Tuesday 24/06/2014 Issue 15244 الثلاثاء 26 شعبان 1435 العدد
24-06-2014

جَوَاهر المَلِك وعِقد المُنشآت الرياضية

الاستثمار في قطاع الرياضة والشباب من أهم الاستثمارات التنموية ذات الأبعاد الإيجابيَّة المتشعبة. يحقِّق الإنفاق الحكومي على قطاع الرياضة عوائد كبيرة على المجتمع؛ بعضها يمكن قياسة بدقة؛ ويبقى الجزء الأكبر منها متوارياً عن أنظار العامَّة؛ ومكتمل الوضوح لدى خبراء التنمية. تُسهم الرياضة في تشكيل شخصيات النشء وتُؤثِّر فيهم بشكل لافت؛ وتحتضن الشباب؛ وتوفر لهم البيئة الآمنة لتفجير طاقاتهم؛ ورسم إبداعاتهم؛ وتشكيل أفكارهم والنأي بهم عن مزالق الحياة؛ ومنغصاتها. أجزم بأن أمر خادم الحرمين الشريفين؛ الملك عبد الله بن عبدالعزيز؛ ببناء 11 استاداً رياضياً؛ جاء متوافقًا مع رؤيته الشمولية لقطاع الرياضة والشباب؛ وحرصه على ضخ مزيد من الاستثمارات لتنمية قطاع الرياضة؛ واستكمال البنى التحتية ذات الأَهمِّيّة القصوى للشباب الذي يشكل الشريحة الأكبر من النسيج السكاني. الإنفاق على قطاع الرياضة لا يتعارض مع الإنفاق على قطاعات التنمية الأخرى؛ بل يسهم في مساندتها؛ وتحقيق التكامل فيما بينها؛ كما أنَّه لا يُستَقطَع من موازنة الخدمات الأخرى؛ لنبحث عن أولويات الإنفاق؛ بل يتم توفيره من الأرصدة المتراكمة التي يمكن أن تحقق التنمية المتوازنة في جميع القطاعات.

عانت البرازيل من الفقر المدقع؛ والأحياء العشوائية المكتظة بالسكان؛ وندرة وسائل الترفيه ما دفع بالأطفال؛ والمراهقين والشباب الشباب إلى اقتحام عالم الجريمة؛ والوقوع في مستنقع المخدرات؛ ما فرض على الحكومة؛ مراكز البحث؛ مؤسسات المجتمع المدني؛ البحث عن وسائل عملية لحماية النشء. كانت ملاعب كرة القدم ضمن الحلول الرئيسة. أصبحت الأحياء؛ برغم عشوائيتها؛ لا تخلو من ملاعب جيدة لتدريب الأطفال وإشغال أوقات فراغهم. برغم البطالة؛ والفقر وتدنِّي مستوى الخدمات؛ استثمرت البرازيل مليارات الدولارات لبناء ملاعب حديثة لكرة القدم تمهيدًا لبطولة كأس العالم التي تحتضنها حاليًّا. على النقيض مما تدعيه المعارضة الشعبية في نقدها الإنفاق على المنشآت الرياضيَّة؛ يبدو أن مجريات البطولة؛ وحجم السائحين من الخارج يُشيران إلى أن البرازيل باتت قريبة من تغطية تكاليف البناء والاستضافة.

بعد فقدان إنجلترا، مطلع القرن الحالي، فرصة تنظيم أولمبياد 2005م؛ وبطولة كأس العالم 2006م أخذ رئيس الوزراء البريطاني؛ السابق؛ توني بلير على عاتقه مسؤولية إعادة دولته إلى المشهد الرياضي العالمي، وأطلق دراسة إستراتيجية شاملة عن الوضع الرياضي فيها.

كشفت الدراسة عن بعض الأسباب الرئيسة التي حالت دون حصول إنجلترا على مركزها المستحق في المشهد الرياضي العالمي؛ ومنها ضعف الاستثمارات الحكوميَّة في البُنى التحتية الرياضيَّة، إضافة إلى التباعد بين السياسات الحكوميَّة التنموية والمختصون في الشأن الرياضي.

الرياضة ليست كما يتصورها البعض بأنها مضيعة للمال والوقت؛ بل باتت من أهم القطاعات المحققة للعوائد التنموية؛ الاستثمارية؛ الصحية؛ والفكرية؛ والقاعدة الصلبة التي ينطلق منها النشء والشباب نحو الإبداع والتميز؛ شريطة إتقان إدارتها. وأصبحت هدفًا لمن أراد التأثير الفكري على الشباب؛ وحشد الرأي العام وتوجيهه؛ من خلال السيطرة على عقود نقل المناسبات الرياضيَّة المهمة؛ كما أنها من أهم مفاتيح التنمية السياحيَّة.

أعتقد أن استاد «الجوهرة» كان بداية الخير الرياضي لمناطق المملكة التي استقبلت أمر خادم الحرمين الشريفين بإنشاء 11 استادًا بسرور بالغ؛ ودعوات صادقة. أحسب أن استكمال جواهِر عِقد المنشآت الرياضيَّة يحقِّق العدالة التنموية بين المناطق؛ ويسهم في استكمال المنشآت الرياضيَّة التي ستكون لبنة مهمة من لبنات البناء؛ وداعمًا أساسيًّا لاستضافة المملكة للبطولات العالميَّة؛ وخطوة استباقية للاستثمار الرياضي.

كل ما أتمناه أن تُنفذ الاستادات الرياضيَّة بحسب النماذج والمواصفات والجودة العالميَّة؛ أسوة بالجوهرة؛ وتنفيذًا للأمر الملكي؛ وأن تدار منظومتها وفق آلية استثمارية مستقلة؛ وبما يسمح لها بتوفير تكاليف الصيانة؛ والتشغيل بشكل مستقل عن مخصصات موازنة رعاية الشباب؛ وأن تحظى بإدارة مستقلة لضمان جودتها؛ وسلامتها؛ وكفاءتها على مرِّ السنين.

f.albuainain@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب