Sunday 25/05/2014 Issue 15214 الأحد 26 رجب 1435 العدد

الرقص عند المصائب فن يجيده أصحاب الضمائر القاسية

ريم السويح

بالأمس توفيت فتاة في مقتبل العمر أثناء قيادتها لسيارة كأي إنسان يقود سيارة في كل مكان بالعالم، (رحمها الله رحمة واسعة وألهم أهلها الصبر والسلوان، وجعل أعمال جميع من تكلم عنها بسوء في ميزان حسناتها وحسنات أهلها).

في جميع الدول تمر حادثة مثل هذه كحادثة طبيعية من ضمن أحداث الحياة ويطلبون الرحمة لها، حتى المسيحيون واليهود ومن ليس لهم دين يتأسفون لسماع تلك المصائب ويسلون الأهل بكلمات رحيمة، ولا يجعلون الموقف فرصة للقيل والقال .. بينما خبر مثل هذا لا يمكن أن يمر مرور الكرام في هذا المجتمع المتديِّن..

فالصحف تتسابق لنشر الخبر، وسرعان ما انتشرت الصور لتوثيق الحدث، والكل يعاين ووضع الهاشتاق كما يوضع عند أي مصيبة ونكبة، وهناك من فتح حسابات خاصة ليدلي بدلوه، ولا ننسى من يكتب تغريدات ليوثق لنا الحدث بحجة أنه كان موجوداً أثناء الحادث المهم ..

ثم بدأت تصفية الحسابات مع الأشخاص والتيارات، والتلاسن بالتغريدات التي تتكرر عند كل مصيبة، وإن ما أصابها عقوبة من الله لكل من تسوّل لها نفسها أن تقود، وأن هذا من نتائج الليبرالية، بل هناك من تأسف أن يترحم عليها لأنها أخطأت!! يريد أن يمثل دور رب العالمين، ويمنعها الرحمة.

بل وصل الأمر إلى أنّ بعضهم يطلبون من الله أن يعفو عنها ويغفر زلتها وذنبها ( قيادة السيارة ) ..

(قيادة المرأة للسيارة تعتبر من الذنوب التي تستوجب التوبة...)

وأنها عظة وعبرة ودرس لأولي الألباب، ولأنها امرأة فهو سبب رئيسي في الحادث !! ولماذا تقود ! ولو أنها ركبت مع السائق الهندي ومات الاثنان بالحادث فلا مشكلة ولن ينتشر الخبر، مشكلتها أنها ماتت وحيدة بدون سائق هندي، وهذه قضية كبيرة في مجتمع كهذا، أن تموت بسيارة بدون وجود رجل حتى لو لم يمت لها بصلة أو كان مستقدماً من قارة أخرى!! مع أنه يومياً يموت الكثير من الرجال بحوادث السيارات إما بسبب السرعة أو التفحيط، بدون أن تكون في السيارة امرأة واحدة ولم نر من يعارض السرعة أو يطالب بوضع أقصى العقوبات على المفحطين الانتحاريين الذين عثوا في الأرض فساداً.

قليل من يتأسف عند المصائب أو يدعو بالفرج لمن اختلف معه، بل لا تظهر عقلية وأخلاق هؤلاء الفرحين الشامتين إلا بتلك المواقف وينشطون ويتكاثرون عند كل كارثة تمس أناساً خالفوا أعرافهم، والكل يخوض، فيبدأون بالشتم والسخرية وإلقاء النكت، وحتى الموتى ينالهم النصيب ولا يسلمون من الملامة والانتقاد والدخول في نواياهم، مع أن كل إنسان سيحاسب وحده في حفرة صغيرة ...