتدى.

ثم إنه من تمام العقل أن يُقال ليس أحدٌ يزعم لنفسه الكمال، أو يدّعي لذاته بلوغ التمام، والقصور - كما لا يخفى - من سمة البشر، ومن لا يعمل لا يُخطئ!.. والسُّفن آمن ما تكون في المرسى، ولكنها لم تصنع لذلك!

وبعد.. فبعيداً عن كل الألقاب التي يستحقها سموه.. أقول:

عرفتُ محمداً بقوته في الحق، وسعيه لنفع الخلق، وحبه وولائه لولاة أمره، وإجلاله لمشايخه وكبار علمائه، وغيرته على دينه.

وأذكّره - وهو أهل للذكرى - أن من أسباب دوام النعم شكرها، ومن شُكرها أن تسخر ما وهبك الله إياه، للذب عن دينك، وأمتك، وبلادك، وأن تصرف إمارتك التي أمّرك الله إياها لنهضة وطنك، وقضاء حوائج أبناء مجتمعك، والمقيمين على أرضك، والسعي لنصرة ضعيفهم، وإعفاف مُوعِزهم، فالرحمن جل جلاله يقول في كتابه {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} (2)

وقد قال زيد بن ثابت - رضي الله عنه - (نِعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقها وحلها، وبئس الشيء الإمارة لمن أخذها بغير حقها تكون عليه حسرةً يوم القيامة) (3)

فالتاج الذي حُلّيتَه زينته تقوى الله، ودوام الوسام الذي أُوتيتَه بمراقبة الله..

فسِر على بركة الله، محفوفاً بعناية الله، مصحوباً بتوفيق الله، مُحاطاً في عملك برضا الله.

ولك منا خالص الدعاء والاحترام، ومن الله العظيم الإعانة والتسديد على الدوام، وتقبَّل من أخيك عاطر التحية وأزكى السلام.

***

(1) أخرجه أحمد والدارمي وأبو داود والترمذي.

وضعفه جمع من أهل العلم، وصححه بعضهم كابن عبد البر وابن القيم.. وروي موقوفاً على عدد من الصحابة كعبد الله بن مسعود.

(2) آية 7 سورة إبراهيم.

(3) رواه الطبراني في المعجم الكبير 5/ 127، برقم: 4831. قال الهيثمي: رواه الطبراني عن شيخه: حفص بن عمر بن الصباح الرقي، وثّقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد 5/ 363، برقم: 9020.

أكاديمي - المدير العام لمجموعة آيات لعلوم القرآن الكريم - إمام جامع سمو الأميرة لطيفة بنت سلطان بن عبد العزيز - عضو الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.