Wednesday 14/05/2014 Issue 15203 الاربعاء 15 رجب 1435 العدد
14-05-2014

من الملاحقات الأمنية إلى الضربات الاستباقية

في العام 1995م، أطل شيطان الإرهاب برأسه في تفجير مروع وقع بحي العليا بالرياض، فكان جريمة غدر وعمل جبان استنكره العالم أجمع، كما شكّل صدمة على المستويين الشعبي والرسمي، فلم يعهد الإنسان السعودي مثل هذه الأعمال، التي كانت ترتكب في بلدان أخرى ويشاهد أخبارها في وسائل الإعلام،

غير أنه لم يفق من صدمته، ويشعر بأن وطنه مستهدف وحياته في خطر، إلا بذلك الانفجار الضخم والعمل الإرهابي، الذي وقع في مدينة الخبر على الساحل الشرقي العام 1996م، ما يعني أن المملكة بقيادتها وحكومتها وشعبها تواجه وضعاً جديداً، وحرباً غير طبيعية مع عدو غير واضح المعالم، في دولة شهد لها العالم بالطمأنينة والأمن والسلام المجتمعي، فضلاً عن أنها قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم، وتتمتع بموقع استراتيجي مهم، وثقل سياسي معروف، ووضع اقتصادي مريح، ما يجعلها محط أنظار الجميع، ومتعلق قلوبهم في السكنى بها والعمل في أرجائها.

لكل هذه الخصائص وبحكم حوادث الإرهاب، كانت المملكة تحت المتابعة العالمية لكل الإجراءات، التي سوف تتخذها حكومتها ممثلة بوزارة الداخلية في معالجة هذا الوضع الجديد، والطريقة التي سوف ُتدير بها معركتها مع الإرهاب، كونها الجهة المسؤولة عن الجبهة الداخلية، واستقرار الأمن، وحماية الأرواح، وحفظ الممتلكات العامة والخاصة والمكتسبات الوطنية، خاصة ً أن هذا الإرهاب الشيطاني قد كشف عن نفسه بشكل سافر في (تنظيم القاعدة) وأذياله داخل المملكة، بسلسلة التفجيرات الإجرامية التي نفذها في مجمعي الحمراء وغرناطة السكنيين بالرياض العام 2002م، ثم في مجمع المحيا السكني العام 2003م، ثم العمل الإجرامي، الذي فضح تنظيم القاعدة وباطل شعاراته، بتفجير مبنى الأمن العام 2004م، حيث كانت شعاراته الباطلة تدعو لإخراج الأمريكان من جزيرة العرب. وبذلك التفجير أعلن أن الدماء، سواءً مؤمنة أو معاهدة ليست معصومة وفق فكره الضال، الذي يُملي على أعضائه القيام بالأعمال الإرهابية. كما أعتقد أنه بذلك التفجير في أحد معاقل أمننا قد نجح في توجيه ضربته لوزارة الداخلية، التي تلاحق أتباعه وتجتث جذوره، وتحمي المواطنين والمقيمين والممتلكات من شرور أعماله.

غير أن الواقع كشف عن معركة احترافية نفذتها أجهزتنا الأمنية الباسلة، ففي زمن قياسي استطاعت وزارة الداخلية بقيادة وزيرها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز (رحمه الله)، وإدارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية آنذاك، القضاء على بؤر الإرهاب، وتجفيف كل الينابيع المالية والدعم، التي تغذي أفعاله، ومحاصرة الفكر الذي ينسج أفكاره الضالة. وبهذا عملت أجهزتنا الأمنية الباسلة من خلال محورين، الأول أمني بملاحقة الإرهاب والتضييق عليه وضربه في مفاصله، والآخر فكري بمحاصرة فكره وكشف زيف مستنداته وتأويلاته، من خلال تأكيد الفهم الصحيح للنصوص الشرعية والفتاوى الدينية التي أجمعت عليها الأمة.

هذا العمل الجبار من قبل وزارة الداخلية في القضاء على الإرهاب بزمن قياسي، رغم فشل كثير من الدول في ذلك، لم يقف عند الملاحقات الأمنية لهذا البلاء، الذي يعانيه العالم في مناطق الصراع والاضطرابات أو الدول ذات الجبهات الداخلية الهشة، بل نجحت الأجهزة الأمنية السعودية في قلب طاولة المعركة، بتلك الضربات الاستباقية لبؤر التنظيمات الإرهابية وإفشال مخططاتها الإجرامية - ولله الحمد - قبل أن تتحول إلى أعمال حقيقية.

ولعل آخر إنجازات مجاهدينا من رجال الأمن في ضرب تنظيمات الإرهاب ما صرح به المتحدث الأمني لوزارة الداخلية قبل أيام عن إحباط مخطط إرهابي كان يستهدف بشكل مباشر أمن الوطن واستقراره، ومقدراته، بمحاولات استهداف منشآت حكومية، ومصالح أجنبية، واغتيالات لرجال أمن، ومسئولين حكوميين، وشخصيات تعمل في مجال الدعوة.

ذلك المخطط المرتبط بتنظيم إرهابي يتواصل عناصره في اليمن مع قرنائهم من أعضاء التنظيمات الضالة في سوريا وبتنسيق شامل مع عناصر ضالة داخل الوطن في عدد من مناطق المملكة، وقد ألقي القبض على خلايا التنظيم وعددها (62) متورطاً، كما تم ضبط معمل تصنيع الدوائر الإلكترونية المتقدمة، التي تستخدم في التفجيرات وعمل التشويش، وتحوير أجهزة الهواتف المحمولة، إضافة إلى ضبط تجهيزات تستخدم لتزوير الوثائق والمستندات، كما تم الكشف عن خلية التمويل لهذا التنظيم،وغير ذلك من إنجازات هذه الضربة الاستباقية، التي تثبت مدى جاهزية أجهزتنا الأمنية، ليس في ملاحقة تنظيمات الإرهاب أو صد أعمالها، إنما في توجيه الضربات الاستباقية لها قبل أن تتنفس شياطينها، وهي الوقاية الأمنية التي ننعم بها بفضل لله ثم بجهود رجال الأمن المجاهدين.

moh.alkanaan555@gmail.com

تويتر @moh_alkanaan

مقالات أخرى للكاتب