Friday 09/05/2014 Issue 15198 الجمعة 10 رجب 1435 العدد
09-05-2014

ورحل المؤرخ أحمد الدامغ

كنت قد كتبت عن منطقة سدير عدة مقالات ذات طابع تاريخي مما جعل الأستاذ أحمد الدامغ يعقب على بعض ما ورد فيها من معلومات، وكان رده لطيفاً رقيقاً متضمناً ثناءه على أسرتي، مما سرني واستثار مشاعري، فكتبت مقالاً أشيد بأسلوبه المهذب الراقي، فاتصل معلقاً وداعياً لي بزيارة مكتبته، ووجدت من المروءة أن أستجيب لدعوته وهو في مقام والدي، وكان الموعد عند المسجد القريب من منزله، وبعد انقضاء الصلاة خرج رجل مهيباً بسحنته، متواضعاً بمشيته وقد جاوز الثمانين، وحينما عرّفته باسمي انفرجت أساريره وأبدى سروراً وذهبنا سوياً لمكتبته التي تحوي ألفاً وسبعمائة ديوان، واثني عشر ألف كتاب.

وقد بدا الأديب سعيداً وهو يعرض المخطوطات الثمينة ويعلّق على بعض كتبه في الأدب والتاريخ والشعر، وأهداني من بعضها نسخاً.. وحينما حضر أولاده وجدوا والدهم مع امرأة فاندهشوا، إلى أن دعاهم وهو يقول هذه بنت عمكم (هويرينة)!.

سلّم عليّ الأبناء والأحفاد ودعوني لتناول القهوة ولكنني اعتذرت لهم شاكرة حسن استقبالهم مثنية على دماثة خلق والدهم.. وحينما هممت بالمغادرة والسعادة تملأ جوانحي؛ طلب مني وعداً بمعاودة الزيارة والحديث حول الأدب والتاريخ والتراث، إلا أنني أخلّيت بوعدي له وقد غرتني الدنيا بطول أيامها وتسلسل لياليها، حتى فجعت يوم السبت الماضي بتغييب الموت للأستاذ أحمد!.

وبفقده خسر الوطن علماً تاريخياً وشاعراً مطبوعاً وأديباً من الرواد، حيث ألف ما يزيد عن ستين كتاباً في كافة صنوف الأدب والتاريخ والشعر، ويعد أحد الرجال من الجيل العظيم الذي بنى نفسه معتمداً بعد الله على ذاته متحدياً مصاعب الحياة وشظف العيش والجميل أن كتبه تحمل نكهة النوادر في مجالها، ولعل كتابه عن (عبير الأدب الشعبي في وادي سدير) من أجمل الكتب في هذا المجال، كما أنه ألف كتاب (الأدب المثمن) وهو عبارة عن ستة عشر جزءاً، وقد جعل لكل موضوع ثمانية أبيات، فأصبح أدباً مثمّناً لكل موضوع ثمانية أبيات على قافية واحدة، كما أن لديه ديواناً في الشعر الفصيح بعنوان: (الواقع) وديواناً آخر بعنوان (جد وهزل) وهما للأسف مخطوطان ولم يطبعا!.

ولم ينشغل (أبو عبد الله) بالكتابة والبحث والتأليف فحسب، بل عمل -بعد حصوله على الكفاءة المتوسطة- مدرّساً عام 1375هـ في الخطامة، ثم ارتحل إلى الرياض، واشتغل في مدرسة الأهلية أو التذكارية ثم انتقل للعمل في وزارة التجارة وترقى فيها إلى أن وصل إلى مدير الخدمات بوزارة التجارة، حتى أحيل للتقاعد.

ولئن بكاه أولاده وأهله ومحبوه، فإني أبكيه كما تبكيه مكتبته التي منحها فكره وعقله ووقته، والعزاء لأسرته ولي ولمحبيه وللوطن!.

rogaia143@hotmail.com

Twitter @rogaia_hwoiriny

مقالات أخرى للكاتب