Saturday 28/06/2014 Issue 15248 السبت 30 شعبان 1435 العدد

أبيض غامق

من علوم الحِيَل!

(1)

«من فضلك صَنْفِر عقلك» (سنفور مفكر)!!

أرى هناك وهنا في التطبيقات الملتقفة للصور, الكثير من الحسابات المهتمة بالكتب والأشخاص الذين يناقشون الكتب ويصورونها, و و... كل هذه بوادر جيدة وعلامات مهمة أفهمُ منها أننا نقرأ ونحمل وعياً ننازلُ به طوارئ الحياة, ولكن الذي لم أفهمه بعد لِمَ لم تُقوّم هذه القراءة المتواصلة نهار ليل لِمَ لم تُقوم أخطاء الإملاء الفادحة على الأقل!؟ همزة القطع والوصل مثلاً والتي مذ كنا صغاراً ونحن نتعلمها بطرق بسيطة حتى أصبحت فعلاً آلياً. النحو البدهي (البسيط) والذي ندركه بداهة أحياناً!؟ ولو عدنا للقاعدة ما استطعنا شرحها. القراءة الفاعلة هي التي تُنَبِّه كل المهارات والحواس الفطرية والمكتسبة, وتصنْفِر الذات التواقة المحبة فعلاً للجمال الرحب والمعرفة المبنية ذاتياً.

(2)

ثمة شكل من أشكال الكتابة أُعده من أقبح الأشكال, وهي الكتابة لحشو فراغ ما, أو كتابة الضجر, والثرثرة الإلكترونية وما شاكل. هذا النوع يحتم بلاغة رخيصة وخطأ في حق اللغة يؤلم وعي القارئ «حضارياً» قبل أي اعتبار! ليس من مهام الكتابة احتمال كل هذه الأثقال العبثية, لمن لا يعي ما معنى أن يكتب كتابة واعية «مُعَذِّبَة» تخضع لعمليات تشذيب حادة ومُسَخرة لرسائل واضحة في منظومة الوعي. ومعنى الكتابة خارج الوعي لمجرد رصف الكلام ولصقه بعبثية تامة, وجمعه لاحقاً في كتاب.

للكتابة وقار وهيبة لا يدركهما إلا الذي «تعذبه» هذه الكتابة.

(3)

لا أدري بما أشعر حينما أسمع أو أقرأ كلمة «هضم» في حقل معرفي ما حين يقال على سبيل البداية: «يجب عليك هضم الفكرة/ الكتاب/ المادة...» أكره هذه «الهضم» هنا وإن كانت مجازاً, فهناك ما يؤدي ببراعة فكرة الهضم هذه دون التعرض لهذا التشبيه الذي لم أحبه أبداً!! والذي قد يكون (فعلاً) بصنع هوامش صغيرة لكل كتاب, والتدريب على عادة التقاط النقاط الكبيرة, وإضاءة السطور بتقنية المُضْمَر والظاهر. بأي طريقة تتيح الاستيعاب العميق (دون حصره في كلمة)!

ينخفض غرض الكلمة الحقيقي حين يُزج بها في سياق غير ملائم. بالطبع أتحدثُ عني. وإلا فلكل امرئ ما «هضم» واستوعب!

(4)

لم أستطع الإيمان بنظرية واحدة من نظريات الترجمة بعد, وأعتبرها قاعدة ارتكاز منذ شيشرون قبل الميلاد إلى هذه النبضة. لإيماني البعيد بأن الترجمة فن تطبيقي محض. نوع من أنواع التماهي والغياب داخل النص, لبناء نص موازٍ يقف بثقة أمام النص الأصلي. لم تكن الترجمة في كل مراحل تصيُرها إجادة لغة غير اللغة الأم, ومن ثم النقل إليها، ومنها ولن تكون أبداً بهذه الآلية. هي كما يقول المترجم والكاتب فواز طرابلسي: «عملية صراعية بامتياز, يجري خلالها تطويع لغة لكي تحمل معاني وتراكيب لغة أخرى... ناهيك عن الحيل المطلوبة لتأدية لغة الكاتب المخصوصة. ومن هنا فإن الترجمة علم من علوم الحِيَل».

- نورة المطلق