Wednesday 21/05/2014 Issue 15210 الاربعاء 22 رجب 1435 العدد

36 ألف طائرة .. و57 مليون موظف يخدمون 3 مليارات مسافر سنوياً

حين ينام العالم .. وحدها المطارات تبقى مستيقظة

الرياض - أسامة الزيني:

تفاجأت حال طلب قائد الطائرة ربط الأحزمة، استعداداً للهبوط في مطار الملك خالد بالرياض بأنني لم أقرأ سوى صفحات محدودة من رواية غابرييل غارثيا ماركيز التي وقع عليها اختياري لتكون رفيق الرحلة.

رحلة الليل التي كان موعد انطلاقها قرب منتصف الليل من مطار القاهرة، أوهمتني بأن العالم بأسره سيكون نائماً، ما عداي أنا وركاب رحلتي، لكن ما إن وصلت إلى مرافق المطار مخلفاً ورائي شوارع القاهرة وكانت تتأهب للنوم، حتى اكتشفت أن المطارات لا تنام، المطارات ذلك العالم النشط المتجدد الذي يغيّر دماءه كل خمس دقائق بالإعلان عن موعد وصول رحلة أو إقلاع أخرى، من دون اعتبار لليل أو نهار، مصحوباً بمقطوعة موسيقية أو أغنية شهيرة لدى أهل الوجهة المعلن عن رحلتها، حتى يضبطوا رقص أقدامهم على إيقاعها.

ما يربو على ثلاثة مليارات عابر لأجواء العالم كل عام، أفواج تتدفق في طريقها إلى مرافق المطارات، وأخرى تبتلعها الطائرات المتأهبة للتحليق بها في طريقها إلى جوف سماء ليل دامس الظلام، إلا من أضواء نوافذ الطائرات يطل منها الظلام على دبيب الحياة داخل تلك الصناديق الطائرة التي تطلقها 240 شركة طيران حول العالم قرر ملاّكها الطموحون التخلي عن طائرات الطفولة الورقية، واستبدالها بطائرات حقيقية تغطي سماء العالم بنمو مطرد يتوقع أن يتجاوز بحلول عام 2032م نحو 36 ألف طائرة، ينفق على شرائها لاعبو الماضي الذين أصبحوا كباراً 4.5 تريليون دولار.

ندامى ليل السماء النشطين من حولي في الطائرة تلبّستهم حالة المطارات، وفقدوا شعورهم بالليل الذي تسبح فيه الصناديق السابحة بين مطارات العالم، يقوم على خدمة الجالسين فيها نحو 57 مليون موظف يتناوبون على حراسة مقاعد ساهرة للأبد.. شغفت طوال الرحلة التي بدأتها بكأس قهوة الإسبريسو المنبهة، بتفرُّس وجوه البشر المتدرجة الألوان من الأبيض الألبينو حتى الأسود الداكن، الإصغاء إلى الرطانات، عادات الناس بين مستغرق في حاسوبه الشخصي أو هاتفه النقال أو مشغول طوال الوقت بالاطمئنان على هويته وتذكرته أو برنامج رحلته السياحية، وصور معالم البلد الذي أتى منه بمشاهد جديدة ما زالت طازجة في الذاكرة، أو صور معالم هذا البلد التي لا يفصله عن التجول بينها واستنشاق عبقها سوى ساعات، على حين لا يتوقف بعضهم عن معاودة تفقُّد أوراق في حافظات نقودهم وتأمُّلها بين حين وحين، بين رشفة وأخرى من كوب إسبريسو أو شراب شعير، كلها ذات نكهة لا تخلو من بعض مرارة، ربما صور لأطفالهم، أو زوجاتهم أو أمهاتهم، ربما خطابات كتبت قبل الرحيل بساعات ودسّها أحدهم في أيديهم، ربما عملات بلادهم التي لا يعرفون متى يستطيعون استخدامها أو حتى رؤيتها مرة أخرى، ربما شرائح هواتفهم المحلية التي لا يعرفون إن كانت ستبقى صالحة للاستخدام بعد عودة قد تتأخر عاماً وربما أعواماً.

تفرّست أولئك القلقين من رحلة الطيران الأولى، وتبادلت الملل مع أولئك الذين أمضوا بين المطارات شطراً من أعمارهم حتى استوى لديهم الذهاب والإياب، تفرّست في وجوه الناس ألف كتاب وكتاب، حتى أعلن قائد الرحلة عن اقتراب عجلات الطائرة من ملامسة مدرج المطار، ولم أزل محتجزاً بسبابتي أول صفحة في الكتاب.