Friday 23/05/2014 Issue 15212 الجمعة 24 رجب 1435 العدد
23-05-2014

البصمة

البصمة والبصمات، لقد وعدت القارئ الكريم، بالحديث عن البصمة وهذا الوعد مني، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، فأستغفر الله وأقول:

خلق الله البشر على وجه هذه الأرض: تختلف ألسنتهم وألوانهم، ولكنهم يتفقون في الخلقة والأجزاء التي تتركب منها أجسامهم، واختلاف طبائعهم:

وقد جعلهم الله سبحانه شعوباً وقبائل ليتعارفوا، ويتواصلوا، ولكن الكرامة والفضل، بالتقوى وحسن الإتباع لدين الله الحق: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (13) سورة الحجرات الآية 13.

ولقد كانت الفراسة عند العرب، ضرباً من معرفة الناس، وتمييزهم فيعرفوا الرجل من المرأة بالأثر والمشي، ويميزون الأشخاص، بآثار أقدامهم كأنهم يعرفونهم بوجوههم، وهذا ضرب من الفراسة ولذا سمي الواحد مرّي نسبة إلى قبيلة المرّة.. وقد اصطلحوا على تسمية الهاتف المحمول بالمرّي، لأنّ حامله يلاحقه المتصلون أينما كان.

والوجهُ، وهو أكرم شيء في جسم الإنسان، حيث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضربه أو تقبيحه وحتى بالنسبة للحيوان، فقد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما رأى حيواناً قد وسم في وجهه ولعن من فعل هذا.

هذا الوجه الذي كرّمته تعاليم الإسلام، هو موطن التعارف وهو العلامة البارزة التي تُميز أحداً حالة قوم جلوس وهم مغطاة وجوههم.. والله قد أخبر عن حالة الناس يوم القيامة بوجوههم، فقال سبحانه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)} سورة القيامة 22-25 ، ولم أجد في بعض المعاجم القديمة كلمة البصمة وإنما جاءت في المعاجم الجديدة، فلقد كانت مادتها قديمة.

ولقد كانت الفراسة عند العرب، تبين بالوجه، هذا الوجه الذي كرّمته تعاليم الإسلام، وهو العلامة البارزة، فبموجبه يعرف الناس بعضهم بعضاً إذ يصعب أن يتميز إنسان عن الآخر، وخاصة عند تغطية الوجه، أو اختلفت الملابس، ولذا فإنّ من به ريبة، أو يريد أن يتخفّى، ولا يريد أن يُعرف فإنه يعمد إلى تغطية الوجه، وهذا الوجه الذي هو موطن الجمال من الإنسان، حتى أن من أراد الزواج شرع له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينظر إلى وجه من يريد الزواج منها، لأنه موطن القبح والجمال من المرأة، فلعله يدخلها في القلب.

هذا الوجه من الإنسان هو الذي تظهر به السمات المميزة، وعليه تبرز سماتُ الفرح أو الحزن بما يرتسم على تقاطيعه، أو يشع في جنباته، وبه أيضاً يُعرف عمر الإنسان ومقدار ما أخذت منه الأيام، إن قدرة الله جلّ وعلا تبرز في كمال صنعة الوجه، موطن التعارف في الإنسان: ذكراً أو أنثى، وقد جعل الله فيه مزايا كثيرة، إذ هو في أعلى الجسم وبه جميع الحواس، مع صفات عديدة «دقة في الصنع» مع نظارة في التقطيع وملامح تميّز هذا عن ذاك، مع كثرة وجوه البشر التي ترتفع إلى الملايين ومع هذا فلا يختلط وجه بوجه، إلا بحالات دقيقة، تبرز بالبصمة، وينمي معها مقولة الناس: يأتي من الشبه خمسين، ولذا فإنّ البصمة التي أُدخلت منذ فترة ألفت المقولة الآنفة.

فتحقيق الشبه ببعض، بدأت تتلاشى مع اعتماد البصمة لدقتها، فلا خطأ يحصل بالبصمات، رغم التشابه، فصاروا يتخذونها بدل التابعية وفي الانتخابات وفي الأمور المهمة.

ومع التزام المرأة المسلمة بالحجاب الشرعي في المملكة العربية السعودية، وفي المحاكم والحقوق والبيع والشراء، وغير ذلك من حيث مشاركة المرأة في كثير من جوانب الحياة دُرس هذا الموضوع، حيث المرأة كان يطلب منها معرّفين لها وعلى مسئوليتهم، وأنها فلانة بنت فلان، فقد صدر توجيه لوزارة العدل بعد الدراسة المستفيضة بالاستغناء عن المعرّفين بما هو أدق وأكثر إيجابية: بدلاً من المعرّفين والشهود فيجب اعتماد البصمة لإثبات السعوديات في المحاكم الشرعية، وما يتبع ذلك من حقوق للمرأة في المحاكم وغيرها، ويشمل ذلك النساء الملتزمات بالحجاب الشرعي المسلمات ويطبق هذا على من يحملن البطاقة الوطنية.. حيث دُرس الموضوع من جميع الجوانب وقد نُشر التعميم للعمل بموجبه، مع الحيثيات مطولاً في الصحف اليومية، بعدما أقرت وزارة العدل التعميم على المحاكم لبدء اعتماد تنفيذ نظام البصمة للنساء بالتعاون مع وزارة الداخلية، التي أنهت بدورها الربط الإلكتروني للتحقق من البصمة المسجلة في هوية المرأة.. إلى غير ذلك من الأمور المكملة لهذا التنظيم (تنظر جريدة الشرق الأوسط ص 24 محليات يوم الاثنين 5-5-2014م) العدد (12942).. وغيرها من الصحف في ذلك اليوم.

وفي هذا تنظيم للمرأة المسلمة، التزاماً بالحجاب الشرعي وعدم الإضرار بها أو إحراجها أو ضياع حقوقها، والباحثون في علم الأجناس، والمختصّون، في أعمال المرأة وفي الجريمة، والأحوال الشخصية، تبرز أمامهم هذه الحكمة الإلهية، أكثر أكثر، كما برزت لهم هذه الحكمة الربانية المنظمة لحياة البشر وضمان عدم ضياع حقوقهم، وتيسيراً على القضاة في المحاكم.

والباحثون في علم الأجناس، والمختصون في الأحوال الشخصية تبرز أمامهم المفارقات في الوجه شكلاً وطولاً وعرضاً وأشياء أخرى من شخص لشخص، وغير هذا من أمور كان يعاني الرجل والمرأة على حدّ سواء.. وهي في البصمة التي جاءت في القرآن الكريم باسم: (البنان) كما في الآية الكريمة التي جاءت في موطن الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، جاءت هذه الآية للحكمة التي أحاطت بكل شيء، فجاءت الدلالة على البصمة في سورة القيامة فأعجزت المشركين المعاندين، وهي من الأمور الكثيرة والكثيرة في عالم حجج المشركين الذين قالوا ما قالوا للصدّ عن الرسالة، وتكذيب دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيان أنّ ما جاء به فهو من الله وفوق طاقة البشر، فيقول سبحانه:

{أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} الآيتان 3، 4.

والنفوس البشرية تبحث عن شيء يريحها ويضمن عدم ضياع الحقوق بين الناس، والقضاء على الجريمة مع كثرتها وتنوّع مداخلها، ورؤي استبدال مداخل الجريمة أو المتحايلين على الأنظمة، فكان الحلّ في تعاليم الإسلام التي عمل بها الأولون وما كان في كتاب الله، الذي جاء فيه الحلّ لكلّ معضلة، والقضاء على أبواب الشر بإغلاق مداخلها.

ووجدوا ذلك في القرآن الكريم الذي فيه تيسير كل معسر، وبه تنفتح مغاليق الأمور، ووجدوا فيه آية كريمة فيها القناعة، وفيها إعانة في القضاء على الجريمة وفي حفظ الحقوق في آية تنزلت في مبدأ الرسالة ورسول الله في مكة، وقبل هجرته للمدينة المنورة، وتحفّظ بها الإنسان، إنها آية صغيرة في حجمها كبيرة في دلالتها وأثرها الاجتماعي، وقد مر بها المفسرون واختلفوا في الوصول إلى المغزى، وتطبيقه على الحكمة والدلالة.

إنها آية في الردّ على المشركين في شبهاتهم التي يطرحونها أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول سبحانه في سورة القيامة:

{أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} الآيتان من سورة القيامة 3، 4.

إنها معجزة في البنان الذي هو أقرب للإنسان من كل شيء، فقد كتب الكاتبون، وحلل المحللون هذا اللغز الذي هو موجود في كل إنسان، ولا يشتبه فيه، اثنان، قال صاحب الظلال عن البصمة وهي البنان في قوله تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} (4) سورة القيامة، والبنان أطراف الأصابع والنص يؤكد عملية جمع العظام، بما هو أدقّ وأرقى من معجزة جمع العظام، تسوية البنان، وتركيبه في موضعه كما كان، وفي هذا كناية عن إعادة التكوين الإنساني بأدق ما فيه .. إلى آخر ما قال.

وقد سألت أحد الأطباء المتخصصين في بشرة وجلود الإنسان: هل لو احترقت أنامل إنسان. وعولج هذا الإنسان وجاء جلد جديد هل تضيع البصمة ؟.

إنها كما قال: تعود البصمة كما كانت البصمة قبل الاحتراق.. وهذا بقدرة العزيز سبحانه.

ولذا نراهم يعتمدون في المحاكم وفي الأحكام وفي الانتخابات وغيرها ولا يسألون هل حصل احتراق في الأصابع فسبحان الخالق.

mshuwaier@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب