Sunday 15/06/2014 Issue 15235 الأحد 17 شعبان 1435 العدد

جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في تحقيق الأمن الفكري من خلال خطبه وكلماته وتوجيهاته

أهدى إلي الصديق العميد د.غازي بن عبدالعزيز الجهني نسخة من أطروحته والتي قدَّمها للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لنيل درجة الدكتوراه العالمية العالية والتي هي بعنوان: «جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في تحقيق الأمن الفكري من خلال خطبه وكلماته وتوجيهاته»، وهذه الدراسة - في الحقيقة - فريدة في موضوعها فلم يسبقها رسالة علمية أكاديمية تتحدث عن جهود خادم الحرمين الشريفين في تحقيق الأمن الفكري، فقد قام خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - ببناء بنية فكرية قوية وسعى لنشر هذا المفهوم على نظام واسع في المجتمع السعودي من خلال توعيته بأهميته وحماية أفراد المجتمع عبر المؤسسات المختلفة، وهذه الدراسة تبيّن الجهد العظيم والكبير لخادم الحرمين الشريفين في تحقيق الأمن الفكري ومحاربة الإرهاب في خطبه رعاه الله وكلماته وتوجيهاته وإنسانيته النادرة الفريدة.هدفت الدراسة إلى إيضاح مفهوم الأمن الفكري وبيان أهميته وسبل تحقيقه ووسائله في المجتمع وبيان عناية الشريعة السمحة به وعظمة منزلته في الإسلام سواء الأمن الجنائي والذي يُعنى بالضرورات الخمس (الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال)، أو الأمن الوطني والذي يقصد به أمن الدولة في عناصرها الأساسية (الشعب والأرض والسيادة ونظام الحكم) وبيّنت الدراسة ضوابط الأمن الفكري وهي: التمسّك بتطبيق الشريعة الإسلامية والمحافظة على مقاصدها وإقامة حدودها وعدم الالتفات لما يثار من شبهات حول تطبيقها، ومن الضوابط كذلك التذكير بوجوب السمع والطاعة لولي الأمر في المعروف وهذا أصل من أصول الواجبات الدينية حتى أدرجها الأئمة في جملة العقائد الإيمانية سعياً بها لتحقيق الأمن الفكري، ومن الضوابط التي ذكرها الباحث: التزام الوسطية والاعتدال والابتعاد عن الإفراط والتفريط في الدين وفق فهم سلف الأمة، وكذلك: مراعاة التلازم بين نصيحة ولي الأمر والدعاء له، ومن الضوابط: الحث على التماسك والتعاون على البر والتقوى بين المواطنين والابتعاد عن النزاع والتمزق والانقسام.

وقد ذكر الباحث في أطروحته مظاهر الانحراف الفكري وتمثّلت في التعصب للرأي والغلظة والتشدّد في غير موضعه وسوء الظن بالناس والسقوط في هاوية التكفير، وكل هذا نتاج الغلو والتطرف والإعجاب بالرأي والتمسّك بالأفكار الخاطئة والتقليد الأعمى.وقد رصد د.غازي الجهني جهود خادم الحرمين - يحفظه الله - حين استشعر الأخطار التي تواجه المجتمع والتحدّيات الثقافية والاجتماعية والأمنية التي برزت فيه، فعمل على الإصلاح وفق رؤية ثاقبة باعتبار الإصلاح مصلحة عليا للدين والوطن، وعمل جاهداً على ترسيخ مفهوم الأمن الفكري وتحقيق مضامينه في المجتمع السعودي من خلال:

أولاً: غرس العقيدة الصحيحة، فقد قال خادم الحرمين الشريفين في المؤتمر العالمي لرابطة العالم الإسلامي 1432هـ: «... وعليكم بالعقيدة، عقيدة الإسلام الصحيح، عقيدة المحبة، عقيدة الوفاء، عقيدة الإخلاص، عقيدة الإيمان والعقيدة الإسلامية، هذا هو الإسلام»، وفي تحقيق الوسطية والاعتدال في المجتمع السعودي وعدم الغلو ونشر الوعي بين أفراده كانت لخادم الحرمين جهود أكّد من خلالها على هذه القيم وتفعيلها، ففي الوسطية يقول -رعاه الله-: إن المرحلة الراهنة تقتضي تضافر الجهود لإيجاد إستراتيجية وطنية تمكن الشباب من التعرف على الطريق الصحيح نحو العمل والتنمية وتُنير عقولهم بقيم الوسطية والتسامح والإخاء الذي يدعو لها ديننا الإسلامي الحنيف. لقد قام خادم الحرمين بجهود لتوعية المجتمع من خلال الخطط والبرامج التي أصبحت نموذجاً يحتذى في كثير من دول العالم ومن تلك الجهود: المؤتمرات والدورات والدروس والقيام بمؤتمر للحوار بين أتباع الأديان وفتح المنابر الثقافية والإعلامية وإفساح المجال للعلماء والدعاة لسد ثغرة التوجيه حتى لا يتصدر للأمر من ليس أهلاً له وإزالته للحاجز النفسي بين الحكومة والعلماء والدعاة، ومن الجهود في هذا تشجيعه على تأليف الكتب التي تناقش القضايا والأفكار بأسلوب دعوي رفيق.

ثانياً: علاقة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم، وقد وعت سياسة خادم الحرمين أن الإسلام رسالة عالمية ولم يكن في يوم من الأيام محدوداً بحواجز جغرافية أو سياسية أو لغوية وحرصت على تفعيل إبلاغ هذه الرسالة في إطارات التعامل مع غير المسلمين بأساليب مختلفة جذابة للدخول في الإسلام ومن جهوده -حفظه الله- في ذلك رعايته وإشرافه على فعاليات المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار بقصر الصفا في مكة المكرمة 1429هـ، ثم انعقد مؤتمر مدريد 2008م، وهو المؤتمر العالمي للحوار والذي ضم ممثلين عن جميع الأديان الرئيسية وقد تضمن إعلان مدريد احترام كرامة البشر والاهتمام بحقوق الإنسان وتعزيز السلام والوفاء بالعهود والمواثيق وحماية حق الشعوب في الأمن والحرية وتقرير المصير، ومن جهوده في هذا أيضاً تأسيس كراسي للدراسات في العديد من الجامعات العالمية.

ثالثاً: توجيهه -رعاه الله- لمؤسسات التنشئة الاجتماعية (الأسرة، التربية والتعليم، المؤسسات الدينية، الإعلام، الجهات القضائية والأمنية)، فقد حرص -رعاه الله- على الأسرة وتماسكها وعلى رعاية الأيتام وكفالتهم من خلال المؤسسات التربوية والإيوائية لهم، واهتم بالمرأة وقال: إن المرأة تحمل مسؤولية أكثر من واجب، أن تحافظ على استقرار المجتمع وأن تسهم في بناء اقتصاد الوطن. وقد عزّز خادم الحرمين الشريفين بتوجيهاته دور التعليم وأهمية العمل وفق نظام التعليم الذي ينبثق من تعاليم الدين الحنيف ووجّه الجهات التعليمية لمحاربة كل ما يقوض الأمن الفكري ويشيع الفوضى الفكرية التي تؤدي للإرهاب وعمليات العنف ضد المجتمع والوطن وقد اتخذت توجيهاته منحيين الوقائي بتثقيف النشء ثقافة وسطية أصيلة وعلاجي هدفه التعامل مع من وقع في فخ الانحراف الفكري، وهذه التوجيهات تقصد المناهج التعليمية ودورها في غرس حب الوطن والانتماء والولاء له وإظهار وسطية الإسلام واعتداله وكذلك اختيار القائمين على التربية والتعليم من ذوي الكفاية العلمية والتربوية والفنية والخلق الإسلامي النبيل كون المعلم قدوة لطلابه في تنشئتهم على الحوار والتعبير عن آرائهم وأفكارهم. وفي مجال الإعلام كانت جهود خادم الحرمين الشريفين جبّارة توجيهاً وسناً للقوانين من خلال المؤسسات والآليات الإعلامية والثقافية وحث القائمين عليها بخلق الإبداع وتمييز الحق من الباطل دون مغالاة أو تفريط، يقول -حفظه الله- في كلمة للإعلاميين: وهدفكم ليس فيه شكّ، أنا لا أشكّ فيه ولا أحد يشك فيه، إن الوطن، الوطن فوق كل شيء، وشعبكم لا يريد أن يبدر منكم إلا كلمة طيبة.

وفي مجال الأمن والقضاء فقد تحرّكت جهوده -حفظه الله- في فرض وتطبيق قوانين وأحكام وفق فتاوى هيئة كبار العلماء تتصدى للإرهاب وأهله.

رابعاً: حماية المجتمع السعودي من الأفكار المنحرفة وقاية وعلاجاً. وقد تنوّعت جهوده -يحفظه الله- في الوقاية من الانحراف الفكري فمنها إقامة المؤتمرات وتأسيس كراسي البحث ككرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز لدراسات الأمن الفكري والمشاركات في الفعاليات العلمية والتوعوية، وفي جانب العلاج اهتم -رعاه الله- بالعلم والتعليم والحث على الدعوة إلى الله على بصيرة من خلال دعم المؤسسات الخيرية التي تحتضن الشباب والمؤسسات الدعوية العلمية والخيرية الصحية والدعوة للحوار مع الأديان، وكذلك جهوده في المناصحة ونشر المساواة وإشاعة أدب الخلاف ومن أجل هذا وذاك أنشأ مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وفي جانب العلاج أيضاً، المواجهات العسكرية الأمنية والتي تتصدى لكل ضال ومنحرف وقد أفشلت الكثير من المخططات الإرهابية بفضل من الله ثم بفضل الإستراتيجية الأمنية التي رسمها القائد ونفّذتها الأجهزة الأمنية باقتدار كما تمت المواجهة لهذا الفكر الضال بالفكر المعتدل الذي يستنير بعقيدة صافية وإيمان راسخ وولاء للقيادة وهو نهج فريد وجّه به قائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين فكان إنشاء مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية ونجح عبر كفاءات متميزة من المختصين في كشف الشبهات وتوضيح المنزلقات الفكرية التي يتبناها أصحاب الفكر المنحرف والذي يقود للإرهاب ويقوض الأمن، كما جنّدت الدولة المواطنين وحشدتهم بالمكافآت المالية لمن يدلي بمعلومات تحفظ الأمن.

خامساً: كلماته وخطبه -يحفظه الله- هي صمام الأمان الأول، وقد تنوّعت كلمات خادم الحرمين الشريفين وخطبه حول تحقيق مضامين الأمن وإرساء دعائمه وجاءت في إطارات عدة ومنها خطاب الشكر والتقدير لسماحة المفتي رداً على خطاب سماحته المرفق به قرار هيئة كبار العلماء المتضمن تجريم تمويل الإرهاب لما فيه من الإفساد وزعزعة الأمن والجناية على الأنفس والأموال والممتلكات الخاصة والعامة، وجاء في خطبة وجّهها في افتتاح المؤتمر الأول للأمن الفكري «المفاهيم والتحدّيات» الذي ينظِّمه كرسي الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري بجامعة الملك سعود: لقد أصبح الأمن الفكري في واقعنا المعاصر إحدى الركائز الأساسية لكيان الأمة كما لم تعد المخاطر المهدّدة له مجرد تنظير أو توقعات بل باتت حقيقة تستوجب مواجهتها الإلمام الواسع والدقيق بها ووضع الخطط والإستراتيجيات العلمية للتعامل معها والحد من آثارها وتأثيراتها الآنية والمستقبلية.

سادساً: عمل خادم الحرمين الشريفين على إرساء دعائم التقدم العلمي والحضاري والاقتصادي في المجتمع. من خلال وضع السياسات التي تعزّز التقدم العلمي وتشجيع ومكافأة ذوي الكفاءات والإنجازات العلمية والحضارية وكل من يساهم في تحقيق الأمن الفكري وبناء المجتمع والتقدم العلمي والحضاري وإكرام وتقدير الجهود والإنتاجيات وبراءات الاختراع والإبداعات المثمرة وتفعيل وتنشيط المواهب والقدرات البناءة والطاقات البشرية، فاستحدث برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، وافتتحت المزيد من الجامعات واعتمدت مشاريع المدن الجامعية، وبجهوده -رعاه الله- تشهد البلاد المزيد من المنجزات التنموية العملاقة على امتداد الوطن في مختلف القطاعات التعليمية والصحية والنقل والمواصلات والصناعة والكهرباء والمياه والزراعة والاقتصاد.

ولا تزال هذه البلاد بعون من الله يداً واحدة حكومة وشعباً ضد من يخل بالأمن وينشر الفكر المنحرف ويضل الناس عن عقيدتهم الصافية وتعاليم دينهم القويم، ويحدث الفوضى الفكرية في عقول النشء ويحرضهم على ولاة الأمر ويسعى في البلاد فساداً.

إننا ولله الحمد والمنّة لنفخر ببيعتنا وندين بالولاء والسمع والطاعة لولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز آل سعود، ونحبهم ويحبوننا وندعو لهم ويدعون لنا على منهاج النبوة وعلى المحجة البيضاء ليلها كنهارها، ولن نزيغ عنها بحول الله.

سعد بن دخيل الدخيل - ثرمداء

sdokhail@gmail.com