Sunday 22/06/2014 Issue 15242 الأحد 24 شعبان 1435 العدد
22-06-2014

وادي النفور

الأطفال يحبون الدُمى. يجذبهم هذا المجسّم وينشّط خيالهم، ويلعب الطفل بدميته بشتى الطرق، فقد يتخيل هذا المجسم البشري صديقه فيكلمه كأنه إنسان من لحم ودم، أو قد تكون الدمية حيواناً محشياً على هيئة نمر لا ينام الطفل إلاّ بجانبه. يكبر الإنسان على هذه الأشياء فلا تظل بنفس المتعة، إلاّ إذا رأيناها بشكلٍ متطوّر مثل روبوت (إنسان آلي) معدني يتحرك بسلاسة وينفّذ أهدافاً معينة فيكون شيئاً نافعاً وشيقاً في نفس الوقت. لكن لاحظ أني قلت «معدني». لماذا استخدمتُ هذه الكلمة؟ لأنّ الروبوت لو كان يشبه البشر جداً لأثار هذا لدينا الهلع!

هذه من الحقائق الغريبة في النفسية البشرية. لو وضع شخصٌ يده على يدك لما أثار هذا لديك أي انفعال .. شيء عادي. لكن لو اكتشفتَ أن تلك اليد صناعية لربما أثار هذا لديك نوعاً من الفزع أو الاشمئزاز أو عدم الارتياح، رغم أنه ليس في الأطراف الصناعية شيء مقزز أو مخيف في حد ذاتها، وإنما هو «وادي النفور» أو «وادي الاشمئزاز». هذا اسم فرضية أتى بها عالم ياباني، وهو الاسم الذي يُطلق على ردة فعل الإنسان إذا رأى جماداً يشبه البشر إلى درجة شبه كاملة، مثل قدم صناعية، أو أصبع مطاطية، أو إنسان آلي، وتقول الفرضية إنّ الشخص إذا رأى كائناً آلياً فإنه شيء ظريف لطيف بالنسبة له، ويكون هناك نوع من الإيجابية في شعورنا نحوه، وكلما جُعِل الروبوت أكثر شبهاً بالبشر زادت الإيجابية التي نشعر بها تجاهه، فالآن غُطي المعدن بمادة مثل لون الجلد، وصارت العينان أكثر طبيعية، وهكذا، ومع كل زيادة نزيد إيجابية نحوه، إلى أن نصل إلى نقطة معينة وهي عندما يكون الروبوت يشبه البشر بشكل شبه كامل، حينها تزول الإيجابية من أنفسنا وتتحول إلى شعور غير مريح ونفور من هذا الشيء لا ندري سببه، فإذا زِيد في إنسانيته وصار يشبه البشر تماماً زال النفور ورجعت الإيجابية من جديد، وعند تمثيل هذه المشاعر على خط بياني، فإننا نرى الخط الذي يرمز لشعورنا الإيجابي يرتفع كلما صار الروبوت أكثر إنسانية، فأولاً الخط مرتفع قليلاً مع روبوت حديدي جامد الحركات، ثم يرتفع أكثر إذا كان أكثر سلاسة وأقرب للحركات البشرية وصار له رأس وأيدٍ وأرجل حديدية، فنشعر أننا أقرب له، وهكذا، فإذا جُعل أكثر إنسانية بكثير من ذلك هبط الخط كثيراً وصرنا لا نرتاح لهذا الشيء، حتى إذا صار مثل الإنسان تماماً ارتفع الخط من جديد، وهذه الانخفاضة في الخط هي «الوادي».

حاولَت بعض النظريات تفسير هذه الظاهرة، فقال أحد المختصين إنّ الروبوت إذا وصل لوادي النفور فقد تعدّى المرحلة التي ننظر له فيها أنه روبوت يشبه البشر، وصرنا الآن ننظر له – لا شعورياً – على أنه إنسان لا يشبه البشر، إنسان فيه نقصٌ مُزعج مقلق لا ندري كُنهه. البعض قال إنّ السبب هو أنّ الجمع بين أَمارات بشرية وجمادية في نفس الكائن وبنفس الدرجة من البروز، تخلق تناقضاً عقلياً يتحول إلى انزعاج نفسي. ومن التفسيرات التي تشد الانتباه، أنّ الروبوت شِبه البشري يذكّر الإنسان – بشكلٍ غير مباشر – بالموت، فهو يرى كائناً بشرياً أو شبه بشري لكنه هامد لا حياة فيه حتى لو تحرك قليلاً، وكذلك إذا رؤي الروبوت البشري وقد انتُزعت يده أو قدمه (لإصلاحها مثلاً) شابه هذا إنساناً حصل له نفس الشيء، ومن ثم الخوف على النفس من هذا المصير يجعل الرائي يشعر بالقلق والاضطراب.

أياً كان التفسير فهي ظاهرة شيقة تستحق الدراسة والتأمل، والنفسية البشرية صندوق ضخمٌ مليء بالغموض.

i.alammar.11@gmail.com

Twitter: @i_alammar

مقالات أخرى للكاتب