Tuesday 24/06/2014 Issue 15244 الثلاثاء 26 شعبان 1435 العدد

النشاط الطلابي والتأثير السلوكي

حمود بن سرهيد الفداع

قد يعتقد كثير من الناس أن النشاط الطلابي الذي يمارس في مدارسنا هو مجرد فرص ترفيهية لقضاء وقت ممتع بين حصص التعليم وقد يبرر هذا الاعتقاد ممارسات العاملين في هذا المجال من المعلمين ورواد النشاط؛ إذ قد تخلو الأنشطة الطلابية من التخطيط المسبق ووضع الفقرات الهادفة التي يكون لها مردود تربوي ونفسي وبدني على أبنائنا الطلاب وقبل هذا وذاك مردودا سلوكيا ينعكس على شخصية الطالب بمختلف مراحله الدراسية ووفق سنه وإمكاناته.

لقد أثبت النشاط الطلابي أنه من أرقى الوسائل المعينة على تقويم سلوك الطلاب ويؤكد ذلك تجارب حية لمعلمين كثر عبر تاريخ التعليم، ولعلي في هذا المقام أستأذن أستاذي الدكتور فوزي بنجر أستاذ التربية في جامعة أم القرى - حفظه الله-، لأنقل تجربته في هذا الشأن حينما كان في التعليم العام وفي أوائل سنوات تعيينه في إحدى محافظات المنطقة الوسطى في أوائل التسعينيات الهجرية، حدثني يقول: عينت في إحدى المدارس الابتدائية وحينما أتيت لأباشر عملي في المدرسة فرح مديرها وكان السعودي الوحيد بالمدرسة وطلب مني حالا أن أتسلم إدارة المدرسة لينتقل إلى بلد آخر، وقد وعد من قبل إدارة التعليم أنه ينقل في حال أتى للمدرسة معلم سعودي ورغم أنني حديث التعيين والتخرج إلا أنني أمام إصراره قبلت وتسلمت قيادة المدرسة ثم اتضح لي أن فوضى عارمة تكتنف المدرسة تعبر عن وجود فجوة عميقة بين المعلمين والطلاب؛ مما أعيا المدير السابق أن يوائم بين طلابه ومعلميه أو أن يوجد جوا تربويا في ظل مجموعات وتكتلات طلابية تتزعمها شخصيات متأخرة دراسيا من القرى المحيطة حتى أن من يرى بعضهم يظن أنهم معلمون وليسوا طلابا، وتشكل هذه المجموعات إزعاجا كبيرا وتمردا على الواقع التربوي مما جعل هذه المدرسة بيئة طاردة بمعنى الكلمة، الآن أستاذنا فوزي أصبح مطالبا بعمل ما لعلاج هذه الظاهرة الخطيرة في المدرسة وكان لزاما عليه أن يفكر بعلاج فعال لهذا المرض الخطير الذي يسري في جسد مدرسته، فما كان منه إلا أن استخدم النشاط وقد وفق الاختيار ونجح في الاختبار يقول: جمعت كبار الطلاب وزعاماتهم الذين لهم تأثير واضح على زملائهم وحدثتهم حديث الرجال للرجال وعرضت عليهم اختيار عدد من زملائهم للقيام برحلة نهاية الأسبوع تتحمل المدرسة تكاليفها، وينفذ تفاصيلها الطلبة بإشراف مباشر منه شخصيا ومشاركة بعض زملائه المعلمين، فما كان من هؤلاء الطلاب إلا أن انتهضوا وكل مجموعة منهم قاموا بعمل من تأمين أدوات الرحلة ولوازمها واختيار المكان ثم الشروع بممارسة الخدمة كتجهيز القهوة والطبخ وغيرها، ثم قام المدير بعمل برنامج متكامل يحتوي على ألعاب رياضية ومسابقات ثقافية واستعراض مواهب ومهارات الطلبة والمحافظة على الصلوات والآداب المرعية في الرحلة. يقول -حفظه الله- حتى رأيت في تلك الرحلة شبابا بل رجالا نجباء متميزين، عدنا من الرحلة وفي يوم السبت حضر بقية طلاب المدرسة إلى الإدارة يشكرون مديهم على هذه الرحلة وبعض الطلبة الذين لم يحالفهم الحظ يطالبون برحلة مماثلة يقول وهذا بيت القصيد، جمعت الطلبة ووعدتهم برحلات مماثلة لجميع الطلبة ومناشط مدرسية لكن شريطة احترام المعلمين جميع المعلمين والتزام الأدب أثناء اليوم الدراسي، وهكذا سارت قافلة المدرسة بقيادة هذا الرجل الحكيم مناشط تربوية متعددة واهتمام كبير بالمادة الدراسية وارتياح عام في أوساط المعلمين ونتائج جيدة، خلاف ما كانت عليه هذه المدرسة قبل ذلك، وفي نهاية العام أقيم احتفال حضره مدير التعليم نجومه هم أولئك الشباب، نعم، لقد تبدلت الحال واستقام سلوك الطلاب بتوفيق الله ثم بحكمة فوزي الذي فعل النشاط الطلابي وسخره لاستصلاح طلابه.

إن الأمثلة كثيرة والتجارب في هذا الشأن عديدة يعرفها كثير ممن عملوا في التعليم كيف أن النشاط يؤثر في السلوك لذا فإنني آمل من سمو وزير التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل - حفظه الله ورعاه ووفقه لكل خير- الرجل الحكيم والقيادي النشط الذي يسعى لتطوير التعليم وتطوير الإنسان، الذي يحرص بلا شك على أن يستقيم سلوك أبنائه الطلاب بمراحلهم المختلفة وأن يترسخ لديهم الخلق الكريم الذي حث عليه ديننا القويم كالعناية بالصلاة وطاعة الوالدين والأدب مع الكبير واحترام المعلم والعناية بمكتسبات البلد الغالي المملكة العربية السعودية والمحافظة على منجزاته، والذب والذود عنه والوفاء لولاة الأمر وفقهم الله، أن يوجه حفظه الله وفي إطار برنامج التطوير المدعوم بسخاء من لدن خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ورعاه بدعم برامج الأنشطة الطلابية بميزانيات كافية وتفريغ رواد النشاط بالمدارس ودعم تهيئة البيئة المناسبة لممارسة الأنشطة كالملاعب والصالات ومراكز التدر يب الطلابية والمسارح التربوية والمراكز العلمية والأدوات الرياضية وغير ذلك مما لا يخفى كالتشجيع على الأنشطة التي تحمل طابعا رجوليا يبعث في النفوس أخلاقيات المسلم العربي الأصيل من الشهامة والبذل والتسامي عن السفاسف والبعد عن مواطن الرذيلة والمخدرات والسلوك السيئ والتقليد الأعمى، والغلو في الدين أو التساهل والميوعة والتفريط، والتوجيه بتوفير احتياجات النشاط الطلابي ليشمل جميع المدارس في المدن والريف لمسيس حاجتهم، وفق الله سمو الوزير ورجاله المخلصين لما يحب ويرضى، ووفق أبناءنا الطلاب للنجاح والتفوق الدائم.. وإلى اللقاء.