Monday 16/06/2014 Issue 15236 الأثنين 18 شعبان 1435 العدد
16-06-2014

مرحلية التخطيط لإسقاط الأنظمة الشرعية

يقول سيد قطب: «... لعلك تبينت مما أسلفنا آنفاً أن غاية الجهاد في الإسلام هي هدم بنيان النظم المناقضة لمبادئه وإقامة حكومة مؤسسة على قواعد الإسلام في مكانها واستبدالها بها.. وهذه مهمة إحداث انقلاب إسلامي عام - غير منحصر في قطر دون قطر بل مما يريده الإسلام ويضعه نصب عينيه أن يحدث هذا الانقلاب الشامل في جميع أنحاء المعمورة، هذه غايته العليا ومقصده الأسمى الذي يطمح إليه ببصره إلا أنه لا مندوحة للمسلمين أو أعضاء الحزب الإسلامي عن الشروع في مهمتهم بإحداث الانقلاب المنشود والسعي وراء تغيير نظم الحكم في بلادهم التي يسكنونها» المرجع في ظلال القرآن سيد قطب ج3/ص1451 طبعة دار الشروق.

هكذا ينظر ويؤصل أحد كبار مؤسسي التنظيم السري العالمي للإخوان المسلمين لأتباعه، مؤكداً لهم ضرورة إحداث ثورة عارمة وانقلاب عام على جميع الأنظمة الجاهلية السائدة وجميع الأنظمة السائدة في نظر قطب جاهلية دون استثناء تجب إزالتها واستبدالها بحكومة إسلامية كجيل الصحابة وقد اعتمد خريجو هذه المدرسة القطبية في جميع أنحاء العالم هذا التوجيه القطبي الكريم وكأنه وحي يُوحى {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}، ولأن إحداث انقلاب عام يحتاج ويتطلب من التخطيط والمرحلية أعلى درجاتها فقد نجح قيادات هذا الفكر في تجاوز غالب المراحل للوصول للمرحلة الأخيرة في عدد من الدول العربية والخليجية، ولعلي من المناسب ذكر هذه المراحل إيجازاً ليتبين القارئ الكريم مدى خطورة هذا التنظيم والذي اعتمد وفي بعض من مجتمعاتنا الخليجية مسميات أخرى موهمة كالصحوة الإسلامية وغيرها من المسميات:

المرحلة الأولى: مرحلة التأسيس الهادئ لتكوين الطبقة القيادية الأولى إذا علم أن تنفيذ هذه المرحلة يتم في غاية السرية والهدوء والتكتم الشديد، وأنه ليس فيها أنشطة علنية ظاهرة ولا حركة محسوسة تلفت الأنظار فإنه لا يمكن اكتشافه في هذه المرحلة إلا أن يقع مثل ما وقع في مصر أيام جمال عبد الناصر، حيث اكتشف التنظيم بقدرة الله عز وجل واعترف قياديوه تحت التعذيب بالفكر ورموزه.

المرحلة الثانية: ممارسة التنظيم للأنشطة العلنية بعد نجاح مرحلة التأسيس، وقد انتهى التنظيم من تطبيق هذه المرحلة في بعض دول الخليج وتقوم هذه المرحلة على عدة أهداف هي:

1/ تكوين جيل منفذ يرابط أفراده في قطاعات المجتمع المختلفة، وهذا التغلغل في القطاعات يشمل حتى الجهات الأمنية يقول صاحب كتاب الإخوان وعبد الناصر: (بدأ التفكير في هذه الفترة في إدخال بعض الإخوان كضباط في القوات المسلحة، وقد تم فعلاً إدخال عدد للكلية الحربية وتم تخريجهم وتوزيعهم على بعض أسلحة الجيش...).

2/ استقطاب عناصر التأثير في المجتمع ليصب نشاطهم في نشاط التنظيم ويزيدوه ثقلاً ويساهموا في انتشاره ولا أدل على ذلك من اجتياح الإخوان للانتخابات البلدية التي أقيمت 1426هـ واكتساحها عدداً كبيراً من الأصوات في جميع المناطق.

3/ ومن الأهداف الرئيسية محاولة كسب المؤسسات الدينية لصالح التنظيم وتفادي الصدام مع علمائها الذين لهم رصيد جماهيري واسع مع محاولة احتوائهم على أقل تقدير أو تخديرهم أو تحييدهم.. يقول يوسف القرضاوي: (ومما يجب على الحركة الإسلامية أن تعيه جيداً وتعمل له في المرحلة القادمة أن تحاول كسب المؤسسات الدينية التقليدية إلى جانبها... وأن تجعل من أهدافها الأساسية وفي خططها الرئيسية التغلغل في قلب هذه المؤسسة بأفكارها وأبنائها وغزوها من الداخل وبهذا يتحقق جملة من المكاسب القيمة منها:

1/ تفادي الصدام برجال المؤسسة الذين لا يزال لكثير منهم رصيد لدى الجماهير المسلمة ويملكون التشويش على الحركة وتشويه صورتها في أذهان العوام وأشباههم بالحق أو الباطل خصوصاً من باع منهم نفسه لخدمة السلطان مما يعوق سير الحركة...)

2/ الأمل في إصلاح هذه المؤسسة الهامة لتقوم بمهمتها الأصيلة والكبيرة في تعليم الإسلام الصحيح والدعوة إليه خالصاً بلا شركة شاملاً بلا تجزئة نقياً بلا ابتداع متكاملاً بلا زيادة ولا نقصان وتحييدها من أن تكون أداة بأيدي سلاطين الجور وعملاء الصليبية والشيوعية..

3/ الاستفادة مما لدى هذه المؤسسة من إمكانات التغلغل والتأثير في الشعوب للتوعية بقضايا الإسلام الكبرى ومآسي المسلمين في العالم......

4/ إسقاط أعذار الحكومات التي تتهرب من تحكيم الشريعة وتبني منهج الإسلام لتوجيه الحياة وقيادة المجتمع والتي تتوكأ على فتاوى بعض الضعفاء والمستغفلين من رجال المؤسسة الدينية الرسمية وإضفاء الشرعية الدينية على مطالب الحركة الإسلامية وسعيها في إقامة دولة تحكم بما أنزل الله...).

وقد نجح التنظيم في تطبيق هذه الخطط على النحو التالي:

كسب المؤسسات الدينية لصالح التنظيم كالجامعات والكليات والمعاهد الشرعية.

وهذا من أعظم أهدافهم التي تحققت وإليك بيان ذلك:

في السنوات الأخيرة تمكن الحزبيون من أتباع التنظيم السري وغيره التغلغل في الجامعات وغيرها من صروح العلم والمعرفة والسيطرة على أغلب مراكز الثقل والتأثير فيها - إدارة وتوجيهاً - فاستطاعوا الوصول إلى المناصب الحساسة من رئاسة العمادات والكليات والأقسام المختلفة وبسطوا نفوذهم فيها حتى استأثروا على حساب السلفيين أهل الولاء بأغلب الترقيات والترشيحات الإدارية والعلمية.

ومن آثار هذه السيطرة التحكم في قبول الطلبة المستجدين وقبول طلاب الدراسات العليا في بعض الجامعات ففي قبول هؤلاء تشكّل لجان مقابلة غالب أعضائها من المنتمين للتنظيم وتوجه للمتقدم بعض الأسئلة لكشف توجهه وميوله الفكري مثل رأيه في الداعية الفلاني، وماذا يستمع من الأشرطة؟.. وما هو رأيه في الجماعات الإسلامية.. وماذا يقرأ من المجلات؟.

فإن ظهر ومن خلال المقابلة ميول المتقدم ممن لا يؤمن بفكرهم ويعتقد وجوب البيعة لإمام المسلمين ووجوب السمع والطاعة له بالمعروف، وبمعنى آخر على منهج السلف الصالح في التعامل مع الولاة كان أبعد من القبول حتى ولو كانت درجاته عالية وإجاباته على الأسئلة المنهجية تؤهله حسب الأنظمة واللوائح، وأما إذا اتضح من خلال إجاباته ولاؤه للتنظيم الحركي السائد في الساحة وتأييده لقادة الصحوة - كما يسمونهم - فإن القبول والموافقة ستصدر في حقه غالباً.

من أهداف التنظيم في هذه المرحلة كسب عناصر التأثير في المجتمعات من دكاترة وأساتذة وخطباء ومحاضرين، وكذلك كسب خيار المجتمع وأشرافه من أبناء العلماء وأبناء القبائل وأمرائها وأبناء الأغنياء والوجهاء والمسئولين.

كذلك من أهداف هذه المرحلة احتواء العلماء الذين لهم شعبية ولهم كلمة مسموعة ومحاولة التأثير عليهم وكسبهم لصف التنظيم أو تحييدهم على أقل تقدير شعروا بذلك أم لم يشعروا.

تكوين وبناء حكومة ظل (مخفية) داخل الحكومة الموجودة تخدم مصالح التنظيم المتفرقة وإعداد خبراء من ذوي المستوى التخصصي العالي الذين يصلحون لإدارة أكبر الإدارات والمرافق الاقتصادية والصناعية وغيرها تمهيداً لتوليهم المهام الحساسة داخل الحكومة الحالية ليكونوا رجال الدولة الإسلامية الجديدة التي ستقوم!!!.

المرحلة الثالثة: مرحلة التصعيد وهي ما قبل الصراع والمواجهة مع الحكام باستخدام وسائل علنية إعلامية وهي الآن مطبقة على أرض الواقع وهذه المرحلة يعضدها التنظيم بعدة أنشطة منها بث البلغاء والخطباء ومنها طبع رسائل صغيرة بعشرات الألوف وتوزيعها مجاناً بعضها بأسماء الحركة وبعضها بأسماء دعاة من التنظيم من أهل البلد، وذلك لإحداث فورة عند المجتمع يستغلها التنظيم في إتمام هذه المرحلة، ومنها استثمار أشرطة الكاسيت واستغلال أجهزة الفيديو وإصدار صحيفة حركية إسلامية سياسية جامعة، وإذا تعرضت هذه الصحيفة للاضطهاد تلجأ الصحيفة لنشرها سراً.. وقد ظهرت هذه المجلة إلى حيز الوجود وانتشرت في الداخل عن طريق التصوير وهي مجلة السنّة كما يسمونها بذلك زوراً وتدليساً والتي تصدر بإشراف محمد سرور زين العابدين وقد تنبهت السلطات لخطورتها فمُنعت من الدخول في الحال، وتم استبدال اسمها فقط لتحمل اسم مجلة البيان ومشرفها هو هو وفكرها هو فكر مجلة السنّة.

ومنها التركيز على أهل الأرياف والبوادي والتركيز على الناشئة والتركيز على النساء وإدخالهن في التنظيم وضرورة الحصول على أموال طائلة لسد احتياجات التنظيم وذلك بعدة طرق منها استغلال أموال التبرعات وضرورة استغلال حلقات تحفيظ القرآن الكريم ولجان التوعية في المرافق الحكومية وتشجيع الأنشطة الحكومية التي لا تتعارض مع مصالح التنظيم وأهدافه وإظهار جمعيات علنية لاستقطاب الجماهير.

المرحلة الرابعة: المواجهة العلنية الصريحة مع الحكومة بممارسة أساليب الضغط السياسي والتنظيم الآن ماضٍ في تنفيذها على قدم وساق وملخصها إعلان مجموعة متواصلة من المواقف الناقدة للحاكم القائم ورفض الواقع الموجود ودعوة الناس للرفض ووضع برامج إصلاحية يتولى تنفيذها الدعاة أنفسهم ومع المفاصلة التامة مع الحكومة والاتجاه للشعب للتأثير عليه وكسبه في صف التنظيم.

بدأ التنظيم في التمهيد لهذه المرحلة منذ زمن ولكن كثّف نشاطه أثناء أزمة الخليج، ومن ذلك مطالبة أحد كبار قيادييهم نقد بعض مواقف الدولة الداخلية وبعض أعمال وزرائها ومسئوليها ومطالبته المجتمع بمناصحة المسئولين وحثّ من له صلة بأي موضوع أن يتدخل فيه بنوع من التغيير والإصلاح - حسب زعمه - وظهر هذا النشاط في أشرطته التي تحمل سلسلة شرح العقيدة الطحاوية في الجزء الثاني من كل درس وبعد احتلال الكويت وإعلان ولاة الأمر الاستعانة بالقوات الأجنبية لرد اعتداء استناداً لفتوى كبار العلماء بدأت هذه المواجهة تظهر أكثر من ذي قبل وتقوى تدريجياً.

ومارس التنظيم سياسة التصعيد في المواجهة حتى أعلن لجنة الدفاع عن الحقوق المشروعة، وقد يبدو لأول وهلة أن عنوان اللجنة ليس له علاقة بالتصعيد السياسي بينما هو في الحقيقة اختيار سياسي ذكي كما صرح به د. سعد الفقيه.

المرحلة الخامسة: الاستيلاء على الحكم لإقامة دولتهم الإسلامية التي تجمع كافة الأحزاب والجماعات الإسلامية كما صرح بذلك «محمد سرور زين العابدين» في مجلته «السنة» عدد (23) صفحة (31) حيث يقول: (يا إخواننا الأفاضل: عند ما تقوم دولة لأهل السنّة تعتقد بأن المسلمين حيثما كانوا جسداً واحداً وتعتبر الدعاة والجماعات الإسلامية جزءاً من كيانها فلا حرج من الأخذ من مثل هذه الدولة عند الحاجة ولن نتردد في الدفاع عنها بأقلامنا وأموالنا وأرواحنا ولا في إعطاء البيعة لولي الأمر فيها)!! وجميع المراحل التي تقدمت توطئة لهذه المرحلة.

وهذه المرحلة هي حقيقة ما سُمي زوراً وبهتاناً بالربيع العربي والتي أحدثت انقلاباً عاماً في جميع الأقطار العربية التي طالها ربيعهم المشؤوم وأسقطت أنظمة قائمة على آلاف من الجثث والأشلاء، وسلّم الله من كيدهم ومكرهم وتآمرهم الحاقد خليجنا العربي العزيز، حيث يقظة وحنكة قياداته الأبطال وساسته الأشاوس ليعود مكر الإخوان وتخطيطهم المرحلي في سياسة «20» دقيقة والتي أسقط فيها نظامهم الفاشل البائس ودعم فيها النظام السياسي القدير المنصف السالم من الأحزاب والانتماءات الفكرية الدموية الحاقدة، لتعود مصرنا الحبيبة دولة شامخة وتبقى عظيمة كما كانت.

***

والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

dr.ibrahim_almutlaq@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب