Monday 30/06/2014 Issue 15250 الأثنين 02 رمضان 1435 العدد

كيف تنهي تمرداً

عندما حملت جبهة تحرير مورو الإسلامية - وهي حركة تنشط في حرب العصابات- السلاح في الفلبين في ستينات القرن الماضي لم يكن فرديناند ماركوس رئيساً، ناهيك عن كونه دكتاتوراً، وبالرغم من التحولات السياسية العديدة للبلاد في النصف الثاني من القرن الماضي فإن حملة جبهة تحرير مورو الإسلامية لتحقيق الاستقلال لشعب بانجسامورو والذي تشمل مناطقة بحسب ادعائهم جزر سولو وميندناو وبالاوان وساباه استمرت حتى جاء الرئيس بينينو أكينو الثالث وصمم على تغيير ذلك.

لم يردع جبهة تحرير مورو الإسلامية الإطاحة الشعبية بدكتاتورية ماركوس والتي استمرت لعشرين عاماً سنة 1986 بعد اغتيال قائد المعارضة بينينو أكينو الابن، كما أن إقامة الديمقراطية والتي أصحبت الآن راسخة بعمق لم تلهم قادة المجموعة على إعادة النظر في مقاربتهم، واستمرت جبهة تحرير مورو الإسلامية في انخراطها في حملة للحصول على الاستقلال.

لقد تمكن أكينو في يناير الماضي من التوصل إلى اتفاق تاريخي والذي وضع أخيراً حداً لمعاناة مانداناو. إن هذا الاتفاق يشكل أحد أروع الإنجازات فيما يتعلق بصنع السلام في آسيا منذ الحرب العالمية الثانية، وهو اتفاق يستحق على أقل تقدير التقدير العالمي نفسه الذي حصل عليه الرئيس الفنلندي السابق والحائز على جائزة نوبل للسلام سنة 2008 مارتي اهتيساري على دورة في التوسط لتحقيق السلام في اتشي - إندونيسيا سنة 2005، وفي واقع الأمر إذا أخذنا بعين الاعتبار المخاطر الأمنية والسياسية الكبيرة والتي جازف بها أكينو من أجل تحقيق اتفاق السلام مع جبهة تحرير مورو الإسلامية، فإن من الممكن أن يكون أكثر استحقاقاً لجائزة نوبل.

إن مقاربة أكينو للمفاوضات عكست إقراره بأن جبهة تحرير مورو الإسلامية قد استخدمت محادثات السلام مرتين - إحداها كانت بوساطة العقيد الليبي معمر القذافي- كخدعة من أجل شراء الوقت حتى يتسنى لها إعادة تجميع قواتها وجمع الأموال (بما في ذلك من القاعدة)، ومع وجود تزويد جديد لترساناتها فإن من الممكن أن يعيدوا إطلاق حملتهم من أجل الاستيلاء على منداناو بالقوة.

على هذه الخلفية فلم يكن من المفاجئ أن الفلبينيين كانوا متشككين للغاية عندما قام أكينو بإعادة إطلاق محادثات السلام المتوقفة سنة 2012، ولكن مع مرور الوقت اكتسب هذا الجهد المصداقية، وبالرغم من أنه ما تزال هناك أسئلة عن إمكانية صمود اتفاق السلام هذا علماً أن نزع السلاح بشكل كامل لم يحصل بعد، فإن الحكم الذاتي السياسي الذي تم منحه للمناطق المسلمة من البلاد يبدو أنه أقنع معظم مقاتلي جبهة تحرير مورو الإسلامية بأن الوقت قد حان لإنهاء المجازر.

بالنسبة لسكان منداناو فإن هذا التطور سوف يغير حياتهم، وخلال الأشهر القليلة الماضية منذ التوصل إلى اتفاق السلام تدفقت الاستثمارات الفلبينية والأجنبية على الجزيرة، ومع وجود نصف سكان منداناو يعيشون تحت خط الفقر فإن هذه الأموال مهمة للغاية.

لكن مزايا قيادة أكينو ليست مقتصرة على منداناو، فلقد تميزت فترة رئاسته والتي بدأت سنة 2010 بالإبداع والإصرار مما جعل السلام مع جبهة تحرير مورو الإسلامية ممكناً.

بينما تحدث القادة الفلبينيون الآخرون بما في ذلك والدة أكينو كورازون أكينو والتي كانت الرئيسة المنتخبة بعد الإطاحة بماركوس ضد الفساد قام أكينو بمهاجمة الفساد من جذوره، فلقد جلب لمواجهة العدالة ليس فقط المجرمين الصغار أو «الذباب» وهو الاسم الذي كان يطلقه الرئيس الصيني شي جينبينج على هولاء الناس ولكن أيضاً «النمور» مثل عضو مجلس الشيوخ خوان بونس انريلي والذي ساعد على الإطاحة بماركوس وتولي كورازون أكينو مهام السلطة قبل عقدين من الزمان وكنتيجة لذلك تمكنت الفلبين وبشكل دراماتيكي من تحسين مرتبتها في المؤشر السنوي للشفافية الدولية والمتعلق بالفساد حيث انتقلت من المرتبة 134 بالتساوي مع نيجيريا سنة 2010 إلى المرتبة 94 بالتساوي مع الهند في العام الماضي.

إن جهود أكينو لمكافحة الفساد وإعادة بناء الأسس الاقتصادية لبلاده قد مكنت الفلبين أخيراً من أن تصبح أسرع اقتصاد نمواً في جنوب شرق آسيا بنسبة نمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي وصلت إلى 7.2 % في العام الماضي وبينما من المتوقع أن يتباطأ النمو قليلاً ليصل إلى 6.5% فإن الفلبين قد أصبحت تعد الآن من اقتصادات النمور الآسيوية.

بالطبع ما يزال أمامها طريق طويل فهناك حوالي 10 ملايين فلبيني أي ربع القوى العاملة مجبرون للسعي للحصول على وظائف في خارج البلاد بسبب الفرص غير الكافية في بلدهم، ولو تمكنت الفلبين من اجتذاب استثمارات كافية من أجل تحقيق مستوى من المعيشة مشابه لمستوى المعيشة في ماليزيا وتايلند فإنه يتوجب على أكينو أن يواصل جهوده من أجل فتح الاقتصاد وكبح جماح الفساد. ولحسن الحظ فإنه يبدو مصمماً على عمل ذلك.

لقد تميزت السياسة الخارجيه لأكينو بالتصميم نفسه، حيث يبدو ذلك جلياً في رغبته بالوقوف في وجه الأطماع الإقليمية للصين في بحر الصين الجنوبي، فالفلبين حالياً تتحدى مطالبات الصين أمام محكمة التحكيم الدولية مستخدمة أحكاماً من ميثاق الأمم المتحدة لقانون البحار.

إن من المؤكد أن نقد أكينو الشديد للسياسات التوسعية الصينية لم تقربه للصينيين، ولكن القوى الإقليمية مثل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان قد دعمت موقفه، حيث وعدت اليابان بتسليم معدات متطورة لخفر السواحل الفلبيني، ومما لا شك فيه أن الشعب الفلبيني يقدرون تصميمه على حماية مصالحهم.

إن نجاح أكينو في إنهاء ثورة جبهة تحرير مورو الإسلامية والتي استمرت لعقود بطريقة سلمية يعكس شجاعة وتصميماً مما سوف يمكنه من لعب دور كبير في تحجيم الطموحات الإقليميه الصينية، وكما أن براعة داوود جعلته على عكس كل التوقعات يهزم جالوت، فإن قيادة أكينو الجريئة والمدروسة يمكن أن تنجح في أن تطيح بالصين من بروجها العالية مما سوف يعزز من الاستقرار والأمن في آسيا.

يوريكو كويكي عملت سابقاً كوزيرة للدفاع وكمستشارة للأمن القومي في اليابان، كما عملت سابقاً رئيسة للمجلس العام للحزب الليبرالي الديمقراطي الياباني، وهي عضوة حالياً في البرلمان الياباني.

طوكيو - يوريكو كويكي

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2014.

www.project-syndicate.org