Friday 23/05/2014 Issue 15212 الجمعة 24 رجب 1435 العدد

كتاب جديد: رسول الله وخاتم النبيين: دين ودولة

تقريظ

معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي

للأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن إبراهيم بن سليمان العُمري

أخونا وصديقنا: الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن إبراهيم العُمري شخص متعدد المواهب حباه الله بأشياء كثيرة منها العلم الذي وصل به إلى رتبة (أستاذ في الجامعة) ومنها المكانة التي أهلته لأن يكون عضواً في المجلس البلدي لمنطقة الرياض مع أن إقامته الأولى كانت في بريدة.

وأما العلم فإنه لم يأت إليه من بعيد فهو من أسرة عمرية علمية عرفنا منها سلسلة من طلبة العلم والأدباء مثل والده الشيخ إبراهيم بن سليمان العُمري الذي كان مدير مدرسة ابتدائية، وكان تلميذاً من تلاميذ معاصريه من المشايخ آل سليم، وهو من تلاميذ الشيخ محمد بن صالح آل سليم رئيس هئية التمييز في مكة -رحمه الله-.

وجده سليمان بن محمد العُمري شيخ قرأ على الشيخ العلامة عمر بن محمد بن سليم، ووالد جده هو محمد بن سليمان بن مبارك العُمري وهو مثله طالب علم في وقته، والده وهو سليمان بن مبارك طالب علم، وثري من الأثرياء الذين كانوا يداينون الناس في بريدة، وقد نقلت في (معجم أسر بريدة) عشرات الوثائق المتعلقة بذلك.

عندما قرأت كتاب الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن إبراهيم العُمري في السيرة النبوية وما يستفاد منه خيل إليّ أَنني قد عرفت بعض ما ذكره الدكتور العُمري لأول مرة، فكأنه غاص على تلك المعاني والحكم الموجودة في السيرة النبوية الشريفة فأبرزها للناس بعد أن لم تكن بارزة.

وقد عرفت ذلك من نفسي لنفسي فأنا لست غريباً على قراءة السيرة النبوية العطرة، فقد قرأت سيرة ابن هشام منها، وتتبعت بالذكر ما تكلم به العلماء على أول مؤلف مشهور في السيرة النبوية وهو محمد بن إسحاق الذي أخذ منه ابن هشام السيرة التي بين أيدي الناس في الوقت الحاضر.

وقد سمعت -إلى ذلك- السيرة سماعاً من قرأة أحد المشايخ على شيخنا الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد في جامع بريدة أثناء الطلب، وسمعت تعليقات شيخنا العلامة عليها رحمه الله وجزاه عنا خيراً.. ومع ذلك فإن الدكتور العُمري -أثابه الله- قد عرض السيرة وأبرز ما فيها من حكم وقواعد للمعاملة والأخلاق وصفات من صفات المصطفى المختار نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم بما لم أجد له مثيلاً في كتب السيرة الأخرى التي اطلعت عليها.

قال المؤلف الكريم في مقدمة الكتاب من بين ما قاله:

أعترف بأن المؤلفات في السيرة النبوية كثيرة، والجهود عظيمة، وما صدر منها في أزمان مختلفة جَلَّ أن يُحصى، وفضلها كبير، وقد غُطيت السيرة إجمالاً دروساً وأدباً وعلماً، شارك في ذلك جميع من كتب وألف فيها، حيث جرى تحبيبها إلى الناس وعرضها بأساليب مختلفة ولغات متعددة ومستويات شتى.

ومع اعترافي وشكري ودعائي لكل هؤلاء السابقين لي -في مجال السيرة- فقد أردت أن أنضم إلى صفوفهم، لعلّي أجد لي فيها موضع قدمٍ كمن يقف خلف إمامه في الصلاة (إمام المرسلين صلى الله عليه وسلم).

ورأيت أن الكتابة في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم تحقق سعادةً آمل منها أن أكون ضمن تلك الصفوف الطويلة خلف المصطفى صلى الله عليه وسلم، لعلي أنال بها شفاعته وأحظى بلقائه وإني لأرجو من الله ذلك.

قال الدكتور العُمري:

ومما يلفت النظر عند مطالعة السيرة النبوية أو الكتابة فيها أنها تؤدي إلى محبته صلى الله عليه وسلم، في كل أحواله وأعماله حتى في شكله الظاهر، فأنت حينما تقرأ أوصافه وهيئته صلى الله عليه وسلم تشعر بالحب يتضاعف في قلبك، وبالروح الإيمانية تزداد قوة ويقيناً، وتجد سيرته قريبة من الإنسان سهلة التناول والتطبيق يستطيع أن يقتدي بها كل الناس، فهي ليست خاصة بفئة معينة أو قوم دون آخرين أو طبقة محددة من طبقات المجتمع.

إلى أن قال:

وقد فصَّلتُ في أحوال العالم المعاصر للنبي صلى الله عليه وسلم، وتحدثت عن أحوال العهد المكي بجميع أحداثه ووقائعه، وكذلك المرحلة المدنية من السيرة بحوادثها المختلفة مدنيها وعسكريها، وتطرقت للنظم الإسلامية في العصر النبوي، وتأسيسه صلى الله عليه وسلم لدولة الإسلام، والقيم التنموية والمدنية التي بثها في المجتمع البشري صلى الله عليه وسلم، وأدارها بنجاح وتميز، وصارت نبراساً للبشرية، وللإدارة الإنسانية الشاملة.

وترجمت بالتفصيل للشخصيات المعايشة له صلى الله عليه وسلم من المؤمنين به من أهل البيت ومنهم أمهات المؤمنين، وبناته، وأصهاره، ومن عاش في بيته من خدمه ومواليه ومن في حكمهم المؤثرين في الأمة، واجتهدت في هذا للربط بينهم وبين حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتأثير التربية النبوية على حياتهم في أيامه صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته.

وقد شعرت بالسعادة والتيسير والبركة في الوقت منذ اليوم الأول من عملي الجاد في هذا الكتاب، فكنت وأنا أكتب أحسُّ بقربٍ إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وأتنفس عصر النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وأعيش أحداثه.

واستمر المؤلف في مقدمته لكتابه إلى أن قال:

كما أن في الاشتغال بالسيرة تقويماً للنفس ومحاسبةً ومراجعةً لها فيما قدّمت، في ضوء ما عُرف من سيرة المختار (صلى الله عليه وسلم).

انتهى كلام المؤلف في المقدمة.

أجزاء الكتاب:

قسم الدكتور العُمري كتابه إلى أقسام خمسة الأول عنوانه تحت العنوان العام الذي هو (رسول الله وخاتم النبيين: دين ودولة) بأن سمى هذا القسم الأول (علم السيرة النبوية: العالم والمصطفى والوحي). ويقع هذا القسم في مجلد واحد هو الجزء الأول الذي استغرق 272 صفحة من الكتاب.

والقسم الثاني:

كان عنوانه: (الاضطهاد والهجرة والتنمية) وبضمه إلى العنوان قبله يصبح العنوان الكامل: (رسول الله وخاتم النبيين).. القسم الثاني: الاضطهاد والهجرة والتنمية، وقد شغل من الكتاب 266صفحة.

والقسم الثالث:

عنوانه الفرعي: (إنَّا فتحنا لك فتحاً مبينا).

ويشغل هذا الجزء الثالث من ص 549 إلى ص 838.

القسم الرابع:

عنوانه الخاص: العالمية والدولة الإنسانية، ص845 إلى ص1130.

وعنوانه العام: (رسول الله، وخاتم النبيين: دين ودولة) القسم الرابع العالمية، الدولة والإنسانية.

وهو مثل ما سبقه واقع في مجلد واحد.

القسم الخامس:

عنوانه الخاص (المعايشون للمصطفى صلى الله عليه وسلم).

ويشغل من صفحة 1111 إلى صفحة 1488 وهو آخر الكتاب.

والأستاذ الدكتور مؤلف هذا الكتاب يشغل وظيفة أستاذ السيرة النبوية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض.

هذا وعندما قطعت مرحلة من قراءة الكتاب شعرت بأن الاسم الذي جعله المؤلف عنواناً له غير كاف رغم وضوحه وشموله وأن الكتاب ينبغي أن يكون عنوانه: (سيرة السير النبوية).

أو: (معلمة المعالم في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم).

ذلك بأن المؤلف جمع فيه ما ورد في السيرة النبوية من نقاط مهمة من الأقوال والأفعال، بل من استقراء الأحوال وأوضح ذلك بجلاء ووضوح يعجز عنه مهرة الكتَّاب المؤلفين إلا من رزق توفيقاً لذلك من رب العالمين.

ومن أهم ما فيه ما يمكن أن يسمى بحكم أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم الواردة في السيرة وهي جمع حكمة، لذلك يعلل المؤلف الأحداث ويوضح مدلولاتها، بأسلوب أدبي رفيع.

ومما يحمد للمؤلف وفقه الله أنه لم يكن يقتصر في ذكر الأحداث والأخبار والوقائع على كتب السيرة النبوية وحدها بل كان ينقل بعضها من غيرها مثل طبقات ابن سعد ومثل كتب التاريخ.

ويسارع إلى ذكر العظة أو الدليل الدامغ على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه الذي اجتباه ربه وأدبه فأحسن تأديبه.

مثل حادثة بناء الكعبة الذي قامت قريش به أي بالبناء وأنهم تنازعوا عندما وصلوا إلى من يحمل الحجر الأسود ويضعه في موضعه حتى كاد يحدث قتال بينهم ثم اتفقوا على أن يكون أول من يدخل المسجد الحرام هو الذي يضع الحجر الأسود فكان أول داخل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك قبل أن يوحى إليه رب العالمين بالنبوة والرسالة.

قال المؤلف: ص 2338 و(239).

وحينما أتموا البناء اختلفوا في وضع الحجر الأسود مكانه، فكل فريق من قريش يريد أن يذهب بفخر وضع الحجر الأسود في مكانه حتى كادوا أن يقتتلوا.

ثم اتفقوا على أن يحكِّموا أول داخل للمسجد فكان أول داخل للحرم هو المصطفى صلى الله عليه وسلم فلما رأوه صاحوا جميعاً: (هذا الأمين هذا محمد رضينا بالأمين)، وهذه شهادة مباشرة من قومه له حتى من عاداه بعد ذلك.

فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن وضع رداءه، وحمل الحجر الأسود ووضعه على الرداء، وأمر كل قبيلة أن تأخذ بطرف من أطرافه وحملوه، حتى إذا وازى موضعه في الكعبة وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة، فرضي القوم وطابت نفوسهم، وكانت كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من بين سائر قريش قبل مبعثه صلى الله عليه.

وقد جزم أصحاب السير على أن عمر الرسول صلى الله عليه وسلم حين إعادة بناء الكعبة كان خمسة وثلاثين عاماً.

ومزية أخرى كبيرة للمؤلف وهو استشهاده بالآيات القرآنية على ما ذكره من الوقائع والأخبار الواردة في السيرة.

مثل قوله عند الكلام على بدء الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ص246 وص247، و248:

ومع هذا لم يتقول الرسول بشيء من عنده أو يتحدث عنه صلى الله عليه وسلم أو يتعلم شيئاً من الوحي المنزل على الأنبياء السابقين، قبل بعثته صلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (52) سورة الشورى.. وذلك في شهر رمضان بعد أن بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأربعين من عمره نزل عليه الوحي لأول مرة بغار حراء، في جبل النور بمكة المكرمة {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (185) سورة البقرة.

{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (1) سورة القدر.. {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3) سورة الدخان، في تلك الليلة المباركة جاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كما أوضحت أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) في حديثها المشهور الذي رواه البخاري عن عروة بن الزبير عن خالته عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) أنها قالت: (أول ما بديء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه -وهو التعبد- الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق، وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال اقرأ قال ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (1) سورة العلق.

فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: زمِّلوني، زمِّلوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فذكر لخديجة ما رآه وما سمع، وأخبرها وقال: لقد خشيت على نفسي فقالت، خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكَلَّ وتٍكسِب المعدم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.

قال المؤلف الدكتور عبدالعزيز بن إبراهيم العُمري:

لقد هيأ الله لنبيه صلى الله عليه وسلم امرأة صالحة لمثل هذا الموقف الحساس المتناهي في العظمة، حيث ظهرت حكمتها وفطرتها وثقتها بالله تعالى حيث تذكرت رحمته بعباده الصالحين، وذكرت صلاح النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (كلا والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق).

وقد ذكر المؤلف الدكتور عبدالعزيز العمري أثابه الله نماذج لتمسك المسلمين الجدد من الصحابة بدينهم الحنيف ومقاومة كل الضغوط عليهم.

ويمكن أن يقرأ المرء ما ذكره الدكتور العمري عن الصحابي الجليل (مصعب بن عمير) رضي الله عنه: ص 307 و 308 و 309.

مصعب بن عمير رضي الله عنه:

كان من أنعم غلمان مكة، أمه من الأثرياء ووالده ذا مال وفير، وكانا يحبانه حباً شديداً ويدللانه حتى وصف الرسول صلى الله عليه وسلم حاله تلك بقوله: (ما رأيت بمكة أحداً أحسن لمُة أو أرقَ حُلةَ ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير).

ولِدَلالِهِ كانت أمه تضع الطعام والشراب عند رأسه عند النوم، فإذا استيقظ أكل وشرب، وعندما علم بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام -وكان مستخفياً في دار الأرقم- دخل عليه وأسلم وكتم إسلامه خوفاً من أمه، فكان يتردد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتعلم منه، فرآه عثمان بن طلحة يصلي سراً فأخبر أمه، فأخذوه وحبسوه وأجاعوه وضيقوا عليه في حبسه، حتى خرج مهاجراً إلى الحبشة في الهجرة الأولى.

لقد أؤذي ومُنع مما كان ينعم به وأُجيع وحُبس، ومع ذلك فضل رضي الله عنه الإسلام على رغد العيش، وآثر الآخرة على الدنيا، ولما بايع أهل المدينة الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الأولى بعث معهم رسول الله مصعب بن عمير أول سفير في الإسلام فكان نعم الداعية والمعلم لأهل المدينة، وقد قدم بهم قبل بيعة العقبة الثانية التي بايعوا فيها الرسول صلى الله عليه وسلم على الهجرة والحماية.

قلنا إن المؤلف الدكتور عبدالعزيز العُمري -أثابه الله- لم يقتصر في دراسة السيرة النبوية في كتابه هذا الذي نتكلم عليه، وإنما قرأ أيضاً كتب التاريخ، وأخبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب الطبقات والرجال.

ونقول أيضاً: إنه قرأ كذلك ما كتبه المستشرقون عن الرسول الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.

ونقل من ذلك ما يمكن الاستشهاد به على صدقه وعلى عظمة ما منحه الله من خلق عظيم كما قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) سورة القلم.

وهذا أنموذج لما نقله عن بعض المستشرقين:

من ذلك ما قاله روم لاندو في قوله:

كانت مهمة محمد صلى الله عليه وسلم هائلة، كانت مهمة ليس في ميسور دجال تحدوه دوافع أنانية) وهو الوصف الذي رمى به بعض الكتاب الغربيين المبكرين الرسول العربي صلى الله عليه وسلم، أن يرجوا النجاح في تحقيقها بمجهوده الشخصي، إن الإخلاص الذي تكشف عنه محمد صلى الله عليه وسلم في أداء رسالته، وما كان لأتباعه من إيمان كامل فيما أُنزل عليه من وحي، واختبار الأجيال والقرون، كل أولئك يجعل من غير المعقول اتهام محمد صلى الله عليه وسلم بأنه ضرب من الخداع المتعمد، ولم يعرف التاريخ قط أي تلفيق (ديني) متعمد استطاع أن يعمر طويلاً، والإسلام لم يعمر حتى الآن ما ينوف على ألف وثلاثمائة سنة وحسب، بل إنه لا يزال يكتسب في كل عام، أتباعاً جدداً.

ويؤكد توينبي (Arnold J. Toynbee): على قضية التوحيد عند الرسول وما يرتبط بذلك من التشريع ونظام تبعها سلطة تنفيذية إقامة للعدل فيقول: (لقد كرَّس محمد حياته لتحقيق رسالته في كفالة هذين المظهرين في البيئة الاجتماعية العربية (وهما الوحدانية في الفكرة الدينية، والقانون والنظام في الحكم)، وتم ذلك فعلاً بفضل نظام الإسلام الشامل الذي ضم بين ظهرانيه الوحدانية والسلطة التنفيذية معاً، فغدت للإسلام بفضل ذلك قوة دافعة جبارة لم تقتصر على كفالة احتياجات العرب ونقلهم من أمة جاهلة إلى أمة متحضرة، بل تدفق الإسلام من حدود شبه الجزيرة، واستولى على العالم بأسره من سواحل الأطلسي إلى شواطئ السهب الأوراسي).

ويستشهد واشنجتون إيرفنغ (Washington Irving) بحادثة فتح مكة ليؤكد أن محمداً خاتم النبيين وأعظم الرسل الذين بعثهم الله ليدعوا الناس إلى عبادة الله:

(كانت تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم في: (أعقاب فتح) مكة تدل على هذا، فإن كان ذلك النصر السياسي هو الإنجاز الوحيد لمحمد فمن حقه علينا أن يحوز إعجابنا، لكن نجاح محمد اعتمد على الرؤية الدينية التي نقلها العرب، والتي اعتنقتها بدروها الرعية من شعوب الإمبراطورية، وذلك لأنها لبت حاجة روحانية لديهم، غير أن محمداً والمسلمين الأوائل لم يحققوا انتصاراتهم بسهولة كما يحلو للبعض أن يتخيل، ولكنهم اشتبكوا في معارك شرسة يائسة، ولولا أن الاعتبار الأول للنبي ورفاقه المقربين كان للدين، ما كتب لهم البقاء).

وكثير من الغربيين يصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالمصلح ويصاحب الرؤية، ويمتدحه وإن لم يؤمن به، يقول جولد تسهير: (... الحق أن محمداً كان بلا شك أول مصلح حقيقي قي الشعب العربي من الجهة التاريخية، ففي هذا العصر نرى النبي يستخدم حنكته المفكرة ورويته الدقيقة وتبصره العالي، في مقاومة خصومه الذين شرعوا في معارضة مقاصده وغاياته في داخل موطنه وخارجه).

وقد ضاق بعضهم ذرعاً بعدم إيمان الغربيين بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم واعتبر ذلك عاراً عليهم، يقول توماس كاريل (Tomas Carlyle): لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متحدث هذا العصر أن يصغى إلى ما يقال من أن دين الإسلام كذب، وأن محمداً خدَّاع مزوّر).

وهذا المؤرخ الأمريكي المشهور ول ديورانت (Will Durant) الذي عرف عندهم بأنه أبو التاريخ يقول:

(يبدو أن أحداً لم يُعنَ بتعليم محمد صلى الله عليه وسلم القراءة والكتابة: ولم يُعرف عنه أنه كتب شيئاً بنفسه، ولكن هذا لم يَحُلْ بينه وبين قدرته على تعرف شؤون الناس تعرفاً قلّما يصل إليه أرقى الناس تعليماً، كان النبي من مهرة القواد، ولكنه كان إلى هذا سياسياً محنكاً، يعرف كيف يواصل الحرب بطريق السلم، وإذا ما حكمنا على العظمة، كان محمد من اعظم عظماء التاريخ).

ويشير بعضهم إلى مثالية رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى قصر أوروبا عن ما جاء به صلى الله عليه وسلم.

يقول الأديب الألماني غوته (Johann Wolfgang von Goethe):

(إننا أهل أوروبة بجميع مفاهيمنا، لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد، وسوف لا يتقدم عليه أحد...، ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي محمد، وهكذا، وجب أن يظهر الحق ويعلو، كما نجح محمد الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد (ص170- 174).

انتهى.

وفي الختام نذكر أن الدكتور عبدالعزيز بن إبراهيم العُمري ولد في بريدة عام 1376هـ.

وقد طبع له من المؤلفات:

- الوقف وأثره في التنمية في عصر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، طبع في مطابع الحميضي في الرياض.

- وكتاب (الولاة على البلدان في عصر الخلفاء الراشدين) نشرته دار إشبيليا للنشر والتوزيع في الرياض الطبعة الأولى عام 1422هـ في 561 صفحة.

- الفتوح الإسلامية عبر العصور: (دراسة تاريخية لحركة الجهاد الإسلامي في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أواخر العصر العثماني)، نشره مركز الدراسات والإعلام: دار إشبيليا في الرياض في 473 صفحة.

- وطبع له أيضاً كتاب: (الحرف والصناعات في الحجاز) في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، نشرته دار اشبيليا للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة عام 1420هـ- 2000م، في 331 صفحة.

- وصدر أيضاً للدكتور عبدالعزيز بن إبراهيم العمري كتاب بعنوان: (لوحة وطنية) الطبعة الأولى في عام 1429هـ- 2008م، في الرياض في 345 صفحة.

- وكتاب: (القوة العالمية والمكاييل)، الطبعة الأولى عام 1429هـ 2008م، في 158 صفحة.

وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.