Friday 30/05/2014 Issue 15219 الجمعة 01 شعبان 1435 العدد

أئمة وخطباء المساجد بالحدود الشمالية يشنون حملة عنيفة على مروجيها ومدمنيها (1-3):

مهربو المخدرات يستهدفون أمن المملكة واستقرار وشباب الوطن

عرعر - خاص بـ«الجزيرة»:

أكد عدد من أئمة وخطباء المساجد بمنطقة الحدود الشمالية على ضرورة تضافر جميع الجهود للوقاية من المخدرات، وأنه حري بجميع المواطنين والمقيمين التعاون مع الجهات الأمنية ورجال المكافحة في التصدي لهذه الآفة الخطيرة.

وقالوا: إن المهربين يستهدفون المملكة العربية السعودية ومواطنيها وخاصة شبابها، وأن هناك دولة إقليمية تحرض المهربين على اختراق حدود المملكة.

آفة الزمن

في البداية يقول الشيخ فهد بن عايد الشمري إمام جامع الربيش بعرعر: أفة الزمن في هذا العصر هي المخدرات, إذا أدمن أحد على هذه المخدرات، عذّب نفسه وأشقى والده، وأتعس أمه، وأدخل الجحيم على أهله وأسرته ونقل الشقاء إلى جيرانه ومجتمعه, فأصبح قدوة سيئة يقتدي به المدمنون.

من أدمن على المخدرات ضيّع دنياه، فأهمل وظيفته، وضيّع تجارته، وأهمل شؤون أسرته، وأصبح فرداً لا هدف له ولا اهتمام له إلا بإشباع شهوته للمخدرات، ورب جريمة شيطانية أدت إلى اعتداء وقتل وتمثيل حتى بأقرب الناس إليه كالزوجة والوالدين والأولاد والأطفال, كم من مدمن للمخدرات جعل من أفراد أسرته طعماً سائغاً لأصحاب النوايا السيئة والأعمال الخبيثة.

والمخدرات تورث عدم المبالاة, فلا يبالي بوالد ولا والدة ولا مجتمع, يسلب منه الحياء فيهرف بما لا يعرف ويهذي بما لا يدري, ويعتدي على الآخرين بالضرب والسلب والطعن حتى وصلت ببعضهم إلى قتل ذويهم.

والمخدرات إهدار للطاقات وتضييع للعقول، وفضيحة في المجتمع، ونشر للفقر، وهتك للستر وتفكيك للمجتمع, وسلب للأموال، فشرب الخمر وتناول المخدر انتكاس بالفطرة، وانقلاب عن الخلقة الحسنة التي خلق الناس عليها.

وثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم في حادث الإسراء، أنه قال: ((وأتيت بإناءين، في أحدهما لبن، وفي الآخر خمر، فقيل لي: خذ أيهما شئت، فأخذت اللبن، فشربت، فقيل لي: هديت الفطرة، أو أصبت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر، غوت أمتك)).

ضلال وغواية

وتساءل: هل يفلح قوم استفحلت فيهم المخدرات والمسكرات، الله أكبر! إن قول جبريل ـ عليه السلام ـ يؤكّد أن الأمة المسلمة الحقة، هي بعيدة عن المخدرات، وما انتشرت المخدرات والمسكرات إلا انتشر معها الضلال والغواية. إذاً لا يجتمع في الأمة لبن وخمر، بمعنى أنه لا تجتمع فطرة وخمر، فإما فطرة صالحة بلا خمر، وإما خمر وتيه بلا فطرة. لأن الإيمان والمخدرات والمسكرت ضدان لا يجتمعان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)) [رواه البخاري ومسلم]

أضرار المخدرات

أضرار كثيرة ثابتة عقلاً ونقلاً، قديماً وحديثاً يقول ابن حجر الهيتمي: وفي أكلها مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية منها أنها تورث النسيان وموت الفجأة واختلال العقل ودوام الرعشة وتذهب الحياء والمروءة وعشاء العين والفطنة وتقطع النسل وتجفف المني وتورث العنة.

حملة شرسة

ويرى الشمري أن هناك حملة شرسة على بلاد الإسلام ومعقل التوحيد، ومنبع الرسالة وقبلة العالم، ففي الأيام القلائل الماضية تقبض جهات الأمن والجمارك، على كميات هائلة تصل إلى قرابة العشرة ملايين حبة مخدرة، تقبض عليها وقد أتت من الشمال والجنوب والشرق والغرب, حملة يروجها من أخلد إلى الأرض وأقبل على الدنيا، وأراد الثراء السريع حتى ولو كانت الضحية العقول والأفئدة، ولسان حاله يقول: فلتحترق الأمة وليشقى الناس لأجل جمع المال وإثراء النفس، حملة يروجها أعداء الدين الحاقدون على الأمة، وكانت النتيجة الآلاف في أمتنا، يعكفون على المسكرات والمخدرات، يهلكون أنفسهم عن طريق هذه الكيوف السامة القاتلة، فأخذوا يزهقون أرواحهم، ويحفرون قبورهم بأيديهم حتى صاروا أشباحًا بلا أرواح، وأجسامًا بلا عقول، وما يزيد الأسى والحزن يستهدف فئات الشباب فلذات الأكباد وقوام نهضة البلاد.

تحريم قطعي

ويؤكّد الدكتور خالد بن جريد العنزي إمام جامع الملك عبدالعزيز بعرعر أن تغييب عقل الشباب إحدى النتائج التي يسعى إليها أهل الباطل في حروبهم على الدين والإنسانية، فإذا غاب العقل حلّ فعل أي محظور، وتنازل الإنسان عن هيمنة إنسانيته إلى قوة حيوانيته، فتراه هو والبهيمة في كفة واحدة لا يفرق بينهما شيء. لقد اتفقت الشرائع السماوية كلها على تحريم ما يمس العقل أو يشوبه بأي شائبة، بل لقد اتفقت عقول البشر المبصرين من مسلمين وكفار أيّا كانت مذاهبهم على المحافظة على جوهر الفرق بين الإنسان والحيوان ألا وهو العقل الذي يدبر فيه الإنسان حياته. يقول تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ).

فانظر إلى وصف الله للخمر، وصفها بأنها رجس وبأنها من عمل الشيطان، قال البغوي - رحمه الله - رجس أي خبيث مستقذر، من عمل الشيطان أي من تزيينه، قال قتادة - رحمه الله - في تفسير إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة قال:كان الرجل يقامر على الأهل والمال ثم يبقى حزينا مسلوب الأهل والمال مغتاظاً على حرفائه. فلقد لخص الله تعالى في هذه الآيات التي حرم فيها الخمر تحريماً قاطعاً كل ما تؤدي إليه الخمر من مشاكل دينية ودنيوية، وحسم فيها التحريم بالأمر القاطع (فاجتنبوه).

ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعقوبة من يتعاطى الخمر أو يشربها أو يساعد في هذه العملية بوجه عام فقال صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر: (لعن اللهُ الخمرَ وشاربَها وساقِيَها وبائعَها ومبتاعَها وعاصرَها ومعتَصِرَها وحاملَها والمحمولةَ إليه) صححه الألباني في إرواء الغليل 2385. وإن الخمر التي كانت معروفة في الزمان السابق قد تولد منها أشياء كثيرة بأشكال وأسماء مختلفة كلها تستهدف العقل وتدمره مع اختلاف مسمياتها وذواتها، فكلّها تسعى إلى نقض عرى المجتمع والأسرة وهدم كيانهما.

تدمير الشعوب

وقال د. العنزي: إننا نحتاج إلى تعاهد أنفسنا وأسرنا ومجتمعنا بالتوعية الصادقة والتذكير المستمر والبيان الشافي الشامل عن أخطار هذه المخدرات وأضرارها، وسبل الشيطان التي يزين بها لمن يغويه للوقوع في شباك هذا الداء العضال، وبخاصة إذا علمنا أننا في هذه البلاد المباركة مستهدفون، وشبابنا مستهدف، ومجتمعنا مستهدف، فإن العدو لا يسره ما يراه من صلاح المجتمع وتمام لحمته وتعاضد أفراده، فلا يسره إلا أن يراه أشتاتاً ممزقين، لا يستقيم لهم حال ولا يستقر لهم قرار حتى يستطيع التمكن من مراده وتحقيق مآربه، مشيراً إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمها أم الخبائث من فراغ، بل لأنها تستجمع قوى الشر فيها، فإذا غاب العقل سفك الدم الحرام، وانتهك العرض الحرام، وأخذ المال الحرام، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا الخمر؛ فإنها أم الخبائث»، وروى الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا الخمر؛ فإنها مفتاح كل شر» وقال حديث صحيح، وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: «أوصاني خليلي.. ولا تشرب الخمر؛ فإنها مفتاح كل شر» رواه ابن ماجه والبيهقي. فالمخدرات بجميع أحوالها شددت الشريعة في الزجر عنها وتحريمها؛ لما فيها من الأضرار والتدمير، ولما فيها من الشر، ولما تسبب لمتعاطيها من تحوله إلى إنسان شرير يُتوقَّع منه الإفساد والجريمة، ولا يُرْجى منه خيرٌ، وقد نادى عقلاء العالم بإنقاذ المجتمعات من وَيْلات المخدرات؛ لما شاهدوا من الكوارث. إن أعداء الإسلام لم يفتأوا ولم تلن قناتهم في كيد الإسلام والمسلمين ومحاولة تدمير الشعوب الإسلامية على مر التأريخ قال الله تعالى: (وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)، وإن من أكبر ما استخدموه في تحقيق مآربهم حرب المخدرات على شباب المسلمين، فلينتبه كل فرد منا إلى هذه الحرب الضروس ولنأخذ بأسباب الوقاية من الوعظ والتذكير والمراقبة والتواصي بالحق والصبر.

جرائم المخدرات

ويشير الشيخ مصلح مران الرويلي إمام جامع الأميرة سارة بطريف إلى أن أعداء الدّين وشانئي الفضيلة من دعاة الشّر ومروّجي الرّذيلة - لا ينفكّون يطرقون إلى الفتنة كلّ باب، ويسلكون إلى الإفساد كلّ طريق، همّهم تجريد الأمّة من دينها وإضعاف العقيدة في قلوبها، وهدفهم تغيير مبادئها ونسف ثوابتها.. إنّهم يسعون لإفساد سلوك أبنائها، وتحطيم أخلاقهم، وتخريب طباعهم، وجعل المجتمع الإسلاميّ مسخًا مماثلاً لمجتمعات لا تمتّ لدينه الحنيف بصلة، ولا يربطها بقيمه ومثله أيّ رابط.

وبين فينة وأخرى نسمع بأنباء عن ضبط الأجهزة الأمنيّة لمهرّبين، والإيقاع بشبكة مروّجين مفسدين، كانوا يعدّون عدّتهم لدخول هذه البلاد بشرّ ما يجدون من أنواع الخمور، وغزوها بأشكال من المسكرات وألوان من المخدّرات.

وهكذا تجتمع على هذه البلاد المباركة الأيدي الخفيّة؛ لتنال من دينها، وتفسد عقول شبابها، ولتأسر ألبابهم بما لا يستطيعون الانفكاك عنه ولا التّخلّص منه؛ بالقنوات والفضائيّات حينًا، وبالشّبكات وأجهزة الاتّصالات حينًا، وحينًا بالمسكرات والمخدّرات، التي عرفوا أنّها أسهل طريق للوصول إلى المجتمعات، وأقوى وسيلة للتّأثير في اتّجاهاتهم وتغيير قناعاتهم؛ إذ بها تختلّ العقول وتزيغ الأفهام، وبها يضعف الاقتصاد وتؤكل الأموال، ومن ثمّ يملك الزّمام ويمسك بالخطام، ويقسر الفرد على ما لا يرضاه، ويجبر على ما كان يأنف منه، فتنتشر السرقات ويكثر السّطو، ويختلّ الأمن وتروّع النّفوس، وتشلّ حركة الفرد ويقل إنتاجه، فتتفاقم على وليّه الأعباء وتتضاعف الأحمال، ويعمّ الفقر وتتمزّق الأسر، وتتشتّت العلاقات وتنقطع الصّلات، ويصبح كيان المجتمع ضعيفًا وبنيانه هشًّا، فيغدو ألعوبةً في أيدي الأسافل والأراذل، يحرّكونه متى شاؤوا إلى ما أرادوا، ويأخذون به إلى هاوية الجريمة ومستنقعات الرّذيلة. فتنحر إذ ذاك أعراض ويقتل عفاف، وتوأد فضيلة ويسلب حياء.

حرب المخدرات

وقال الرويلي: لقد أضحت حرب المخدّرات من أخطر أنواع الحروب المعاصرة، يدرك ذلك من وقف في الميدان واقترب من المعترك، سواء من رجال الأمن ومكافحة المخدّرات، أو من العاملين في جمعيّات المكافحة الخيريّة وأطبّاء المستشفيات، بل يشعر بضراوة تلك الحرب وشراستها كل من يسمع بهذه الكميّات الهائلة والأنواع الكثيرة الّتي تحبط عمليّات إدخالها إلى بلادنا، فضلاً عن تلك الّتي تروّج وتنتشر، ويقع ضحيّةً لها فئات من المجتمع هم أغلى من فيه. وإنّه ومع ما سنّته هذه البلاد من عقوبات رادعة وجزاءات زاجرة، فإنّ هذا الطّوفان المدمّر ليسرع في زحفه إلى البيوت، ويقتحم المدارس والجامعات، وتشكو آثاره المصانع والمعامل، بل ولم تسلم منه حتى بعض الدّوائر الحكوميّة والأجهزة الرّسميّة، ممّا يستدعي منّا مواطنين ومسؤولين وأولياء ومربّين، أن نكون على وعي بحقائق الأمور وإدراك لحجم الخطر، وأن يوجد بيننا أفرادًا ومؤسّسات، تعاون للحدّ من هذا الوباء المهلك، ومنابذة للمروّجين والمجرمين، وهمّة في التّبليغ عنهم وحذر من التّستّر عليهم أو التّهاون معهم، وإحياء لواجب الحسبة وبذل لحقّ النّصيحة.ثم إنّه مع كلّ ذلك، فإنّ ثمّة أمرين يعدّان هما الأهمّ في علاج هذه المشكلة:

الأمر الأوّل: لا بدّ من تنمية الرّقابة الذّاتيّة في قلوب النّاس عامّةً، وغرسها في أفئدة الناشئة والشّباب خاصة، وتسليحهم بالإيمان بالله والخوف منه - سبحانه - وتقريرهم بنعمه؛ ليحمدوه ويشكروه.. لا بدّ من تكثيف التّوعية بخطر المسكرات والمخدّرات على الدّين والأخلاق، ونشر الوعي بأضرارها على العقول، وبيان شدّة فتكها بالأجساد. وأمّا الأمر الآخر الّذي تجب العناية به: فهو ملء أوقات الشّباب بما ينفعهم وينفع مجتمعهم، فإنّه لا أفسد للعقول من الفراغ، والنّفوس لا بدّ أن تشغل بالحقّ، وإلاّ سدّ أهل الشّر فراغها بباطلهم. إنّ شبابنا لمستهدفون في دينهم وعقولهم، مغزوّون في أخلاقهم وأعراضهم.. ومن هنا فقد آن الأوان لتحرّك الآباء وأولياء الأمور لحماية أبنائهم ممّا يضرّهم، وتزويدهم بكلّ ما ينفعهم ويرفعهم.

لقد آن الأوان لاشتغال الآباء بالمهمّات وترك ما هم فيه من توافه وترّهات.. كيف تنام أعين بعض الآباء قريرة وترتاح قلوبهم، وأبناؤهم يقضون معظم أوقاتهم خارج البيوت بعيدًا عن رقابتهم؟ وكيف يشتغل آخرون بدعوات وولائم ومناسبات، ويهتمّون بمفاخرات ومكاثرات وعصبيّات، ويسعون لإحياء أمجاد فارغة واجترار قصص خاوية، والخلل يدب إلى بيوتهم، وأبناؤهم يتفلّتون من بين أيديهم, عجيب أن يحصر رجال اهتمامهم بما لديهم من أنعام، فيقضوا معظم أوقاتهم في العناية بها، لا يتوانون في جلب طعامها وسقيها، ولا يقصّرون في علاجها، بل ويتفنّنون في ليونة مأواها ومراحها.. وآخرون يدفعون الأموال في بناء الاستراحات وتزيينها؛ ليقضوا فيها السّاعات مع زملائهم وأقرانهم، ثم لا يكلّف أحدٌ من هؤلاء أو هؤلاء نفسه أن يسأل عن ولده ويرعى فلذة كبده؛ فإمّا أن يتركه مع الهمل، وإمّا أن يوكّل به الذّئاب الضّارية.

المبتلون بالمخدرات

ويؤكد الشيخ مصلح بن مران أنّ المبتلين بالمخدّرات مرضى يحتاجون إلى الرّعاية والعلاج، وغرقى يتشوّفون إلى المساعدة والإنقاذ، ومن ثمّ فلا بدّ من فتح القلوب لهم ومدّ جسور المحبّة إليهم؛ بكلمة طيّبة ونصيحة مخلصة، في معاملة حسنة وعلاقة حميمة، وأساليب منوّعة وطرق مختلفة، يمزج فيها بين التّرغيب والتّرهيب، ويقرن فيها الثّواب بالعقاب، وهذا يفرض على المصلح والمربّي التّحلّي بالصّبر والتّحمّل، في طول نفس وسعة بال وبعد نظر، مع تعلّق بالله - عزّ وجلّ - وإلحاح عليه بالدّعاء لهؤلاء المبتلين بالهداية والتّوفيق. أمّا أنتم أيّها الشّباب والفتيان، فاعلموا أنّ المخدّرات طريق موحشة وغاية مسدودة، بدايتها الفضول والتّجربة، ووسطها مجاراة الأصحاب بلا وعي ولا تفكير، وفي أثنائها سير خلف رفقاء السّوء واتّباع لهوى النّفوس، وآخرها الإدمان وتدمير النّفس وتضييع الحياة، وسوء العاقبة في الدّنيا وخسران الآخرة.

كما إنّ الحياة مراحل ومحطّات، ولكلّ مرحلة آمالها وأحلامها، ووقود الحياة الطّموح ونورها الأمل، والأتقياء الأسوياء الأصحّاء، هم القادرون وحدهم على المضيّ في دروب الحياة بثبات وعزيمة، وهم الصّابرون على محنها بشدّة وقوّة، المواجهون لأمواجها بإصرار وصلابة، وهم المخطّطون للمستقبل الزّاهر والبناة للحضارة الشّامخة، بما يملكون من عقول سليمة وأفكار صحيحة. وأمّا المدمنون فهم معتلّو الأبدان مختلّو العقول، ضعاف النّفوس ساقطو الهمم، لا يرسمون أهدافًا ولا يخطّطون لنجاح، ولا يستمتعون بحاضر ولا يرقبون نيل مراد.

نعمة العقل

وبيّن الشيخ فيصل بن حمود المخيمر إمام جامع الأمير جلوي برفحا أن الله نهى عن تعاطي ما يخل بالعقل ورتب على ذلك حداً رادعاً وعقوبة زاجرة، فالعقل هو أحد الضروريات الخمس التي أجمعت الشرائع السماوية على وجوب حفظهما، لأن في حفظها قوام مصلحة البشرية، لأن فاقد العقل يسئ إلى نفسه وإلى مجتمعه، فقد يوقع نفسه في الهلاك والفساد الخلقي ويتعدى على غيره بما يضره، فيخل بالأمن ويروع المجتمع. قال الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)). فبين سبحانه مفاسد الخمر وما ذكر معها من الجرائم أنها تسبب عدم الفلاح، وأنها رجس من عمل الشيطان، وانها توقع في المجتمع العداوة والبغضاء وتصد عن ذكر الله الذي به حياة القلوب، وتصد عن الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر وكلها مفاسد عظيمة وأخطار جسيمة، والخمر كل ما خامر العقل وغطاه من المسكرات من أي مادة صنعت، وبأي اسم سميت. فقد ورد أنه يأتي في آخر الزمان قوم يسمون الخمر بغير اسمها، والأسماء لا تغير الحقائق، ومثل الخمر بل شر منه كل مفتر للجسم معطل للحواس، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر، والمفتر كل ما ينشأ عنه استرخاء الأطراف وتخدرها وفقدان الغيرة.

سلاح المخدرات

ويؤكّد المخيمر أن من أخبث المخططات وأفتك الأسلحة التي غزوكم بها في هذا الزمان: سلاح المخدرات، فهم يزرعون المخدرات ويصنعونها ويصدرونها إليكم ويروجونها بطرق متنوعة وخفية يستخدمون فيها شياطين الأنس من تجار الدمار الذين يقومون بجلب هذه المخدرات وبيعها في ديار المسلمين، وهؤلاء المروجون يستحقون أشد العقوبات، لأنهم يسعون في الأرض فساداً، ويجب على من علم بهم أن يبلغ عنهم السلطة لردعهم وكف شرهم.

وهذا من التعاون على البر والتقوى ومن النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم ولا يجوز التستر عليهم والشفاعة فيهم. إن المخدرات أشر من الخمر، لأنها تفسد العقل والمزاج وتقتل الغيرة في الإنسان، فهي تشارك الخمر في الإسكار، وتزيد عليه في كثرة الإضرار، وقد ذكر بعض العلماء فيها مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية.

فمن أضرارها الدينية: أنها تنسي ذكر الله وتذهب الحياء والمروءة، وتسبب ترك الصلاة والوقوع في المحرمات.

ومن مضارها البدنية: أنها تفسد العقل، وتقطع النسل، وتولد الجذام، وتورث البرص وتجلب الأسقام وتحرق الدم، وتضيق النفس، وتفتت الكبد، وتحدث البخر في الفم، وتضعف البصر، وتجلب الهموم والوساوس، وتخبل العقل وتورث الجنون، وتورث قلة الغيرة وزوال الحمية، حتى يصير آكلها ديوثاً وتفسد الأمزجة حيث جعلت خلقاً كثيراً مجانين، ومن لم يجن أصيب بنقص العقل، وإن المخدرات أخطر سلاح تستخدمه العصابات التخريبية في المجتمعات البشرية للوصول إلى أغراضها، وغالب من يستخدمه اليهود لتحطيم الشعوب لأجل السيطرة عليها وإذلالها، فالمخدرات من الآفات الخطيرة التي تهدد المجتمع الإنساني بالفناء والدمار، ولا يقل خطرها عن خطر الأمراض الوبائية التي تفتك بالأمم والشعوب، ومن ثم أنشئت في غالب الدول أجهزة خاصة لمكافحة المخدرات، حتى الدول الكافرة شعرت بخطر المخدرات فصارت تكافحها.

ومن توغل مروجيها في الإجرام أنهم يستعملون حيلاً دقيقة وخفية لتهريبها وترويجها لا ينتبه لها كثير من الناس، ويصنعونها على أشكال مختلفة، ويدسونها في أشياء يستبعد وجودها فيها.. فتنبهوا أيها المسلمون لهذا الخطر واحفظوا أولادكم أن تصيبهم عدواه، لا تتركوهم يهيمون في الشوارع ويخالطون ما هب ودب، فإنه إذا فسد فرد من الأفراد أثر على البقية الذين يخالطونه ويجلسون معه، خصوصا هؤلاء الشباب الضائعين الذين يتجولون في السيارات، فإنهم محل شبه، وهناك بعض الوافدين إلى هذه البلاد من دول أخرى لا يؤمن شرهم.

وهناك وسائل ووسائل، ومكر خفي يدبره شياطين الأنس والجن ويغزون به تجمعات الشباب. فأنتم في زمان كثر الشر في أهله وكثر فيه دعاة الفساد، واختلط فيه الناس من كل جهة بسبب تيسر وسائل النقل السريعة وصار الشر ينتشر سرعة، وهذا يستدعي منكم شدة الانتباه، وقوة الحذر، والمحافظة على أولادكم أكثر مما تحافظون على أموالكم، لا سيما وأنتم تعلمون ما يحدث من جراء تعاطي المخدرات من حوادث الطرق التي هلك فيها أعداد كبيرة. وذلك من أثر تعاطي المخدرات على عقولهم فأصبحوا. مخبلين. ومنهم من قبض عليهم فأودعوا السجون السنين الطويلة وعزلوا عن المجتمع، وانعزلوا عن أسرهم حتى إن منهم من قضى حياته كلها في السجن كلما خرج منه رجع إليه فالأمر خطير، والشر مستطير، ولا نجاة من شر هذه المخدرات إلا بالاستعانة بالله سبحانه ثم بتطبيق العقوبات الرادعة على من يتعاطى هذا الدمار أو يروجه، ويجب التعاون مع أجهزة الحكومة التي تكافح هذا الإجرام، ويجب أيضاً المحافظة على الأولاد الصغار من التسيب في الشوارع ومخالطة المشبوهين، ويجب أيضاً التحذير من هذا البلاء عن طريق الوعظ والتذكير والخطب والمحاضرات والكتابة في الصحف وغير ذلك من وسائل الإعلام المختلفة.