Thursday 12/06/2014 Issue 15232 الخميس 14 شعبان 1435 العدد
12-06-2014

جدليات غزال مرة أخرى

لا يزال هناك زملاء في مهنة الكتابة يلوكون بعض الموضوعات دائماً على ألسنتهم وعلى كتاباتهم دون تغيير أو تجديد أو تطوير لتلك الحكايات التي تقادم عليها الدهر.. فسيارة غزال ما زالت هي اسطوانة تأتي أجيال وتذهب أجيال معها دون أن تكون هناك جدليات جديدة في نفس الموضوع ونستمر فيها دون ملل أو كلل

والمشكلة أن الإمساك بنفس الموضوع وبنفس القضية ودائما سيل من التهم والأقاويل تتكرر دون مبررات جديدة أو إجابات مقنعة، بل إن الموضوع أصبح أشبه بقضية فلسطين التي تتكرر على كل لسان دون فهم له أحياناً.

وقد كررت تكراراً ومراراً أن سيارة غزال هي موضوعان في موضوع واحد، فهي براءات اختراع وتصاميم ميكانيكية مسجلة في محافل دولية معترف بها، وهي في نفس الوقت تسويق تجاري كان يمكن أن يكون الحدث الأبرز في التنمية السعودية. ومن يعيد ويزيد في موضوع سيارة غزال دائما لا يفرق بين الجزئيتين. وما كتبته مع غيري من الكتاب أن الجامعة كمؤسسة بحثية هو أنها قدمت براءات الاختراعات التي يتكون منها معظم مشروع سيارة غزال، وهذا هو دور جامعة الملك سعود وهو الدور البحثي المطلوب منها.

أما الشق التسويقي فهو عمل إضافي كانت الجامعة راغبة في استثماره ضمن مشروع الأوقاف الذي يعد أكبر مشروعات الأوقاف الجامعية في المنطقة، وسواء تحقق أو لم يتحقق فهذي قضية ليست الجامعة جزءاً منها فهناك شركاء من الداخل والخارج يمكنهم أن ينجحوا المشروع ويمكنهم أن يفشلوه. ولا تحاسب الجامعة إذا لم ينجح مشروع بحثي مثبت في مؤسسات لبراءات اختراع عالمية. ونحن نتابع الأخبار العلمية لجامعات عالمية ونجد أن هذه الجامعة أو تلك قد ابتكرت أو اخترعت أو طورت شيئاً أو مجالاً من المجالات ولم نسمع أن أحداً لام أو انتقد جامعة هارفارد أو إم آي تي أو ستانفورد لأن فكرة ذلك المشروع لم ينجح تسويقياً.

وكتبنا قبل سنوات أن صناعة السيارات هي صناعة معقدة جداً وتحتاج إلى شراكات وتحالفات كبيرة حتى تنجح، ومن المضحك أن يفهم بعض كتابنا أن سيارة غزال هي مشروع واحد ومكتمل ولا يعتمد على بعض العناصر من شركات سيارات أخرى. وللمعلومية وهذا سبق أن كتبناه قبل سنوات أن شركات سيارات كورية كانت تعتمد في بداية نهضة صناعة سياراتها على بعض الأجزاء الثقيلة في سياراته من شركات صناعات لسيارات أوروبية، واستمرت هكذا لأكثر من عشرين سنة حتى تمكنت مصانعها من تصنيع تلك الأجزاء وأصبحت بالكامل وبعد عقود من الزمن من الصناعات الكورية الكاملة. وحتى الآن توجد براءات اختراع في صناعة السيارات أو غيرها من الصناعات يتم استخدامها وفق حقوق ملكية لتحسين وتجويد سيارات أخرى. فالصناعات هي عمل تراكمي ولا يمكن أن تنطلق بصناعات مستقلة في كافة جزئياتها.

وما زلت أؤمن أن القضاء على هذا المشروع الوطني هو أكبر أخطاء حدثت خلال العقود الماضية، وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهها المشروع إلا أنه لو تم دعمها من الدولة ومن القطاع الخاص لكان بذاته أهم مشروع اقتصادي حدث في مشروع التنمية السعودية. وحتى لو كان هناك نقص أو قصور أو إخفاق معين، فلو تم تلاشي تلك الأوجه من القصور والمشاكل وتم بدلاً من توجيه النقد للمشروع أن يكون قد تم دعمه وبناء شراكات حوله بما في ذلك تعزيز ودعم الشركاء الخارجيين لكن قد نقلنا المشروع من مرحلة التصميم إلى مرحلة التنفيذ.

ولكن للأسف تم القضاء على المشروع وهو في مهده نتيجة كتابات صحافية هنا ومقابلات تلفزيونية هناك تشكك في كل شيء، وللأسف تغلب المنهج الشكي على غيره من المناهج، لأن مجتمعنا يسمع ما على صفحات الجرائد أكثر مما يسمعه من مراكز البحوث العلمية. وإذا عدنا إلى قضية غزال في شقها الأول من براءات اختراع وتصاميم ميكانيكية فإن الجامعة قد بادرت ونجحت في هذا التوجه، أما الشق التسويقي فليس للجامعة دور فيه. وهذه الحقيقة الصعبة التي لا يريد أحد فهمها من الفريق المناهض للحراك العلمي لجامعة الملك سعود أو لجامعات أخرى.

وبينما يصفق فريق المناهضة ويغرد ويضحك وحوله أصوات تهلل وتكبر، نكون قد فقدنا مشروعاً اقتصادياً مهماً بل يمكن أن يكون بداية نهضة صناعية كبرى لو تم دعمه بالشكل المناسب. وأخيراً أؤكد أن البعض لن يقرأ كل هذا المقال فسيقرأ فقط أن الموضوع قد أثير دون أن يفهم أي نقطة من نقاط الموضوع، وأضمن لكم أن الحجج السابقة التي قيلت في الموضوع ستتكرر وسيتم إعادتها دون جديد. هناك عقول أبت على نفسها أن تفهم الجوانب المختلفة للقضية، وأصرت على تأكيد مصطلحات كذبة غزال أو ما شاكلها.. هكذا سنستمر في حواراتنا دون أدنى مسؤولية حقيقة تجاه العلم أو المعرفة أو أحيانا تجاه المسؤوليات الوطنية للجامعات.

alkarni@ksu.edu.sa

المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية - أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

مقالات أخرى للكاتب