Thursday 22/05/2014 Issue 15211 الخميس 23 رجب 1435 العدد
22-05-2014

لماذا يهرب المستقبل؟!

قرر الطالب المصري عبدالله عاصم (17 عاماً)، البقاء في الولايات المتحدة الأميركية، بعد انتهاء تمثيله لمصر في مسابقة العلوم في أبريل الماضي، التي نظمتها شركة إنتل في كاليفورنيا، وذلك خشية الاعتقال مرة أخرى، بسبب آرائه السياسية، وكان طالب المرحلة الثانوية قد شارك في المسابقة باختراع وصفه الكثيرون بأنه «مذهل»، هو عبارة عن نظارة طبية تمكن مرضى الشلل الرباعي، من استخدام الحاسب الآلي بمجرد النظر، ويستطيع المصاب بالشلل أن يفتح أي ملف من خلال حركة العين على شاشة الكمبيوتر.

ترمز هذه القصة لتاريخ بيئة عربية طاردة للمستقبل، أبطالها ملايين المهاجرين العرب من أوطانهم، والذي قرروا الهروب إلى الغرب من أجل حياة أفضل، بسبب الصراع السياسي أو لأسباب اقتصادية واجتماعية، وقد عانت الشعوب العربية الأمرّين من الصراعات السياسة منذ الحرب العالمية الأولى، ولازالت تعيش في كوابيس بسبب العنف والتسلط، وقد اعتقد البعض أن الربيع العربي فيه الخلاص من تلك الحقبة لكن الأيام أثبتت غير ذلك، وأن الأيام القادمة حافلة بالصراع الدموي بين القوى المتضادة.

ما يجري في العالم العربي هو صراع مرير على السلطة، ربما لن ينتهي في القريب، وقد يكون ثمن نهايته دماء وخراب لا حصر له، وتبدو الصورة المستقبلية أقرب لمشاهد الحرب الدائرة في سوريا بين الحرس القديم و الثوار الجدد، ويظهر أن الحرب الأهلية أصبحت في التاريخ الإنساني بمثابة ثمن الخروج الوحيد من عصور الاستبداد، وقد عانت دول أوروبا وأمريكا الشماليه من الحروب الأهلية، وخرجوا بعد عقود أمم متصالحة، وتحكمها الأنظمة الحديثة، وملجأ للمبدعين من شتى بقاع الأرض.

يحتاج الإبداع إلى بيئة هواؤها الحرية المسؤوله، وحراسها القانون والأمن، ويحتاج المستقبل إلى أمن وسلام حتى لا يهرب من الأرض العربية، وأن لا نقصي المواطنين بسبب آرائهم، أو بسبب أنهم يحملون فكراً مختلفاً عن الغالبية، وبمعنى آخر لا يصح أن تفرض الأغلبية أفكارها على الأقليات، أو تلزمهم بالصمت والخنوع، والعكس صحيح، لأن الأوطان تتسع لمختلف الآراء، ويوجد في السماء مليارات النجوم وتتسع لأضعاف ذلك الرقم، لذلك يجب أن لا تكون للنجومية والإبداع وظائف محدوده، أو مرهونة بالرأي والميول السياسية.

قد يكون من السهل أن نطلق الأمثال أو ننسج النظريات عن البيئة السليمة لإطلاق المبدعين، لكن ذلك قد لا ينطبق على الواقع العربي، والذي لا يزال يمر في سكرة التمسك بالسلطة التي لا تعترف بالآخر، وقد ينجح الأمن في تحقيق بعض الأهداف، لكن ذلك لا يكفي لخلق مناخ طبيعي للمواطن، وستعود الصراعات من جديد في حال تراخت قبضة الأمن أو تغيرت الأحوال السياسية، ولا بديل عن قبول الآخر والتعايش في وطن واحد بدون تفرقة.

يشعر المهاجر العربي بالألم عندما يقرر الرحيل عن أرض أجداده، بسبب ما يحدث على بعض الأراضي العربيه من صراعات دامية، وأعرف أن الأماني لن تجلب السلام للأرض العربية، ولكن ما أخاف منه أن تكون الحروب الأهلية الحل الوحيد للخروج من أزمة الصراع حول السلطة، وأن يكون ثمن عودة المستقبل موت مئات الآلاف من العرب، وهل يصح أن يكون الحوار من خلال طلقات الرصاص وفوهات المدافع من أجل نزع الأفكار الجامدة من جذورها، أو الوصول إلى نقطة التقاء.

أخيراً هل يستطيع السياسيون العرب أن يصلوا إلى قناعة أن خيار الحرب الأهلية باهظ الثمن، ويؤدي إلى البؤس والدمار والهلاك للجميع، كما قال الشاعر العربي، «وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المُبجّم، متى تبعثوها تبعثوها ذميمة، وتضرم إذا ضريتموها فتضرم، فتعركم عرك الرحى بخصالها، وتلقى احتشافاً ثم تحمل فتدأم.

مقالات أخرى للكاتب