Wednesday 28/05/2014 Issue 15217 الاربعاء 29 رجب 1435 العدد
28-05-2014

العامة والخاصة والعلماء

إن المدنية المستوردة من الغرب جعلت العالم العربي في الوقت الراهن يعاني من مرض ذهني خطيرٍ من أعراضه الصورة الخيالية في عالمنا المعاصر التي يَحْملها العقل العربي عن الماضي، لأنه يعيش في عالم الخيال ويستحضر الماضي ويفتخر به ويتصرف في الوقت الحاضر على هذا الأساس،

فأصبح عاجزاً عن تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع تعود على البشرية بالنفع أو الفائدة، وهذا العقل العربي يُحمّل العالم الغربي مسؤولية قصوره وفشله، ويعلق تعثره على عقدة المؤامرة، فاتسمت هويته بسرعة الغضب الذي قد يتحول إلى خطرٍ يهدد أمن المجتمع وسلامته، وكثرة الافتخار بالماضي وسيلة لتبرير القصور والعجز في الوقت الحاضر. ومن المعروف أن المجتمعات الحديثة تشترك مع بعضها البعض في جوانب عديدة، كما أنها تختلف عن بعضها البعض في جوانب أخرى حسب خصوصياتها، ولكن عندما ترصد خصوصيات الشعوب التي تتحدث لغة واحدة وتَدين بدينٍ واحدٍ، ستبرز اختلافات كثيرة بسبب العادات والتقاليد المتأصلة في الشعوب العربية التي تنتمي إلى هويةٍ واحدةٍ، والتباين بينهم لا يقتصر على هذه الشعوب فحسب، وإنما يظهر أيضاً بين مكونات الشعب الواحد، ويمكن تقسيم مكونات الشعب العربي الواحد إلى ثلاثة أقسام؛ عام وخاص وعلماء؛ القسم العام: عموم الناس وفي الغالب يتميزون بالغضب والازدراء وتبدو ملامحهما على عامة أفراده، فيجعلك تتحاشى أي نقاش معهم خوفاً من تصوراتهم الذهنية التي قد تدفعهم إلى العنف اللفظي أو الجسدي، واتساع حرية الرأي في عصر العولمة والإنترنت الذي نعيشه اليوم، كشفت لنا سرعة غضب الرجل العربي التي جسدتها حادثة الأستاذ الجامعي، الذي قرأ تغريدة ساذجة عن صلاحية أحد الزعماء المعاصرين للخلافة الإسلامية فاستشاط غضباً وهرع إلى المنبر الجامعي، في استغراب ملحوظ من الحضور، وأخذ يهاجم مجتمعاً إسلامياً لا علاقة له بموضوع التغريدة؛ أخطأ الأستاذ من شدة الغضب، كما كشف لنا الإعلام الحديث مراراً وتكراراً سرعة غضب الرجل العربي في الحوارات التلفزيونية العربية، عندما يتحول الحوار إلى ارتفاع الأصوات ثم التراشق بالألفاظ ثم العراك بالأيدي خلال البث الحي على الهواء مباشرة، ولو كان معهما سلاح لقتل أحدهما الآخر.

أما القسم الخاص من مكونات الشعب الواحد: الذي يتميز بالحوار الموضوعي الهادئ والتفكر والتدبر، ويجمع بين الأصالة والمعاصرة، فيعتبر المدنية الحديثة مجالاً يتسع لتطبيق الديمقراطية والشريعة، وأنهما يهدفان إلى العدل والشورى، لأن الإسلام صاحب السبق بمبادئ العدل والشورى، ويرى أن نهضة العالم العربي تحتاج إلى آلية تجمع بين الديمقراطية الحديثة ومبادئ الشورى الإسلامية الأصيلة، وبذلك يمكن للمجتمع العربي الاستفادة من مستجدات العصر الحديث ومجاراة سرعة التغيير، دون خوف الشعوب العربية من ارتكاب مخالفات لاجتهادات علمائهم الذين يحرمون بعض مستجدات هذا العصر، مقارنة بقضايا مشابهة سبق تحريمها في عصر السلف، دون الأخذ في الاعتبار التطور واختلاف الزمان والمكان.

أما القسم الثالث من مكونات الشعب العربي فهم العلماء: أفضل الناس وأزكاهم وهم ورثة الأنبياء، والمؤتمنون على مصالح الأمة العظمى وعلى دينها ودنياها وأمنها، وهم أهل الشورى الذين ترجع إليهم الأمة في جميع شؤونها ومصالحها، وهم أهل الحل والعقد في الأمة، هذا على وجه العموم، فالعلماء هم أهل هذه الخصال، ولا يلزم أن تتوفر كل هذه الخصال في كل عالم، فالكمال لا يكون إلا لله.

الخلاصة: إن العالم العربي اليوم في أمس الحاجة إلى جيل بعقلية تتصل بالواقع تحمل تصورات ذهنية متسامحة تتيح لأصحابها التعايش كمجتمع واحد، وهذه العقلية تتطلب من العلماء تطوير الوسطية عن طريق تضييق دائرة التحريم وتوسيع دائرة المباح، في حدود ما يتناسب به الإسلام ومتطلبات العصر الحديث.

khalid.alheji@gmail.com

Twitter@khalialheji

مقالات أخرى للكاتب