Monday 30/06/2014 Issue 15250 الأثنين 02 رمضان 1435 العدد

كأس العالم ورسالته البغيضة

لندن - شاهد مليار متفرج المباراة الافتتاحية في بطولة كأس العالم لكرة القدم المقامة في ساو باولو بالبرازيل، وعند مرحلة ما خلال البطولة الممتدة لشهر كامل سينضم إليهم مئات الملايين. وبالنسبة للشركاء الستة الرئيسيين لمنظمة الفيفا وللرعاة الثمانية الرسميين للحدث، لا تقل قيمة هذا الحشد من المشاهدين عن منجم ذهب. والواقع أنهم يدفعون عشرات الملايين من الدولارات على أمل أن تحظى علاماتهم التجارية بجانب من سحر «اللعبة الجميلة» - وهو أمر وارد للغاية. وأما عن المشاهدين فالأرجح أنه أمر مزعج إلى حد كبير.

لم تكن الفترة السابقة لركلة البداية خالية من الدراما، على الأقل بالنسبة لأحد شركاء الفيفا، شركة بودوايزر، والتي اتُهِمَت بإرغام حكومة البرازيل على إبطال قانون محلي يحظر بيع المشروبات الكحولية داخل ملاعب كرة القدم. وبرغم المعارضة الواسعة النطاق لإلغاء هذا القانون، كانت منظمة الفيفا حازمة في قرارها: «المشروبات الكحولية جزء من بطولة كأس العالم لكرة القدم، لذا فسوف نسمح بها».

إن رعاية شركات مثل بودوايزر، ومكدونالدز، وكوكاكولا، والشركة العملاقة موي بارك للوجبات السريعة، تجلب الملايين من الدولارات للعبة كرة القدم. ولكن ما هي رسالتها الموجهة إلى الجماهير في مختلف أنحاء العالم؟ إن الترويج للكحوليات والمشروبات السكرية والوجبات السريعة ربما يعني أرباحاً مهولة للشركات، ولكنه يعني أيضاً صحة أسوأ للأفراد وعبئاً باهظاً تتحمله أنظمة الرعاية الصحية في بلدان العالم.

بدلاً من التركيز بشكل خاص على ميل الكحوليات إلى تأجيج العنف داخل الملاعب، فيجب على وسائل الإعلام إلقاء الضوء على الضرر الذي يلحِق بسكان العالم كل يوم نتيجة لاستهلاك الكحول والأطعمة المعالَجة. فاستهلاك مثل هذه المنتجات في زيادة مستمرة وخاصة في ظل الحملات الإعلانية العالمية التي تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات. خلال العقد الماضي، تضاعفت المبيعات العالمية من المشروبات الخفيفة؛ وارتفع نصيب الفرد في استهلاك الكحول؛ وازداد استخدام التبغ. وما يزيد الطين بلة أن أغلب هذه الزيادة يحدث في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وهي الأقل قدرة على التعامل مع الأزمة الصحية المقبلة.

ويعتبر التصنيف أحد العوامل الكامنة وراء المخاطر التي تهدد الصحة العامة. ففي العادة يجَمِّع خبراء الصحة الأمراض في فئتين: فئة الأمراض المعدية، التي ترجع غالباً إلى الإصابة بعدوى، وفئة الأمراض غير المعدية التي يندرج تحتها كل ما عدا ذلك.

وبين الأمراض غير المعدية، أربع حالات هي الأكثر إسهاماً في حدوث الوفاة المبكرة أو العجز: أمراض القلب والشرايين، وحالات الرئة المزمنة، والسرطان، ومرض السكري. في عام 2010، كانت هذه الحالات الأربع سبباً في 47% من مجمل الوفيات، ومنها تسع ملايين وفاة بين أفراد تقل أعمارهم عن ستين عاماً.

وتعكس عوامل الخطر الرئيسية المؤدية إلى هذه الحالات -تدخين التبغ، والإفراط في استهلاك الكحول، والوزن الزائد، وعدم ممارسة الرياضة البدنية بالقدر الكافي- سلوكيات غير صحية عميقة الجذور. ولأن هذه النوعية من السلوكيات هي على وجه التحديد التي تشجعها شركات مثل تلك الراعية لبطولة كأس العالم، فربما يكون «المرض الناتج عن رغبة الشركات في تحقيق الربح» هو التصنيف الأفضل للأمراض.

كثيراً ما يُعَد الاستهلاك المفرط للمشروبات الكحولية والتبغ والأطعمة المعالجة الغنية بالطاقة من «الاختيارات» الشخصية لأسلوب الحياة. ولكن محددات مثل هذه الاختيارات تكون غالباً بعيدة عن السيطرة المباشرة للفرد. والواقع أن الارتباط الوثيق بين «الأمراض الناتجة عن الرغبة في الربح» ويبن الفقر أو التمييز بين الجنسين، يشير إلى أن قوى اجتماعية أوسع تفرض ضغوطاً كبيرة على سلوكيات الأفراد التي تؤثر على الصحة.

وتتطلب معالجة الأمراض الناتجة عن الرغبة في الربح اتباع نهج جديد في التعامل مع الصحة والمنظمات المكلفة بحمايتها. فالنظام الحالي لا يعمل على تمكين الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات الفنية المعنية بإدارة الصحة لمواجهة محددات الصحة الهزيلة بفعالية. وتتمتع الشركات الكبرى بالموارد، والقوة اللازمة لممارسة الضغوط، وميزانيات الإعلان، والشبكات، وسلاسل العرض التي لا تملك الأمم المتحدة إلا أن تحلم بها.

وفي حين تتدبر منظمة الصحة العالمية أمورها بقدر شحيح من الإنفاق لا يتجاوز 2 مليار دولار سنويا، فإن صناعة التبغ تحصل نحو 35 مليار دولار من الأرباح سنوياً.

ولكن ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لتمهيد أرض الملعب وتحقيق تكافؤ الفرص؟.. قد يجيبك أي خبير في كرة القدم بأن النجاح يعتمد على العمل الجماعي. ففي المقام الأول والأخير، ينبغي للمستهلك أن يكون أفضل اطلاعاً بشأن التأثير البعيد الأمد الذي قد تخلفه منتجات الرُعاة. وعلى أية حال، تتلخص الوسيلة الأكثر فعالية لإرغام الشركات في نهاية المطاف على التغيير في الامتناع عن شراء ما تبيعه. وعندما يرفع الناس أصواتهم، ولنقل لحظر الإعلان عن بدائل حليب الأم أو المطالبة بالقدرة على الوصول إلى العقاقير المنقذة للحياة، وكثيراً ما تستجيب الشركات الكبرى إلى مثل هذه الأصوات.

وثانياً: يتعين على صناع السياسات أن يتحلوا بالواقعية. وبرغم حيز التفاؤل الذي تتيحه بكل تأكيد التكنولوجيا المتقدمة التي سوف تساعد في السيطرة على تكاليف العلاج، فالحقيقة أن علاج حصة متزايدة من سكان العالم ليس ممكناً ببساطة.

وطبقاً لتقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي فإن الأمراض الأربعة الرئيسية الناتجة عن الرغبة في الربح كلفت الاقتصاد العالمي نحو 3.75 تريليونات دولار أميركي في عام 2010، وقد أنفِق أكثر من نصف هذا المبلغ على الرعاية الطبية. وفي هذا السياق فإن إستراتيجيات الوقاية تشكل أهمية بالغة.

وثالثاً: تستطيع الشركات أن تلعب دوراً حاسماً في هذا السياق.

فبعيداً عن كونه جانباً أساسياً من المسؤولية الاجتماعية للشركات، تصب جهود الحد من الأمراض الناتجة عن الرغبة في الربح -وبالتالي ضمان صحة وإنتاجية الجيل الحالي وأجيال المستقبل- في مصلحة الشركات.

ويشكل الالتزام الطوعي بالحد من السكر في المشروبات الخفيفة والحد من مستويات الملح في الأطعمة المعالجة خطوة إيجابية؛ ولكنها ليست كافية بأي حال من الأحوال.

وأخيراً: يحتاج كل فريق ناجح إلى مدير قوي. وفي المعركة ضد الأمراض الناتجة عن الرغبة في الربح، يتعين على السلطات التنظيمية الدولية والوطنية تضطلع بهذا الدور، وتحديد وفرض قواعد اللعبة لحماية صحة الناس في مختلف أنحاء العالم.

إن بطولة كأس العالم تخلف تأثيراً اجتماعياً عميقا، بما في ذلك على الصحة العالمية. وينبغي للاتحاد الدولي لكرة القدم أن يتحمل المسؤولية عن ضمان عدم خروج مشاهدي البطولة برسالة قد تجعلهم مرضى.

كنت بيوز - سارة هوكس - كنت بيوز رئيس قسم العلاقات السياسية والإستراتيجية في برنامج الأمم المتحدة المشترك لفيروس نقص المناعة البشرية - الإيدز. سارة هوكس مُحاضِرة في معهد الصحة العالمية، وكبيرة زملاء ويلكوم ترست في مجال المشاركة العامة الدولية لدى معهد الصحة العامة التابع لجامعة كوليج لندن.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2014.

www.project-syndicate.org