Saturday 05/07/2014 Issue 15255 السبت 07 رمضان 1435 العدد
05-07-2014

تويتر: ضرورة تطبيع الخلاف

من يتابع بعض الهاشتاقات والتغريدات في التويتر يلحظ أن هناك قدرا كبيرا من الحدة في التعاطي مع المخالف وحضورا لافتا للغة العُنفية التي تقزم المخالف وتصادر حقه في ممارسة الاختلاف انطلاقا من مبدأ «إن لم تكن معي فأنت ضدي» على نحو يعصف بالموضوعية ويفتك بمقومات التجرد.

يحدث أحيانا أن يختار عالم أو طالب علم قولا فقهيا مدللا قد يكون له وزنه العلمي وحيثياته المعتبرة وقد يكون قال به الجمهور أو أئمة لهم اعتبارهم وثقلهم الفقهي فيواجه هذا العالم بعاصفة نقدية وضروب من الهجاء المقذع الذي يعتمد الشخصنة أسلوبا مفضلا في الرد!

تلك الردود تكون مقبولة بل هي مطلوبة لوكانت في خصائصها التكوينية ذات طابع علمي يثري الحراك ويغذي روافد المعرفة لكن المشكلة هنا أن معظم تلك الردود هي ردود سوقية شوارعية مبتذلة والذي يثير العجب أكثر أن هذا الشخص الذي يرد, هو يرد على قضية فيها (خلاف) في الوقت الذي هوفيه يستخدم أسلوبا هجوميا شتائميا عدائيا قد (أجمع)العلماء على تحريمه! فأيهما أولى بالإنكار عليه إذن؟!

الشريعة (الواحدة) هي أوسع من الفقه (المتعدد) والحكم بترجيح هذا القول أو ذاك هو أمر نسبي والحقيقة تستعصي على الاحتكار واعتماد مبدأ إرهاب المخالف هومبدأ كهنوتي ليس له موطأ قدم في الشرع الحنيف.

النظام الكهنوتي فقط هو الذي يقلقه الخلاف ولذا يلجأ للتنكيل بالمخالف والمطلع على تاريخ الكنيسة في اوروبا تدهشه تلك الصور الاستبدادية الرهيبة التي صبغت ذلك النظام الكنسي الذي اتسع نطاق تسلطه وبشكل غيب العقل الجمعي وحجب حضوره وعلى نحوكامل ولا غرو فتلك التجربة الكهنوتية اعتمدت نظاما إلغائيا فما يقوله رجال الكنيسة وما يتفوهون به من عبارات ليس إلا رؤى ربانية وأفكارا تستمد قدسيتها من السماء وبالتالي فهي تستعصي على النقد وليس بالإمكان خضوعها لأي لون من ألوان التقييم فضلا عن إمكانيات التقويم!

ليس الإسلام وإنما الاستبداد الكهنوتي فقط هوالذي يسحق المخالف ويقتل العقل ويضيق الخناق على الفكر ويحجر على كل رؤية تروم التعبيرعن فرادتها وحضورها الاستقلالي.هذا التغول الكنسي لم يكن عبارة عن حالات فردية جزئية ظرفية عابرة ومحدودة بسياقها بل كان تغولا منظما ممنهجا يتعاطى مع كل رؤية مغايرة بوصفها تمردا على الكنيسة يجب التعامل معه بمنتهى القمعية والتسلط. النظام الكنسي هنا يتعاطى مع المجموع بوصفه قطيعا إمعيا لا يريد التفكير بل ولا يستطيع التفكير حتى ولو أراده!, ومن حدثته نفسه بالتفكير - ذات صحوة عقلية ما - فهو معرض لألوان التنكيل الدنيوي فضلاً عن عذاب سماوي سيأتي على أخضره ويابسه ويجعله عبرة لكل من فكر - ولو مجرد تفكير- بتعزيز جوهرية العقل واستشعار مقتضيات التفرد.

إن العقل الحر لا يجد أدنى غضاضة في وجود الاختلاف بل هو يتقبله ويتفهم حيثياته ويتعاطى معه بالطرق العلمية المعتبرة فالحجة تجابه بالحجة والفكرة تقارع بنظيرتها والحقيقة المعرفية في النهاية هي التي ستتجلى للعيان.

abdalla_2015@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب